[ ص: 487 ]  ( ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون    ( 76 ) حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون   ( 77 ) وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون   ( 78 ) وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون   ( 79 ) وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون   ( 80 ) بل قالوا مثل ما قال الأولون   ( 81 ) قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون   ( 82 ) لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين   ( 83 ) ) . 
يقول تعالى : ( ولقد أخذناهم بالعذاب   ) أي : ابتليناهم بالمصائب والشدائد ، ( فما استكانوا لربهم وما يتضرعون   ) أي : فما ردهم ذلك عما كانوا فيه من الكفر والمخالفة ، بل استمروا على ضلالهم وغيهم . ( فما استكانوا   ) أي : ما خشعوا ، ( وما يتضرعون   ) أي : ما دعوا ، كما قال تعالى : ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون   ) [ الأنعام : 43 ] . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا علي بن الحسين ،  حدثنا محمد بن حمزة المروزي ،  حدثنا علي بن الحسين ،  حدثنا أبي ، عن يزيد يعني : النحوي  عن عكرمة ،  عن ابن عباس ،  أنه قال : جاء أبو سفيان  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ،  أنشدك الله والرحم ، فقد أكلنا العلهز يعني : الوبر والدم فأنزل الله : ( ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون   ) 
وهكذا رواه  النسائي  عن محمد بن عقيل ،  عن علي بن الحسين ،  عن أبيه ، به . وأصل هذا الحديث في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش   حين استعصوا فقال :  " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف   "  . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا علي بن الحسين ،  حدثنا سلمة بن شبيب ،  حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان ،  عن وهب بن عمر بن كيسان  قال : حبس  وهب بن منبه ،  فقال له رجل من الأبناء : ألا أنشدك بيتا من شعر يا أبا عبد الله؟ فقال وهب   : نحن في طرف من عذاب الله ، والله تعالى يقول : ( ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون   ) قال : وصام وهب  ثلاثا متواصلة ، فقيل له : ما هذا الصوم يا أبا عبد الله؟ قال : أحدث لنا فأحدثنا . يعني : أحدث لنا الحبس ، فأحدثنا زيادة عبادة . 
وقوله : ( حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون   ) أي : حتى إذا جاءهم أمر الله وجاءتهم الساعة بغتة  وأخذهم من عقاب الله ما لم يكونوا يحتسبون ، فعند ذلك أبلسوا من كل خير ، وأيسوا من كل راحة ، وانقطعت آمالهم ورجاؤهم . 
ثم ذكر تعالى نعمته على عباده في أن جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ، وهي العقول والفهوم ، التي يدركون بها الأشياء ، ويعتبرون بما في الكون من الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى ، وأنه الفاعل المختار لما يشاء .  [ ص: 488 ] 
وقوله : ( قليلا ما تشكرون   ) أي : وما أقل شكركم لله على ما أنعم به عليكم ،  كقوله : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين   ) [ يوسف : 103 ] . 
ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة وسلطانه القاهر  ، في برئة الخليقة وذرئه لهم في سائر أقطار الأرض ، على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم ، ثم يوم القيامة يجمع الأولين منهم والآخرين  لميقات يوم معلوم ، فلا يترك منهم صغيرا ولا كبيرا ، ولا ذكرا ولا أنثى ، ولا جليلا ولا حقيرا ، إلا أعاده كما بدأه; ولهذا قال : ( وهو الذي يحيي ويميت   ) أي : يحيي الرمم ويميت الأمم ، ( وله اختلاف الليل والنهار   ) أي : وعن أمره تسخير الليل والنهار  ، كل منهما يطلب الآخر طلبا حثيثا ، يتعاقبان لا يفتران ، ولا يفترقان بزمان غيرهما ، كقوله تعالى : ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون   ) [ يس : 40 ] . 
وقوله : ( أفلا تعقلون   ) أي : أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم ، الذي قد قهر كل شيء ، وعز كل شيء ، وخضع له كل شيء . 
ثم قال مخبرا عن منكري البعث ، الذين أشبهوا من قبلهم من المكذبين : ( بل قالوا مثل ما قال الأولون . قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون   ) يعني يستبعدون وقوع ذلك بعد صيرورتهم إلى البلى ، ( لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين   ) يعنون : [ أن ] الإعادة محال ، إنما يخبر بها من تلقاها عن كتب الأولين واختلاقهم . وهذا الإنكار والتكذيب منهم كقوله تعالى إخبارا عنهم : ( أئذا كنا عظاما نخرة . قالوا تلك إذا كرة خاسرة . فإنما هي زجرة واحدة . فإذا هم بالساهرة   ) [ النازعات : 11 14 ] ، وقال تعالى : ( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين . وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم   ) [ يس : 77 79 ] . 
				
						
						
