[ ص: 355 ] تفسير سورة الانشقاق وهي مكية
قال مالك عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة قرأ بهم : ( أبا هريرة إذا السماء انشقت " فسجد فيها فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها رواه أن مسلم من طريق والنسائي مالك به
وقال حدثنا البخاري أبو النعمان حدثنا معتمر عن أبيه عن بكر عن أبي رافع قال صليت مع العتمة فقرأ : ( أبي هريرة إذا السماء انشقت " فسجد فقلت له قال سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه
ورواه أيضا عن مسدد عن معتمر به ثم رواه عن مسدد عن عن يزيد بن زريع التيمي عن بكر عن أبي رافع فذكره وأخرجه مسلم وأبو داود من طرق ، عن والنسائي به وقد روى سليمان بن طرخان التيمي مسلم وأهل السنن من حديث سفيان بن عيينة زاد النسائي كلاهما عن وسفيان الثوري أيوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن قال أبي هريرة إذا السماء انشقت " و " اقرأ باسم ربك الذي خلق . سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في "
بسم الله الرحمن الرحيم
( إذا السماء انشقت ( 1 ) وأذنت لربها وحقت ( 2 ) وإذا الأرض مدت ( 3 ) وألقت ما فيها وتخلت ( 4 ) وأذنت لربها وحقت ( 5 ) يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ( 6 ) فأما من أوتي كتابه بيمينه ( 7 ) فسوف يحاسب حسابا يسيرا ( 8 ) وينقلب إلى أهله مسرورا ( 9 ) وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ( 10 ) فسوف يدعو ثبورا ( 11 ) ويصلى سعيرا ( 12 ) إنه كان في أهله مسرورا ( 13 ) إنه ظن أن لن يحور ( 14 ) بلى إن ربه كان به بصيرا ( 15 ) )
يقول تعالى ( إذا السماء انشقت ) وذلك يوم القيامة ( وأذنت لربها ) أي استمعت لربها [ ص: 356 ] وأطاعت أمره فيما أمرها به من الانشقاق ( وحقت ) أي وحق لها أن تطيع أمره لأنه العظيم الذي لا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شيء وذل له كل شيء
ثم قال ( وإذا الأرض مدت ) أي بسطت وفرشت ووسعت
قال ابن جرير رحمه الله : حدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري عن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه فأكون أول من يدعى وجبريل عن يمين الرحمن والله ما رآه قبلها فأقول يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي فيقول الله عز وجل - صدق ثم أشفع فأقول يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض قال وهو المقام المحمود "
وقوله ( وألقت ما فيها وتخلت ) أي ألقت ما في بطنها من الأموات وتخلت منهم قاله مجاهد وسعيد وقتادة ( وأذنت لربها وحقت ) كما تقدم
وقوله : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا ) أي : ساع إلى ربك سعيا وعامل عملا ( فملاقيه ) ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أو شر ويشهد له ما رواه عن أبو داود الطيالسي الحسن بن أبي جعفر عن عن أبي الزبير جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جبريل يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه
ومن الناس من يعيد الضمير على قوله ( ربك ) أي فملاق ربك ومعناه فيجازيك بعملك ويكافئك على سعيك وعلى هذا فكلا القولين متلازم
قال العوفي عن ابن عباس ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا ) يقول تعمل عملا تلقى الله به خيرا كان أو شرا
وقال قتادة ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا ) إن كدحك يا ابن آدم لضعيف فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ولا قوة إلا بالله
ثم قال ( فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) أي سهلا بلا تعسير ، أي لا يحقق عليه جميع دقائق أعماله فإن من حوسب كذلك يهلك لا محالة .
[ ص: 357 ]
قال حدثنا الإمام أحمد إسماعيل أخبرنا أيوب عن عن عبد الله بن أبي مليكة عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) ؟ ، قال ليس ذاك بالحساب ولكن ذلك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب من نوقش الحساب عذب قالت : فقلت أليس قال الله (
وهكذا رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث وابن جرير أيوب السختياني به
وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا روح بن عبادة حدثنا أبو عامر الخراز عن عن ابن أبي مليكة عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) ؟ ، قال ذاك العرض إنه من نوقش الحساب عذب وقال بيده على إصبعه كأنه ينكت إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذبا فقلت أليس الله يقول (
وقد رواه أيضا عن عمرو بن علي عن ابن أبي عدي عن أبي يونس القشيري عن عن ابن أبي مليكة القاسم عن عائشة فذكر الحديث أخرجاه من طريق أبي يونس القشيري واسمه حاتم بن أبي صغيرة به .
قال ابن جرير حدثنا حدثنا نصر بن علي الجهضمي مسلم عن الحريش بن الخريت أخي الزبير عن عن ابن أبي مليكة عائشة قالت من نوقش الحساب أو من حوسب عذب . قال ثم قالت إنما الحساب اليسير عرض على الله عز وجل وهو يراهم .
وقال أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا محمد بن إسحاق حدثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير عن عن عباد بن عبد الله بن الزبير عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته اللهم حاسبني حسابا يسيرا فلما انصرف قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال عائشة يومئذ هلك صحيح على شرط مسلم . أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه إنه من نوقش الحساب يا
قوله تعالى ( وينقلب إلى أهله مسرورا ) أي ويرجع إلى أهله في الجنة قاله قتادة والضحاك ، ( مسرورا ) أي فرحان مغتبطا بما أعطاه الله عز وجل
وقد روى عن الطبراني ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إنكم تعملون أعمالا لا تعرف ويوشك العازب أن يثوب إلى أهله فمسرور ومكظوم .
[ ص: 358 ]
وقوله ( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ) أي بشماله من وراء ظهره تثنى يده إلى ورائه ويعطى كتابه بها كذلك ( فسوف يدعو ثبورا ) أي خسارا وهلاكا ( ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا ) أي فرحا لا يفكر في العواقب ولا يخاف مما أمامه فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل ( إنه ظن أن لن يحور ) أي كان يعتقد أنه لا يرجع إلى الله ولا يعيده بعد موته قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما . والحور هو الرجوع قال الله ( بلى إن ربه كان به بصيرا ) يعني بلى سيعيده الله كما بدأه ويجازيه على أعماله خيرها وشرها فإنه ( كان به بصيرا ) أي عليما خبيرا