( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا    ( 45 ) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا   ( 46 ) وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا   ( 47 ) ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا   ( 48 ) ) . 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا موسى بن داود  ، حدثنا فليح بن سليمان  ، عن هلال بن علي  عن  عطاء بن يسار  قال : لقيت  عبد الله بن عمرو بن العاص  فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة   . قال : أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا   ) وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، لست بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يدفع السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن لا إله إلا الله ، فيفتح بها أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا " . 
 [ ص: 438 ] وقد رواه  البخاري  في " البيوع " عن محمد بن سنان  ، عن فليح بن سليمان  ، عن هلال بن علي  به . ورواه في التفسير عن عبد الله - قيل : ابن رجاء ، وقيل : ابن صالح -  عن عبد العزيز بن أبي سلمة  ، عن هلال ،  عن  عطاء بن يسار  ، عن عبد الله بن عمرو  ، به . ورواه ابن أبي حاتم  ، عن أبيه ، عن عبد الله بن رجاء  ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون  ، به . 
وقال  البخاري  في البيوع : وقال سعيد ،  عن هلال ،  عن عطاء ،  عن  عبد الله بن سلام   . 
وقال  وهب بن منبه   : إن الله أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل   - يقال له : شعياء   - أن قم في قومك بني إسرائيل  ، فإني منطق لسانك بوحي وأبعث أميا من الأميين ، أبعثه [ مبشرا ] ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، لو يمر إلى جنب سراج لم يطفئه ، من سكينته ، ولو يمشي على القصب لم يسمع من تحت قدميه ، أبعثه مبشرا ونذيرا ، لا يقول الخنا ، أفتح به أعينا كمها ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا ، أسدده لكل أمر جميل ، وأهب له كل خلق كريم ، وأجعل السكينة لباسه ، والبر شعاره ، والتقوى ضميره ، والحكمة منطقه ، والصدق والوفاء طبيعته ، والعفو والمعروف خلقه ، والحق شريعته ، والعدل سيرته ، والهدى إمامه ، والإسلام ملته ، وأحمد  اسمه ، أهدي به بعد الضلالة ، وأعلم به بعد الجهالة ، وأرفع به بعد الخمالة ، وأعرف به بعد النكرة ، وأكثر به بعد القلة ، وأغني به بعد العيلة ، وأجمع به بعد الفرقة ، وأؤلف به بين أمم متفرقة ، وقلوب مختلفة ، وأهواء متشتتة ، وأستنقذ به فئاما من الناس عظيمة من الهلكة ، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، موحدين مؤمنين مخلصين ، مصدقين لما جاءت به رسلي ، ألهمهم التسبيح والتحميد ، والثناء والتكبير والتوحيد ، في مساجدهم ومجالسهم ، ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم ، يصلون لي قياما وقعودا ، ويقاتلون في سبيل الله صفوفا وزحوفا ، ويخرجون من ديارهم ابتغاء مرضاتي ألوفا ، يطهرون الوجوه والأطراف ، ويشدون الثياب في الأنصاف ، قربانهم دماؤهم ، وأناجيلهم في صدورهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، وأجعل في أهل بيته وذريته السابقين والصديقين والشهداء والصالحين ، أمته من بعده يهدون بالحق وبه يعدلون ، أعز من نصرهم ، وأؤيد من دعا لهم ، وأجعل دائرة السوء على من خالفهم أو بغى عليهم ، أو أراد أن ينتزع شيئا مما في أيديهم . أجعلهم ورثة لنبيهم ، والداعية إلى ربهم ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، ويوفون بعهدهم ، أختم بهم الخير الذي بدأته بأولهم ، ذلك فضلي أوتيه من أشاء ، وأنا ذو الفضل العظيم  . 
هكذا رواه ابن أبي حاتم  ، عن  وهب بن منبه اليماني  ، رحمه الله . 
ثم قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن صالح  ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد  [ ص: 439 ] بن عبيد الله العرزمي  ، عن شيبان النحوي  ، أخبرني قتادة ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس  قال : لما نزلت : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا   ) - وقد كان أمر عليا  ومعاذا  أن يسيرا إلى اليمن   - فقال : " انطلقا فبشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا ، إنه قد أنزل علي : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا   )  . 
ورواه  الطبراني  عن محمد بن نصر بن حميد البزاز البغدادي  ، عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي  ، عن عبد الرحمن [ بن محمد ] بن عبيد الله العرزمي  ، بإسناده مثله . وقال في آخره :  " فإنه قد أنزل علي : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا  على أمتك ومبشرا بالجنة ، ونذيرا من النار ، وداعيا إلى شهادة أن لا إله إلا الله بإذنه ، وسراجا منيرا بالقرآن "  . 
وقوله : ( شاهدا ) أي : لله بالوحدانية ، وأنه لا إله غيره ، وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة ، ( وجئنا بك على هؤلاء شهيدا   ) ، [ كقوله : ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا   ) ] [ البقرة : 143 ] . 
وقوله : ( ومبشرا ونذيرا   ) أي : بشيرا للمؤمنين بجزيل الثواب ، ونذيرا للكافرين من وبيل العقاب . 
وقوله : ( وداعيا إلى الله بإذنه   ) أي : داعيا للخلق إلى عبادة ربهم عن أمره لك بذلك ، ( وسراجا منيرا   ) أي : وأمرك ظاهر فيما جئت به من الحق ، كالشمس في إشراقها وإضاءتها ، لا يجحدها إلا معاند . 
وقوله : ( ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم   ) ، أي : لا تطعهم و [ لا ] تسمع منهم في الذي يقولونه ( ودع أذاهم   ) أي : اصفح وتجاوز عنهم ، وكل أمرهم إلى الله ، فإن فيه كفاية لهم; ولهذا قال : ( وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا   ) . 
				
						
						
