( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا    ( 25 ) ) . 
يقول تعالى مخبرا عن الأحزاب لما أجلاهم عن المدينة ،  بما أرسل عليهم من الريح والجنود الإلهية ، ولولا أن جعل الله رسوله رحمة للعالمين ، لكانت هذه الريح عليهم أشد من الريح العقيم على عاد ،  ولكن قال الله تعالى : ( وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا   ) [ الأنفال : 33 ] ، فسلط عليهم هواء فرق شملهم ، كما كان سبب اجتماعهم من الهوى ، وهم أخلاط من قبائل شتى ، أحزاب وآراء ، فناسب أن يرسل عليهم الهواء الذي فرق  [ ص: 396 ] جماعتهم ، وردهم خائبين خاسرين بغيظهم وحنقهم ، لم ينالوا خيرا لا في الدنيا ، مما كان في أنفسهم من الظفر والمغنم ، ولا في الآخرة بما تحملوه من الآثام في مبارزة الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، بالعداوة ، وهمهم بقتله ، واستئصال جيشه ، ومن هم بشيء وصدق همه بفعله ، فهو في الحقيقة كفاعله . 
وقوله : ( وكفى الله المؤمنين القتال   ) أي : لم يحتاجوا إلى منازلتهم ومبارزتهم حتى يجلوهم عن بلادهم ، بل كفى الله وحده ، ونصر عبده ، وأعز جنده; ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، فلا شيء بعده "  . أخرجاه من حديث  أبي هريرة   . 
وفي الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد  ، عن عبد الله بن أبي أوفى  قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال :  " اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الأحزاب . اللهم اهزمهم وزلزلهم "  . وفي قوله : ( وكفى الله المؤمنين القتال   ) : إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبين قريش ،  وهكذا وقع بعدها ، لم يغزهم المشركون ، بل غزاهم المسلمون في بلادهم . 
قال محمد بن إسحاق   : لما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا :  " لن تغزوكم قريش  بعد عامكم هذا ، ولكنكم تغزونهم " فلم تغز قريش  بعد ذلك ، وكان هو يغزوهم بعد ذلك ، حتى فتح الله عليه مكة   . 
وهذا الحديث الذي ذكره محمد بن إسحاق  حديث صحيح ، كما قال  الإمام أحمد   : حدثنا يحيى ،  عن سفيان ،  حدثني أبو إسحاق  قال : سمعت  سليمان بن صرد  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : " الآن نغزوهم ولا يغزونا  " . 
وهكذا رواه  البخاري  في صحيحه ، من حديث الثوري  وإسرائيل ،  عن أبي إسحاق  ، به . 
وقوله تعالى : ( وكان الله قويا عزيزا   ) أي : بحوله وقوته ، ردهم خائبين ، لم ينالوا خيرا ، وأعز الله الإسلام وأهله وصدق وعده ، ونصر رسوله وعبده ، فله الحمد والمنة . 
				
						
						
