[ ص: 139 ]  ) ياأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم  فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم   ( 14 ) إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم   ( 15 ) فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون   ( 16 ) إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم   ( 17 ) عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم   ( 18 ) ) 
يقول تعالى مخبرا عن الأزواج والأولاد : إن منهم من هو عدو الزوج والوالد ، بمعنى : أنه يلتهى به عن العمل الصالح ، كقوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) [ . : 9 ] ; ولهذا قال ها هنا : ( فاحذروهم ) قال ابن زيد   : يعني على دينكم . 
وقال مجاهد   : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم   ) قال : يحمل الرجل على قطيعة الرحم أو معصية ربه ، فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه . وقال ابن أبي حاتم  حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن خلف العسقلاني  ، حدثنا الفريابي  ، حدثنا إسرائيل  ، حدثنا  سماك بن حرب  ، عن عكرمة  ، عن ابن عباس   - وسأله رجل عن هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم   ) - قال : فهؤلاء رجال أسلموا من مكة  فأرادوا أن يأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم ، فلما أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأوا الناس قد فقهوا في الدين ، فهموا أن يعاقبوهم ، فأنزل الله هذه الآية : ( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم   ) 
وكذا رواه الترمذي  ، عن محمد بن يحيى  ، عن الفريابي - وهو محمد بن يوسف -  به ، وقال : حسن صحيح . ورواه ابن جرير  ،  والطبراني  من حديث إسرائيل  به وروي من طريق العوفي  ، عن ابن عباس  ، نحوه ، وهكذا قال عكرمة  مولاه سواء . 
وقوله : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم    ) يقول تعالى : إنما الأموال والأولاد فتنة ، أي : اختبار وابتلاء من الله لخلقه . ليعلم من يطيعه ممن يعصيه . 
وقوله : ( والله عنده ) أي : يوم القيامة ( أجر عظيم ) كما قال : ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب   ) والتي بعدها [ آل عمران : 14 ، 15 ] 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا  زيد بن الحباب  ، حدثني  حسين بن واقد  ، حدثني عبد الله بن بريدة  ، سمعت أبي بريدة  يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب ، فجاء الحسن  والحسين  رضي الله عنهما ، عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ، ثم قال : " صدق الله ورسوله ، إنما أموالكم وأولادكم فتنة ، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما " . 
 [ ص: 140 ] 
ورواه أهل السنن من حديث  حسين بن واقد  ، به ، وقال الترمذي   : حسن غريب ، إنما نعرفه من حديثه . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا سريج بن النعمان  ، حدثنا هشيم  ، أخبرنا مجالد  ، عن الشعبي  ، حدثنا الأشعث بن قيس  قال : قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد كندة  فقال لي : " هل لك من ولد ؟ " قلت : غلام ولد لي في مخرجي إليك من ابنة جمد ، ولوددت أن بمكانه شبع القوم . قال : " لا تقولن ذلك ، فإن فيهم قرة عين ، وأجرا إذا قبضوا " ، ثم قال : " ولئن قلت ذاك : إنهم لمجبنة محزنة " تفرد به أحمد  رحمه الله تعالى . 
وقال  الحافظ أبو بكر البزار   : حدثنا محمود بن بكر  ، حدثنا أبي ، عن عيسى بن أبي وائل  ، عن  ابن أبي ليلى  ، عن عطية  ، عن أبي سعيد  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  " الولد ثمرة القلوب ، وإنهم مجبنة مبخلة  محزنة " ثم قال : لا يعرف إلا بهذا الإسناد 
وقال  الطبراني   : حدثنا هاشم بن مرثد  ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش  ، حدثني أبي ، حدثني ضمضم بن زرعة  ، عن شريح بن عبيد  ، عن أبي مالك الأشعري ;  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :  " ليس عدوك الذي إن قتلته كان فوزا لك ، وإن قتلك دخلت الجنة ، ولكن الذي لعله عدو لك ولدك الذي خرج من صلبك ، ثم أعدى عدو لك مالك الذي ملكت يمينك " 
وقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم    ) أي : جهدكم وطاقتكم . كما ثبت في الصحيحين عن  أبي هريرة  رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " 
وقد قال بعض المفسرين - كما رواه مالك  ، عن  زيد بن أسلم   - إن هذه الآية العظيمة ناسخة للتي في " آل عمران " وهي قوله : ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون   ) [ آل عمران : 102 ] 
قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبو زرعة  ، حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير  ، حدثني ابن لهيعة  ، حدثني عطاء - هو ابن دينار -  عن سعيد بن جبير  في قوله : ( اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون   ) قال : لما نزلت الآية اشتد على القوم العمل ، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم ، فأنزل الله تخفيفا على المسلمين : ( فاتقوا الله ما استطعتم   ) فنسخت الآية الأولى  . 
 [ ص: 141 ] 
وروي عن أبي العالية  ، وزيد بن أسلم  ، وقتادة  ،  والربيع بن أنس  ،  والسدي  ،  ومقاتل بن حيان  نحو ذلك . 
وقوله : ( واسمعوا وأطيعوا   ) أي : كونوا منقادين لما يأمركم الله به ورسوله ، ولا تحيدوا عنه يمنة ولا يسرة ، ولا تقدموا بين يدي الله ورسوله ، ولا تتخلفوا عما به أمرتم ، ولا تركبوا ما عنه زجرتم . 
وقوله تعالى : ( وأنفقوا خيرا لأنفسكم    ) أي : وابذلوا مما رزقكم الله على الأقارب والفقراء والمساكين وذوي الحاجات ، وأحسنوا إلى خلق الله كما أحسن إليكم ، يكن خيرا لكم في الدنيا والآخرة ، وإن لا تفعلوا يكن شرا لكم في الدنيا والآخرة . 
وقوله : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون   ) تقدم تفسيره في سورة " الحشر " وذكر الأحاديث الواردة في معنى هذه الآية ، بما أغنى عن إعادته ها هنا ، ولله الحمد والمنة ، 
وقوله : ( إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم    ) أي : مهما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ، ومهما تصدقتم من شيء فعليه جزاؤه ، ونزل ذلك منزلة القرض له ، كما ثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول :  " من يقرض غير ظلوم ولا عديم  " ولهذا قال : ( يضاعفه لكم   ) كما تقدم في سورة البقرة : ( فيضاعفه له أضعافا كثيرة   ) [ البقرة : 245 ] 
( ويغفر لكم ) أي : ويكفر عنكم السيئات . ولهذا قال : ( والله شكور ) أي : يجزي على القليل بالكثير ( حليم ) أي : يعفو ويصفح ويغفر ويستر ، ويتجاوز عن الذنوب والزلات والخطايا والسيئات . 
( عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم   ) تقدم تفسيره غير مرة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					