[ ص: 658 ] ) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم ( 240 ) وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ( 241 ) كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون ( 242 ) )
قال الأكثرون : هذه الآية منسوخة بالتي قبلها وهي قوله : ( يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا )
قال البخاري : حدثنا أمية حدثنا عن يزيد بن زريع حبيب عن ، قال ابن أبي مليكة ابن الزبير : قلت لعثمان بن عفان : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ) قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها أو تدعها ؟ قال : يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه .
ومعنى هذا الإشكال الذي قاله ابن الزبير لعثمان : إذا كان حكمها قد نسخ بالأربعة الأشهر فما الحكمة في إبقاء رسمها مع زوال حكمها ، وبقاء رسمها بعد التي نسختها يوهم بقاء حكمها ؟ فأجابه أمير المؤمنين بأن هذا أمر توقيفي ، وأنا وجدتها مثبتة في المصحف كذلك بعدها فأثبتها حيث وجدتها .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا عن حجاج بن محمد ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس في قوله : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ) فكان للمتوفى عنها زوجها نفقتها وسكناها في الدار سنة ، فنسختها آية المواريث فجعل لهن الربع أو الثمن مما ترك الزوج . ثم قال : وروي عن ، أبي موسى الأشعري وابن الزبير ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك وزيد بن أسلم والسدي ، ومقاتل بن حيان وعطاء الخراساني : أنها منسوخة . والربيع بن أنس
وروي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : كان الرجل إذا مات وترك امرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله ثم أنزل الله بعد : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا )
فهذه عدة المتوفى عنها زوجها إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها وقال : ( ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن [ مما تركتم ] ) [ النساء : 12 ] فبين ميراث المرأة وترك الوصية والنفقة .
قال : وروي عن مجاهد والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك والربيع ، قالوا : نسختها ( ومقاتل بن حيان أربعة أشهر وعشرا )
قال : وروي عن قال : نسختها التي في الأحزاب : ( سعيد بن المسيب يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات [ ثم طلقتموهن ] ) [ الأحزاب : 49 ] .
قلت : وروي عن [ مقاتل و ] قتادة : أنها منسوخة بآية الميراث .
[ ص: 659 ]
وقال : حدثنا البخاري إسحاق ابن راهويه ، حدثنا روح حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ) قال : كانت هذه العدة ، تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف ) قال : جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت وهو قول الله : ( غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم ) فالعدة كما هي واجب عليها ، زعم ذلك عن مجاهد : رحمه الله . وقال عطاء : وقال ابن عباس : نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قول الله تعالى : ( غير إخراج ) قال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت لقول الله : ( فلا جناح عليكم فيما فعلن [ في أنفسهن ] ) قال عطاء : ثم جاء الميراث فنسخ السكنى ، فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها . ثم أسند عن البخاري ابن عباس مثل ما تقدم عنه .
فهذا القول الذي عول عليه مجاهد من أن هذه الآية لم تدل على وجوب الاعتداد سنة كما زعمه الجمهور حتى يكون ذلك منسوخا بالأربعة الأشهر وعشر ، وإنما دلت على أن ذلك كان من باب الوصاة بالزوجات أن يمكن من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولا كاملا إن اخترن ذلك ، ولهذا قال : ( وعطاء وصية لأزواجهم ) أي : يوصيكم الله بهن وصية كقوله : ( يوصيكم الله في أولادكم ) الآية [ النساء : 11 ] وقال : ( وصية من الله ) [ النساء : 12 ] وقيل : إنما انتصب على معنى : فلتوصوا بهن وصية . وقرأ آخرون بالرفع " وصية " على معنى : كتب عليكم وصية واختارها ابن جرير ولا يمنعن من ذلك لقوله : ( غير إخراج ) فأما إذا انقضت عدتهن بالأربعة الأشهر والعشر أو بوضع الحمل ، واخترن الخروج والانتقال من ذلك المنزل فإنهن لا يمنعن من ذلك لقوله ( فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف ) وهذا القول له اتجاه ، وفي اللفظ مساعدة له ، وقد اختاره جماعة منهم : الإمام أبو العباس ابن تيمية ورده آخرون منهم : الشيخ أبو عمر بن عبد البر .
وقول عطاء ومن تابعه على أن ذلك منسوخ بآية الميراث إن أرادوا ما زاد على الأربعة أشهر والعشر فمسلم ، وإن أرادوا أن سكنى الأربعة الأشهر وعشر لا تجب في تركة الميت فهذا محل خلاف بين الأئمة ، وهما قولان رحمه الله ، وقد استدلوا على وجوب السكنى في منزل الزوج بما رواه للشافعي مالك في موطئه عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة : الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت رضي الله عنهما أخبرتها : أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في أبي سعيد الخدري بني خدرة ، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا ، حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه . قالت : فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 660 ] أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " قالت : فانصرفت ، حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بي فنوديت له فقال : " كيف قلت ؟ " فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي . فقال : " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا . قالت : فلما كان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته ، فاتبعه وقضى به عثمان بن عفان . أن
وكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث والنسائي مالك به ، ورواه أيضا النسائي من طرق عن وابن ماجه سعد بن إسحاق به ، وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقوله : ( وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ) قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لما نزل قوله : ( متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ) [ البقرة : 236 ] قال رجل : إن شئت أحسنت ففعلت وإن شئت لم أفعل . فأنزل الله هذه الآية : ( وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ) وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى وجوب ، سواء كانت مفوضة أو مفروضا لها أو مطلقا قبل المسيس أو مدخولا بها ، وهو قول عن المتعة لكل مطلقة رحمه الله . وإليه ذهب الشافعي ، سعيد بن جبير . وغيره من السلف واختاره ابن جرير . ومن لم يوجبها مطلقا يخصص من هذا العموم بمفهوم قوله : ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ) وأجاب الأولون : بأن هذا من باب ذكر بعض أفراد العموم فلا تخصيص على المشهور المنصور ، والله أعلم .
وقوله : ( كذلك يبين الله لكم آياته ) أي : في إحلاله وتحريمه وفروضه وحدوده فيما أمركم به ونهاكم عنه بينه ووضحه وفسره ولم يتركه مجملا في وقت احتياجكم إليه ( لعلكم تعقلون ) أي : تفهمون وتتدبرون .