تفسير سورة الجمعة وهي مدنية .
[ ص: 115 ]
عن
ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823093أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين . رواه
مسلم في صحيحه .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29033_33133يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ( 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ( 3 )
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=4ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( 4 ) )
يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السماوات وما في الأرض ، أي : من جميع المخلوقات ناطقها وجامدها ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) [ الإسراء : 44 ]
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=1الملك القدوس ) أي : هو مالك السماوات والأرض المتصرف فيهما بحكمه ، وهو ( القدوس ) أي : المنزه عن النقائص ، الموصوف بصفات الكمال ( العزيز الحكيم ) تقدم تفسيره غير مرة .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) الأميون هم : العرب كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ) [ آل عمران : 314 ] وتخصيص الأميين بالذكر لا ينفي من عداهم ، ولكن المنة عليهم أبلغ وآكد ، كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وإنه لذكر لك ولقومك ) [ الزخرف : 44 ] وهو ذكر لغيرهم يتذكرون به . وكذا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك الأقربين ) [ الشعراء : 214 ] وهذا وأمثاله لا ينافي قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=19لأنذركم به ومن بلغ ) [ الأنعام : 19 ] وقوله إخبارا عن القرآن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=17ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) [ هود : 17 ] ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على
nindex.php?page=treesubj&link=25034_28747عموم بعثته صلوات الله وسلامه عليه إلى جميع الخلق أحمرهم وأسودهم ، وقد قدمنا تفسير ذلك في سورة الأنعام ، بالآيات والأحاديث الصحيحة ، ولله الحمد والمنة .
[ ص: 116 ]
وهذه الآية هي مصداق إجابة الله لخليله
إبراهيم حين دعا
لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة . فبعثه الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنة ، على حين فترة من الرسل ، وطموس من السبل ، وقد اشتدت الحاجة إليه ، وقد مقت الله أهل الأرض عربهم وعجمهم ، إلا بقايا من أهل الكتاب - أي : نزرا يسيرا - ممن تمسك بما بعث الله به
عيسى ابن مريم عليه السلام ; ولهذا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) وذلك أن العرب كانوا قديما متمسكين بدين
إبراهيم الخليل عليه السلام فبدلوه وغيروه ، وقلبوه وخالفوه ، واستبدلوا بالتوحيد شركا وباليقين شكا ، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله وكذلك أهل الكتابين قد بدلوا كتبهم وحرفوها وغيروها وأولوها ، فبعث الله
محمدا صلوات الله وسلامه عليه بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق ، فيه هدايتهم ، والبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم ، والدعوة لهم إلى ما يقربهم إلى الجنة ، ورضا الله عنهم ، والنهي عما يقربهم إلى النار وسخط الله . حاكم ، فاصل لجميع الشبهات والشكوك ، والريب في الأصول والفروع . وجمع له تعالى ، وله الحمد والمنة جميع المحاسن ممن كان قبله ، وأعطاه ما لم يعط أحدا من الأولين ، ولا يعطيه أحدا من الآخرين ، فصلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله .
حدثنا
عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال ، عن
ثور ، عن
أبي الغيث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823094كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزلت عليه سورة الجمعة : ( nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قالوا : من هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا ، وفينا سلمان الفارسي فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على سلمان ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال - أو : رجل - من هؤلاء " .
ورواه
مسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير من طرق عن
ثور بن زيد الديلي ، عن
سالم أبي الغيث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة به
ففي هذا الحديث دليل على أن هذه السورة مدنية ، وعلى عموم بعثته - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الناس ; لأنه فسر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وآخرين منهم )
بفارس ولهذا كتب كتبه إلى
فارس ، والروم ، وغيرهم من الأمم ، يدعوهم إلى الله عز وجل ، وإلى اتباع ما جاء به ; ولهذا قال
مجاهد وغير واحد في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال : هم الأعاجم ، وكل من صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير العرب .
[ ص: 117 ]
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
إبراهيم بن العلاء الزبيدي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، حدثنا
أبو محمد عيسى بن موسى ، عن
أبي حازم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد الساعدي ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=826896إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال من أصحابي رجالا ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب " ثم قرأ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) يعني : بقية من بقي من أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وهو العزيز الحكيم ) أي : ذو العزة والحكمة في شرعه وقدره .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=4ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) يعني : ما أعطاه الله
محمدا - صلى الله عليه وسلم - من النبوة العظيمة ، وما خص به أمته من بعثته - صلى الله عليه وسلم - إليهم .
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ .
[ ص: 115 ]
عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823093أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ . رَوَاهُ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29033_33133يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 3 )
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=4ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( 4 ) )
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ، أَيْ : مِنْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ نَاطِقِهَا وَجَامِدِهَا ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=44وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) [ الْإِسْرَاءِ : 44 ]
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=1الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ) أَيْ : هُوَ مَالِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِمَا بِحُكْمِهِ ، وَهُوَ ( الْقُدُّوسِ ) أَيِ : الْمُنَزَّهِ عَنِ النَّقَائِصِ ، الْمَوْصُوفِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ ( الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ) الْأُمِّيُّونَ هُمُ : الْعَرَبُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 314 ] وَتَخْصِيصُ الْأُمِّيِّينَ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي مَنْ عَدَاهُمْ ، وَلَكِنَّ الْمِنَّةَ عَلَيْهِمْ أَبْلَغُ وَآكَدُ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) [ الزُّخْرُفِ : 44 ] وَهُوَ ذِكْرٌ لِغَيْرِهِمْ يَتَذَكَّرُونَ بِهِ . وَكَذَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 214 ] وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) [ الْأَعْرَافِ : 158 ] وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=19لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) [ الْأَنْعَامِ : 19 ] وَقَوْلَهُ إِخْبَارًا عَنِ الْقُرْآنِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=17وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ) [ هُودٍ : 17 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=25034_28747عُمُومِ بَعْثَتِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ أَحْمَرِهِمْ وَأَسْوَدِهِمْ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَفْسِيرَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، بِالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
[ ص: 116 ]
وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ مِصْدَاقُ إِجَابَةِ اللَّهِ لِخَلِيلِهِ
إِبْرَاهِيمَ حِينَ دَعَا
لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ . فَبَعَثَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ ، عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَطُمُوسٍ مِنَ السُّبُلِ ، وَقَدِ اشْتَدَّتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ ، وَقَدْ مَقَتَ اللَّهُ أَهْلَ الْأَرْضِ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ - أَيْ : نَزْرًا يَسِيرًا - مِمَّنْ تَمْسَّكَ بِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا قَدِيمًا مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِ
إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَبَدَّلُوهُ وَغَيَّرُوهُ ، وَقَلَبُوهُ وَخَالَفُوهُ ، وَاسْتَبْدَلُوا بِالتَّوْحِيدِ شِرْكًا وَبِالْيَقِينِ شَكًّا ، وَابْتَدَعُوا أَشْيَاءَ لَمْ يَأْذَنْ بِهَا اللَّهُ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ قَدْ بَدَّلُوا كُتُبَهُمْ وَحَرَّفُوهَا وَغَيَّرُوهَا وَأَوَّلُوهَا ، فَبَعَثَ اللَّهُ
مُحَمَّدًا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِشَرْعٍ عَظِيمٍ كَامِلٍ شَامِلٍ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ ، فِيهِ هِدَايَتُهُمْ ، وَالْبَيَانُ لِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ ، وَالدَّعْوَةُ لَهُمْ إِلَى مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَرِضَا اللَّهِ عَنْهُمْ ، وَالنَّهْيُ عَمَّا يُقَرِّبُهُمْ إِلَى النَّارِ وَسَخَطِ اللَّهِ . حَاكِمٌ ، فَاصِلٌ لِجَمِيعِ الشُّبَهَاتِ وَالشُّكُوكِ ، وَالرَّيْبِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ . وَجَمَعَ لَهُ تَعَالَى ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ جَمِيعَ الْمَحَاسِنِ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ ، وَأَعْطَاهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْأَوَّلِينَ ، وَلَا يُعْطِيهِ أَحَدًا مِنَ الْآخَرِينَ ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16036سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ، عَنْ
ثَوْرٍ ، عَنْ
أَبِي الْغَيْثِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823094كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قَالُوا : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُمْ حَتَّى سُئِلَ ثَلَاثًا ، وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ : " لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ - أَوْ : رَجُلٌ - مِنْ هَؤُلَاءِ " .
وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طُرُقٍ عَنْ
ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ ، عَنْ
سَالِمٍ أَبِي الْغَيْثِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ ، وَعَلَى عُمُومِ بَعْثَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ ; لِأَنَّهُ فَسَّرَ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وَآخَرِينَ مِنْهُمْ )
بِفَارِسَ وَلِهَذَا كَتَبَ كُتُبَهُ إِلَى
فَارِسَ ، وَالرُّومِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ ، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِلَى اتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ ; وَلِهَذَا قَالَ
مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) قَالَ : هُمُ الْأَعَاجِمُ ، وَكُلُّ مَنْ صَدَّقَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ .
[ ص: 117 ]
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلَاءِ الزُّبَيْدِيُّ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ عِيسَى بْنُ مُوسَى ، عَنْ
أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=31سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=826896إِنَّ فِي أَصْلَابِ أَصْلَابِ أَصْلَابِ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي رِجَالًا وَنِسَاءً مِنْ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ " ثُمَّ قَرَأَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) يَعْنِي : بَقِيَّةٌ مَنْ بَقِيَ مِنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=3وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) أَيْ : ذُو الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ فِي شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=4ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) يَعْنِي : مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ النُّبُوَّةِ الْعَظِيمَةِ ، وَمَا خَصَّ بِهِ أُمَّتَهُ مِنْ بَعْثَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِمْ .