[ ص: 380 ]  ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين  إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا   ( 6 ) ) . 
قد علم الله تعالى شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته ، ونصحه لهم ، فجعله أولى بهم من أنفسهم ، وحكمه فيهم مقدما على اختيارهم لأنفسهم ، كما قال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما   ) [ النساء : 65 ] . وفي الصحيح :  " والذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين "  . وفي الصحيح أيضا أن عمر ،  رضي الله عنه ، قال : يا رسول الله ، والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي . فقال : " لا يا عمر ،  حتى أكون أحب إليك من نفسك " . فقال : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي . فقال : " الآن يا عمر   "  . 
ولهذا قال تعالى في هذه الآية : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم   ) . 
وقال  البخاري  عندها : حدثنا إبراهيم بن المنذر  ، حدثنا [ محمد بن ] فليح  ، حدثنا أبي ، عن هلال بن علي  ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة  ، عن  أبي هريرة  ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة . اقرؤوا إن شئتم : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم   ) ، فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا . فإن ترك دينا أو ضياعا ، فليأتني فأنا مولاه "  . تفرد به  البخاري   . 
ورواه أيضا في " الاستقراض "  وابن جرير  ،  وابن أبي حاتم  من طرق ، عن فليح ،  به مثله . ورواه  الإمام أحمد  ، من حديث أبي حصين  ، عن أبي صالح  ، عن  أبي هريرة  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا عبد الرزاق  ، عن معمر  ، عن الزهري  في قوله تعالى : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم   ) عن أبي سلمة  ، عن  جابر بن عبد الله  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :  " أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، فأيما رجل مات وترك دينا ، فإلي . ومن ترك مالا فلورثته "  . ورواه أبو داود  ، عن  أحمد بن حنبل  ، به نحوه . 
وقوله : ( وأزواجه أمهاتهم   ) أي : في الحرمة والاحترام ، والإكرام والتوقير والإعظام ، ولكن لا  [ ص: 381 ] تجوز الخلوة بهن ، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع ، وإن سمى بعض العلماء بناتهن أخوات المؤمنين ، كما هو منصوص  الشافعي  في المختصر ، وهو من باب إطلاق العبارة لا إثبات الحكم . وهل يقال لمعاوية  وأمثاله : خال المؤمنين ؟ فيه قولان للعلماء . ونص  الشافعي  على أنه يقال ذلك . وهل يقال لهن : أمهات المؤمنات ، فيدخل النساء في جمع المذكر السالم تغليبا ؟ فيه قولان : صح عن عائشة ،  رضي الله عنها ، أنها قالت : لا يقال ذلك . وهذا أصح الوجهين في مذهب  الشافعي ،  رحمه الله . 
وقد روي عن أبي بن كعب  ،  وابن عباس  أنهما قرآ : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " ، وروي نحو هذا عن معاوية ،  ومجاهد ،  وعكرمة ،  والحسن   : وهو أحد الوجهين في مذهب  الشافعي   . حكاه البغوي  وغيره ، واستأنسوا عليه بالحديث الذي رواه أبو داود   : 
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي  ، حدثنا ابن المبارك  ، عن محمد بن عجلان  ، عن القعقاع بن حكيم  ، عن أبي صالح  ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، ولا يستطب بيمينه " ، وكان يأمر بثلاثة أحجار ، وينهى عن الروث والرمة . 
وأخرجه  النسائي   وابن ماجه  ، من حديث ابن عجلان   . 
والوجه الثاني : أنه لا يقال ذلك ، واحتجوا بقوله : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم   ) : وقوله : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله   ) أي : في حكم الله ( من المؤمنين والمهاجرين   ) أي : القرابات أولى بالتوارث من المهاجرين  والأنصار   . وهذه ناسخة لما كان قبلها من التوارث بالحلف والمؤاخاة  التي كانت بينهم ، كما قال ابن عباس  وغيره : كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه ، للأخوة التي آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذا قال سعيد بن جبير  ، وغير واحد من السلف والخلف . 
وقد أورد فيه ابن أبي حاتم  حديثا عن  الزبير بن العوام  ، رضي الله عنه ، فقال : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي بكر المصعبي   - من ساكني بغداد   - عن  عبد الرحمن بن أبي الزناد  ، عن  هشام بن عروة  ، عن أبيه ، عن  الزبير بن العوام  قال : أنزل الله ، عز وجل ، فينا خاصة معشر قريش  والأنصار   : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض   ) ، وذلك أنا معشر قريش  لما قدمنا المدينة ،  قدمنا ولا أموال لنا ، فوجدنا الأنصار  نعم الإخوان ، فواخيناهم ووارثناهم . فآخى أبو بكر   خارجة بن زيد  ، وآخى عمر  فلانا ، وآخى  عثمان بن عفان  رضي الله عنه رجلا من بني زريق  ، سعد الزرقي  ، ويقول بعض الناس غيره . قال الزبير   :  [ ص: 382 ] وواخيت أنا  كعب بن مالك  ، فجئته فابتعلته فوجدت السلاح قد ثقله فيما يرى ، فوالله يا بني ، لو مات يومئذ عن الدنيا ، ما ورثه غيري ، حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش  والأنصار  خاصة ، فرجعنا إلى مواريثنا  . 
وقوله : ( إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا   ) أي : ذهب الميراث ، وبقي النصر والبر والصلة والإحسان والوصية . 
وقوله : ( كان ذلك في الكتاب مسطورا   ) أي : هذا الحكم ، وهو أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ، حكم من الله مقدر مكتوب في الكتاب الأول ، الذي لا يبدل ، ولا يغير . قاله مجاهد  وغير واحد . وإن كان قد يقال : قد شرع خلافه في وقت لما له في ذلك من الحكمة البالغة ، وهو يعلم أنه سينسخه إلى ما هو جار في قدره الأزلي ، وقضائه القدري الشرعي . 
				
						
						
