( كلا إن الإنسان ليطغى ( 6 ) أن رآه استغنى ( 7 ) إن إلى ربك الرجعى ( 8 ) أرأيت الذي ينهى ( 9 ) عبدا إذا صلى ( 10 ) أرأيت إن كان على الهدى ( 11 ) أو أمر بالتقوى ( 12 ) أرأيت إن كذب وتولى ( 13 ) ألم يعلم بأن الله يرى ( 14 ) كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ( 15 ) ناصية كاذبة خاطئة ( 16 ) فليدع ناديه ( 17 ) سندع الزبانية ( 18 ) كلا لا تطعه واسجد واقترب ( 19 ) )
يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان ، إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله . ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال : ( إن إلى ربك الرجعى ) أي : إلى الله المصير والمرجع ، وسيحاسبك على مالك : من أين جمعته ؟ وفيم صرفته ؟
قال ابن أبي حاتم : حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ ، حدثنا ، حدثنا جعفر بن عون أبو عميس ، عن عون ، قال : قال عبد الله : منهومان لا يشبعان ، صاحب العلم وصاحب الدنيا ، ولا يستويان [ ص: 438 ] فأما صاحب العلم فيزداد رضا الرحمن ، وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان . قال ثم قرأ عبد الله : ( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) وقال للآخر : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر : 28 ] .
وقد روي هذا مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : . " منهومان لا يشبعان : طالب علم ، وطالب دنيا "
ثم أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) نزلت في قال تعالى : ( أبي جهل ، لعنه الله ، توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت ، فوعظه الله تعالى بالتي هي أحسن أولا ، فقال : ( أرأيت إن كان على الهدى ) أي : فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله ، أو ( أمر بالتقوى ) بقوله ، وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ; ولهذا قال : ( ألم يعلم بأن الله يرى ) أي : أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه ، وسيجازيه على فعله أتم الجزاء .
ثم قال تعالى متوعدا ومتهددا : ( كلا لئن لم ينته ) أي : لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد ( لنسفعن بالناصية ) أي : لنسمنها سوادا يوم القيامة .
ثم قال : ( ناصية كاذبة خاطئة ) يعني : ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها خاطئة في فعالها .
( فليدع ناديه ) أي : قومه وعشيرته ، أي : ليدعهم يستنصر بهم ( سندع الزبانية ) وهم ملائكة العذاب ، حتى يعلم من يغلب : أحزبنا أو حزبه .
قال : حدثنا البخاري يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : قال أبو جهل : محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه . فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لئن فعله لأخذته الملائكة " . ثم قال : تابعه لئن رأيت عمرو بن خالد ، عن ، عن عبيد الله - يعني ابن عمرو - عبد الكريم .
وكذا رواه الترمذي في تفسيرهما من طريق والنسائي عبد الرزاق به ، وهكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن زكريا بن عدي ، عن عبيد الله بن عمرو به .
وروى أحمد والترمذي - وهذا لفظه - من طريق وابن جرير ، عن داود بن أبي هند عكرمة ، عن ابن عباس قال : أبو جهل بن هشام ، فقال : يا محمد ألم أنهك عن هذا ؟ - وتوعده - فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره ، فقال : يا محمد [ ص: 439 ] بأي شيء تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا ! فأنزل الله : ( فليدع ناديه سندع الزبانية ) قال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام ، فمر به الترمذي : حسن صحيح .
وقال أيضا : حدثنا الإمام أحمد إسماعيل بن زيد أبو يزيد ، حدثنا فرات ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أبو جهل : لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه . قال : فقال : " لو فعل لأخذته الملائكة عيانا ، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار ، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا " . قال
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا ابن حميد ، حدثنا ، أخبرنا يحيى بن واضح يونس بن أبي إسحاق ، عن الوليد بن العيزار ، عن ابن عباس ، قال : قال أبو جهل : محمد يصلي عند المقام لأقتلنه . فأنزل الله عز وجل : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق [ خلق الإنسان من علق ] ) حتى بلغ هذه الآية : ( لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية ) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى فقيل : ما يمنعك ؟ قال : قد اسود ما بيني وبينه من الكتائب . قال ابن عباس : والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه . لئن عاد
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، حدثنا نعيم بن أبي هند ، عن أبي حازم ، عن قال : أبي هريرة أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم . قال : فقال : واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه في التراب ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته ، قال : فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ، قال : فقيل له : ما لك ؟ فقال : إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة . قال : فقال رسول الله : " لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا " . قال : وأنزل الله - لا أدري في حديث أم لا - : ( أبي هريرة كلا إن الإنسان ليطغى ) إلى آخر السورة . قال
وقد رواه أحمد بن حنبل ومسلم والنسائي ، من حديث وابن أبي حاتم معتمر بن سليمان به .
وقوله : ( كلا لا تطعه ) يعني : يا محمد لا تطعه فيما ينهاك عنه من المداومة على العبادة وكثرتها ، وصل حيث شئت ولا تباله ; فإن الله حافظك وناصرك ، وهو يعصمك من الناس ( واسجد واقترب ) كما ثبت في الصحيح - عند مسلم - من طريق ، عن [ ص: 440 ] عبد الله بن وهب عمرو بن الحارث ، عن عمارة بن غزية ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة . " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء "
وتقدم أيضا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد في : ( إذا السماء انشقت ) و ( اقرأ باسم ربك الذي خلق )
آخر تفسير سورة " اقرأ " .