( ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم  ويحلفون على الكذب وهم يعلمون   ( 14 ) أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون   ( 15 ) اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين   ( 16 ) لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون   ( 17 ) يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون   ( 18 ) استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون   ( 19 ) ) 
يقول تعالى منكرا على المنافقين  في موالاتهم الكفار في الباطن ، وهم في نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين ، كما قال تعالى : ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا   ) [ النساء : 143 ] وقال ها هنا : ( ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم   ) يعني :  [ ص: 52 ] اليهود ، الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن . ثم قال : ( ما هم منكم ولا منهم   ) أي : هؤلاء المنافقون ، ليسوا في الحقيقة لا منكم أيها المؤمنون ، ولا من الذين تولوهم وهم اليهود . 
ثم قال : ( ويحلفون على الكذب وهم يعلمون   ) يعني : المنافقين يحلفون على الكذب وهم عالمون بأنهم كاذبون فيما حلفوا ، وهي اليمين الغموس ، ولا سيما في مثل حالهم اللعين ، عياذا بالله منه فإنهم كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، وإذا جاءوا الرسول حلفوا بالله له أنهم مؤمنون ، وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به ; لأنهم لا يعتقدون صدق ما قالوه ، وإن كان في نفس الأمر مطابقا ; ولهذا شهد الله بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك . 
ثم قال : ( أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون   ) أي : أرصد الله لهم على هذا الصنيع العذاب الأليم على أعمالهم السيئة ، وهي موالاة الكافرين ونصحهم ، ومعاداة المؤمنين وغشهم ; ولهذا قال تعالى ( اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله   ) أي : أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ، واتقوا بالأيمان الكاذبة ، فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم ، فحصل بهذا صد عن سبيل الله لبعض الناس ( فلهم عذاب مهين   ) أي : في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله العظيم في الأيمان الكاذبة الحانثة . 
ثم قال : ( لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا   ) أي : لن يدفع ذلك عنهم بأسا إذا جاءهم ، ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون   ) 
ثم قال : ( يوم يبعثهم الله جميعا   ) أي : يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحدا ، ( فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء   ) أي : يحلفون بالله عز وجل ، أنهم كانوا على الهدى والاستقامة ، كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا ; لأن من عاش على شيء مات عليه وبعث عليه ، ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس ، فيجرون عليهم الأحكام الظاهرة ; ولهذا قال : ( ويحسبون أنهم على شيء   ) أي : حلفهم ذلك لربهم ، عز وجل . 
ثم قال منكرا عليهم حسبانهم ( ألا إنهم هم الكاذبون   ) فأكد الخبر عنهم بالكذب . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا ابن نفيل  ، حدثنا زهير  عن  سماك بن حرب  ، حدثني سعيد بن جبير   ; أن ابن عباس  حدثه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في ظل حجرة من حجره ، وعنده نفر من المسلمين قد كان يقلص عنهم الظل ، قال : " إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان ، فإذا أتاكم فلا تكلموه " . فجاء رجل أزرق ، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه ، فقال ; " علام تشتمني أنت وفلان وفلان ؟ " - نفر دعاهم بأسمائهم - قال : فانطلق الرجل فدعاهم ، فحلفوا له واعتذروا إليه ، قال فأنزل الله ، عز وجل : ( فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون   ) 
 [ ص: 53 ] 
وهكذا رواه  الإمام أحمد  من طريقين ، عن سماك  به ورواه ابن جرير  ، عن  محمد بن المثنى  ، عن غندر  ، عن شعبة  ، عن سماك  ، به نحوه ، وأخرجه أيضا من حديث  سفيان الثوري  ، عن سماك  بنحوه . إسناد جيد ولم يخرجوه . 
وحال هؤلاء كما أخبر الله تعالى عن المشركين حيث يقول : ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون   ) [ الأنعام : 23 ، 24 ] 
ثم قال : ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله   ) أي : استحوذ على قلوبهم الشيطان حتى أنساهم أن يذكروا الله ، عز وجل ، وكذلك يصنع بمن استحوذ عليه ; ولهذا قال أبو داود   : 
حدثنا  أحمد بن يونس  ، حدثنا زائدة  ، حدثنا السائب بن حبيش  ، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري  ، عن  أبي الدرداء   : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من ثلاثة في قرية ولا بدو ، لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان ، فعليك بالجماعة ، فإنما يأكل الذئب القاصية  " . قال زائدة : قال السائب : يعني الصلاة في الجماعة . 
ثم قال تعالى : ( أولئك حزب الشيطان   ) يعني : الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله . ثم قال تعالى : ( ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون   ) 
				
						
						
