[ ص: 26 ]  ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير    ( 22 ) لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور   ( 23 ) الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد   ( 24 ) ) 
يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية  فقال : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم   ) أي : في الآفاق وفي نفوسكم ( إلا في كتاب من قبل أن نبرأها   ) أي : من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة . 
وقال بعضهم : ( من قبل أن نبرأها   ) عائد على النفوس . وقيل : عائد على المصيبة . والأحسن عوده على الخليقة والبرية ; لدلالة الكلام عليها ، كما قال ابن جرير   : 
حدثني يعقوب  ، حدثنا  ابن علية  ، عن منصور بن عبد الرحمن  قال : كنت جالسا مع الحسن  ، فقال رجل : سله عن قوله : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها   ) فسألته عنها ، فقال : سبحان الله ! ومن يشك في هذا ؟ كل مصيبة بين السماء والأرض ، ففي كتاب الله من قبل أن يبرأ النسمة 
وقال قتادة   : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض   ) قال : هي السنون . يعني : الجدب ، ( ولا في أنفسكم   ) يقول : الأوجاع والأمراض . قال : وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم ، ولا خلجان عرق إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر  . 
وهذه الآية الكريمة من أدل دليل على القدرية نفاة العلم السابق - قبحهم الله - وقال  الإمام أحمد   : 
حدثنا أبو عبد الرحمن  ، حدثنا حيوة  ، وابن لهيعة  قالا حدثنا أبو هانئ الخولاني   : أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي  يقول : سمعت  عبد الله بن عمرو بن العاص  يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة  " . 
ورواه مسلم  في صحيحه ، من حديث  عبد الله بن وهب  ، وحيوة بن شريح  ، ونافع بن يزيد  ، وثلاثتهم عن أبي هانئ  به . وزاد بن وهب   : " وكان عرشه على الماء " . ورواه الترمذي  وقال : حسن صحيح 
وقوله : ( إن ذلك على الله يسير   ) أي : أن علمه تعالى الأشياء قبل كونها ، وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها سهل على الله ، عز وجل ; لأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون . 
 [ ص: 27 ] 
وقوله : ( لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم   ) أي : أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها ، وتقديرنا الكائنات قبل وجودها ، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم ، وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم ، فلا تأسوا على ما فاتكم ، فإنه لو قدر شيء لكان ( ولا تفرحوا بما آتاكم   ) أي : جاءكم ، ويقرأ : " آتاكم " أي : أعطاكم . وكلاهما متلازمان ، أي : لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم ، فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم ، وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم ، فلا تتخذوا نعم الله أشرا وبطرا ، تفخرون بها على الناس ; ولهذا قال : ( والله لا يحب كل مختال فخور   ) أي : مختال في نفسه متكبر فخور ، أي : على غيره . 
وقال عكرمة   : ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ، ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا  . 
ثم قال : ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل   ) أي : يفعلون المنكر ويحضون الناس عليه ، ( ومن يتول   ) أي : عن أمر الله وطاعته ( فإن الله هو الغني الحميد   ) كما قال موسى  عليه السلام : ( إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد   ) [ إبراهيم : 8 ] . 
				
						
						
