تفسير سورة الجمعة وهي مدنية .  [ ص: 115 ] 
عن ابن عباس  ،  وأبي هريرة   : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين  . رواه مسلم  في صحيحه . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض  الملك القدوس العزيز الحكيم   ( 1 ) هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين   ( 2 ) وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم   ( 3 ) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم   ( 4 ) ) 
يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السماوات وما في الأرض ، أي : من جميع المخلوقات ناطقها وجامدها ، كما قال : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده   ) [ الإسراء : 44 ] 
ثم قال : ( الملك القدوس   ) أي : هو مالك السماوات والأرض المتصرف فيهما بحكمه ، وهو ( القدوس ) أي : المنزه عن النقائص ، الموصوف بصفات الكمال ( العزيز الحكيم ) تقدم تفسيره غير مرة . 
وقوله تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم   ) الأميون هم : العرب كما قال تعالى : ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد   ) [ آل عمران : 314 ] وتخصيص الأميين بالذكر لا ينفي من عداهم ، ولكن المنة عليهم أبلغ وآكد ، كما في قوله : ( وإنه لذكر لك ولقومك   ) [ الزخرف : 44 ] وهو ذكر لغيرهم يتذكرون به . وكذا قوله : ( وأنذر عشيرتك الأقربين   ) [ الشعراء : 214 ] وهذا وأمثاله لا ينافي قوله تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا   ) [ الأعراف : 158 ] وقوله : ( لأنذركم به ومن بلغ   ) [ الأنعام : 19 ] وقوله إخبارا عن القرآن : ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده   ) [ هود : 17 ] ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عموم بعثته صلوات الله وسلامه عليه إلى جميع الخلق  أحمرهم وأسودهم ، وقد قدمنا تفسير ذلك في سورة الأنعام ، بالآيات والأحاديث الصحيحة ، ولله الحمد والمنة . 
 [ ص: 116 ] 
وهذه الآية هي مصداق إجابة الله لخليله إبراهيم  حين دعا لأهل مكة   أن يبعث الله فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة . فبعثه الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنة ، على حين فترة من الرسل ، وطموس من السبل ، وقد اشتدت الحاجة إليه ، وقد مقت الله أهل الأرض عربهم وعجمهم ، إلا بقايا من أهل الكتاب - أي : نزرا يسيرا - ممن تمسك بما بعث الله به عيسى ابن مريم  عليه السلام ; ولهذا قال تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين   ) وذلك أن العرب كانوا قديما متمسكين بدين إبراهيم  الخليل عليه السلام فبدلوه وغيروه ، وقلبوه وخالفوه ، واستبدلوا بالتوحيد شركا وباليقين شكا ، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله وكذلك أهل الكتابين قد بدلوا كتبهم وحرفوها وغيروها وأولوها ، فبعث الله محمدا  صلوات الله وسلامه عليه بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق ، فيه هدايتهم ، والبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم ، والدعوة لهم إلى ما يقربهم إلى الجنة ، ورضا الله عنهم ، والنهي عما يقربهم إلى النار وسخط الله . حاكم ، فاصل لجميع الشبهات والشكوك ، والريب في الأصول والفروع . وجمع له تعالى ، وله الحمد والمنة جميع المحاسن ممن كان قبله ، وأعطاه ما لم يعط أحدا من الأولين ، ولا يعطيه أحدا من الآخرين ، فصلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين . 
وقوله : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم   ) قال  الإمام أبو عبد الله البخاري  رحمه الله . 
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله  ، حدثنا  سليمان بن بلال  ، عن ثور  ، عن أبي الغيث  ، عن  أبي هريرة  رضي الله عنه ، قال : كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزلت عليه سورة الجمعة : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم   ) قالوا : من هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا ، وفينا سلمان الفارسي  فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على سلمان  ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال - أو : رجل - من هؤلاء " . 
ورواه مسلم  ،  والترمذي  ،  والنسائي  ،  وابن أبي حاتم  ،  وابن جرير  من طرق عن ثور بن زيد الديلي  ، عن سالم أبي الغيث  ، عن  أبي هريرة  به 
ففي هذا الحديث دليل على أن هذه السورة مدنية ، وعلى عموم بعثته - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الناس ; لأنه فسر قوله : ( وآخرين منهم   ) بفارس  ولهذا كتب كتبه إلى فارس ،  والروم ،  وغيرهم من الأمم ، يدعوهم إلى الله عز وجل ، وإلى اتباع ما جاء به ; ولهذا قال مجاهد  وغير واحد في قوله : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم   ) قال : هم الأعاجم ، وكل من صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير العرب . 
 [ ص: 117 ] 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي  ، حدثنا  الوليد بن مسلم  ، حدثنا أبو محمد عيسى بن موسى  ، عن أبي حازم  ، عن  سهل بن سعد الساعدي  ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال من أصحابي رجالا ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب " ثم قرأ : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم   ) يعني : بقية من بقي من أمة محمد   - صلى الله عليه وسلم - . 
وقوله : ( وهو العزيز الحكيم   ) أي : ذو العزة والحكمة في شرعه وقدره . 
وقوله : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم   ) يعني : ما أعطاه الله محمدا   - صلى الله عليه وسلم - من النبوة العظيمة ، وما خص به أمته من بعثته - صلى الله عليه وسلم - إليهم . 
				
						
						
