( الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره  ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون   ( 12 ) وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون   ( 13 ) ) 
( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون   ( 14 ) من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون   ( 15 ) ) 
يذكر تعالى نعمه على عبيده فيما سخر لهم من البحر ( لتجري الفلك   ) ، وهي السفن فيه بأمره تعالى ، فإنه هو الذي أمر البحر أن يحملها ( ولتبتغوا من فضله   ) أي : في المتاجر والمكاسب ، ( ولعلكم تشكرون   ) أي : على حصول المنافع المجلوبة إليكم من الأقاليم النائية والآفاق القاصية . 
 [ ص: 266 ] 
ثم قال تعالى : ( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض   ) أي : من الكواكب والجبال ، والبحار والأنهار ، وجميع ما تنتفعون به ، أي : الجميع من فضله وإحسانه وامتنانه ; ولهذا قال : ( جميعا منه   ) أي : من عنده وحده لا شريك له في ذلك ، كما قال تعالى : ( وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون   ) [ النحل : 53 ] . 
وروى ابن جرير  من طريق العوفي  ، عن ابن عباس  في قوله : ( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه   ) كل شيء هو من الله ، وذلك الاسم فيه اسم من أسمائه ، فذلك جميعا منه ، ولا ينازعه فيه المنازعون ، واستيقن أنه كذلك . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن خلف العسقلاني  ، حدثنا الفرياني  ، عن سفيان  ، عن الأعمش  ، عن  المنهال بن عمرو  ، عن أبي أراكة  قال : سأل رجل عبد الله بن عمرو  قال : مم خلق الخلق ؟ قال : من النور والنار ، والظلمة والثرى . قال وائت ابن عباس  فاسأله . فأتاه فقال له مثل ذلك ، فقال : ارجع إليه فسله : مم خلق ذلك كله ؟ فرجع إليه فسأله ، فتلا ( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه   ) هذا أثر غريب ، وفيه نكارة . 
( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون   ) 
وقوله : ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله   ) أي : يصفحوا عنهم ويحملوا الأذى منهم . وهذا كان في ابتداء الإسلام ، أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ؛ ليكون ذلك لتأليف قلوبهم ، ثم لما أصروا على العناد شرع الله للمؤمنين الجلاد والجهاد . هكذا روي عن ابن عباس  ، وقتادة   . 
وقال مجاهد   [ في قوله ] ( لا يرجون أيام الله   ) لا يبالون نعم الله . 
وقوله : ( ليجزي قوما بما كانوا يكسبون   ) أي : إذا صفحوا عنهم في الدنيا ، فإن الله مجازيهم بأعمالهم السيئة في الآخرة ; ولهذا قال : ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون   ) أي : تعودون إليه يوم القيامة فتعرضون بأعمالكم [ عليه ] فيجزيكم بأعمالكم خيرها وشرها . 
				
						
						
