( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ( 36 ) )
يأمر تبارك وتعالى بعبادته وحده لا شريك له; فإنه هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الآنات والحالات ، فهو المستحق منهم أن يوحدوه ، ولا يشركوا به شيئا من مخلوقاته ، كما لمعاذ : " أتدري ما حق الله على العباد ؟ " قال : الله ورسوله أعلم . قال : " أن يعبدوه ولا [ ص: 298 ] يشركوا به شيئا " ، ثم قال : " أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ ألا يعذبهم " ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين ، فإن الله ، سبحانه ، جعلهما سببا لخروجك من العدم إلى الوجود ، وكثيرا ما يقرن الله ، سبحانه ، بين عبادته والإحسان إلى الوالدين ، كقوله : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اشكر لي ولوالديك ) [ لقمان : 14 ] وكقوله : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) [ الإسراء : 23 ] .
ثم عطف على الإحسان إلى الوالدين كما جاء في الحديث : " الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء ، . الصدقة على المسكين صدقة ، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة "
ثم قال : ( واليتامى ) وذلك لأنهم قد فقدوا من يقوم بمصالحهم ، ومن ينفق عليهم ، فأمر الله بالإحسان إليهم والحنو عليهم .
ثم قال : ( والمساكين ) وهم المحاويج من ذوي الحاجات الذين لا يجدون ما يقوم بكفايتهم ، فأمر الله بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم وتزول به ضرورتهم . وسيأتي الكلام على الفقير والمسكين في سورة براءة .
وقوله : ( والجار ذي القربى والجار الجنب ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( والجار ذي القربى ) يعني الذي بينك وبينه قرابة ، ( والجار الجنب ) الذي ليس بينك وبينه قرابة . وكذا روي عن عكرمة ، ومجاهد ، ، وميمون بن مهران والضحاك ، وزيد بن أسلم ، ، ومقاتل بن حيان وقتادة .
وقال أبو إسحاق عن نوف البكالي في قوله : ( والجار ذي القربى ) يعني المسلم ( والجار الجنب ) يعني اليهودي والنصراني رواه ابن جرير ، . وابن أبي حاتم
وقال جابر الجعفي ، عن الشعبي ، عن علي : ( وابن مسعود والجار ذي القربى ) يعني المرأة . وقال مجاهد أيضا في قوله : ( والجار الجنب ) يعني الرفيق في السفر .
وقد وردت الأحاديث بالوصايا بالجار ، فنذكر منها ما تيسر ، والله المستعان :
الحديث الأول : قال : حدثنا الإمام أحمد محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عمر بن محمد بن زيد : أنه سمع أباه محمدا يحدث ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " . ما زال
أخرجاه في الصحيح من حديث عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، به .
الحديث الثاني : قال : حدثنا الإمام أحمد سفيان ، عن داود بن شابور ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " . ما زال
[ ص: 299 ]
وروى أبو داود نحوه ، من حديث والترمذي سفيان بن عيينة ، عن بشير أبي إسماعيل - زاد الترمذي : وداود بن شابور - كلاهما عن مجاهد ، به ثم قال الترمذي : حسن غريب من هذا الوجه وقد روي عن مجاهد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وأبي هريرة
الحديث الثالث عنه : قال أحمد أيضا : حدثنا عبد الله بن يزيد ، أخبرنا حيوة ، أخبرنا شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يحدث عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : عبد الله بن عمرو بن العاص ، " . " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه ، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره
ورواه الترمذي عن أحمد بن محمد ، عن عن عبد الله بن المبارك ، حيوة بن شريح - به ، وقال : [ حديث ] حسن غريب .
الحديث الرابع : قال : حدثنا الإمام أحمد عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن عباية بن رفاعة عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " . تفرد به " لا يشبع الرجل دون جاره أحمد .
الحديث الخامس : قال : حدثنا الإمام أحمد علي بن عبد الله ، حدثنا حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان ، محمد بن سعد الأنصاري ، سمعت أبا ظبية الكلاعي ، سمعت المقداد بن الأسود يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " . [ " ما تقولون في الزنا ؟ " قالوا : حرام حرمه الله ورسوله ، فهو حرام إلى يوم القيامة . فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ] لأن يزني الرجل بعشر نسوة ، أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره " . قال : ما تقولون في السرقة ؟ قالوا : حرمها الله ورسوله فهي حرام . قال " لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات ، أيسر عليه من أن يسرق من جاره
تفرد به أحمد وله شاهد في الصحيحين من حديث ابن مسعود : قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " . قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " . قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " .
الحديث السادس : قال : حدثنا الإمام أحمد يزيد ، أخبرنا هشام ، عن حفصة ، عن أبي العالية ، الأنصار قال : خرجت من أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا به قائم ورجل معه مقبل عليه ، فظننت أن لهما حاجة - قال الأنصاري : لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أرثي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من طول القيام ، فلما انصرف قلت : يا رسول الله ، لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام . قال : " ولقد رأيته ؟ " قلت : نعم . قال : " أتدري من هو ؟ " قلت : لا . قال : " ذاك جبريل ، [ ص: 300 ] ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه . ثم قال : أما إنك لو سلمت عليه ، رد عليك السلام " . عن رجل من
الحديث السابع : قال عبد بن حميد في مسنده : حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا أبو بكر - يعني المدني - عن قال : جاء رجل من جابر بن عبد الله العوالي ورسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام يصليان حيث يصلى على الجنائز ، فلما انصرف قال الرجل : يا رسول الله ، من هذا الرجل الذي رأيت معك ؟ قال : " وقد رأيته ؟ " قال : نعم . قال : " لقد رأيت خيرا كثيرا ، هذا جبريل ما زال يوصيني بالجار حتى رئيت أنه سيورثه " .
تفرد به من هذا الوجه وهو شاهد للذي قبله .
الحديث الثامن : قال : حدثنا أبو بكر البزار عبيد الله بن محمد أبو الربيع الحارثي ، حدثنا ، أخبرني محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عبد الرحمن بن الفضل عن ، عن عطاء الخراساني الحسن ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جابر بن عبد الله وحق الإسلام وحق الرحم " حق الجوار . الجيران ثلاثة : جار له حق واحد ، وهو أدنى الجيران حقا ، وجار له حقان ، وجار له ثلاثة حقوق ، وهو أفضل الجيران حقا ، فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له ، له حق الجوار . وأما الذي له حقان فجار مسلم ، له حق الإسلام وحق الجوار ، وأما الذي له ثلاثة حقوق ، فجار مسلم ذو رحم له
قال البزار : لا نعلم أحدا روى عن عبد الرحمن بن الفضيل إلا ابن أبي فديك .
الحديث التاسع : قال : حدثنا الإمام أحمد محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي عمران ، عن طلحة بن عبد الله ، عن عائشة; أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : " إن لي جارين ، فإلى أيهما أهدي ؟ قال : " إلى أقربهما منك بابا " .
ورواه من حديث البخاري شعبة ، به .
وقوله : ( والصاحب بالجنب ) قال الثوري ، عن جابر الجعفي ، عن الشعبي ، عن علي قالا هي المرأة . وابن مسعود
وقال ابن أبي حاتم : وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، ، وإبراهيم النخعي والحسن ، - في إحدى الروايات - نحو ذلك . وسعيد بن جبير
وقال ابن عباس ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة : هو الرفيق في السفر . وقال سعيد بن جبير : هو الرفيق الصالح . وقال : هو جليسك في الحضر ، ورفيقك في السفر . زيد بن أسلم
وأما ) ابن السبيل ) فعن ابن عباس وجماعة هو : الضيف .
4 [ ص: 301 ]
وقال مجاهد ، ، وأبو جعفر الباقر والحسن ، والضحاك ، ومقاتل : هو الذي يمر عليك مجتازا في السفر .
وهذا أظهر ، وإن كان مراد القائل بالضيف : المار في الطريق ، فهما سواء . وسيأتي الكلام على أبناء السبيل في سورة براءة ، وبالله الثقة وعليه التكلان .
وقوله : ( وما ملكت أيمانكم ) وصية بالأرقاء ; لأن الرقيق ضعيف الحيلة أسير في أيدي الناس ، ولهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوصي أمته في مرض الموت يقول : " . الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " . فجعل يرددها حتى ما يفيض بها لسانه
وقال : حدثنا الإمام أحمد إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا بقية ، حدثنا بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن المقدام بن معد يكرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " . ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة ، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة ، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة ، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقه "
ورواه من حديث النسائي بقية ، وإسناده صحيح ولله الحمد .
وعن عبد الله بن عمرو أنه قال لقهرمان له : هل أعطيت الرقيق قوتهم ؟ قال : لا . قال : فانطلق فأعطهم ; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رواه كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم " مسلم .
وعن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أبي هريرة . رواه للمملوك طعامه وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق " مسلم أيضا .
وعنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
أخرجاه ولفظه للبخاري ولمسلم فليقعده معه فليأكل ، فإن كان الطعام مشفوها قليلا فليضع في يده أكلة أو أكلتين " . إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه ، فإن لم يجلسه معه ، فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين ، فإنه ولي حره وعلاجه " .
وعن أبي ذر ، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " . أخرجاه . هم إخوانكم خولكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم ، فأعينوهم
وقوله : ( إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) أي : مختالا في نفسه ، معجبا متكبرا ، فخورا على الناس ، يرى أنه خير منهم ، فهو في نفسه كبير ، وهو عند الله حقير ، وعند الناس بغيض .
[ ص: 302 ]
قال مجاهد في قوله : ( إن الله لا يحب من كان مختالا ) يعني : متكبرا ( فخورا ) يعني : يعد ما أعطي ، وهو لا يشكر الله ، عز وجل . يعني : يفخر على الناس بما أعطاه الله من نعمه ، وهو قليل الشكر لله على ذلك .
وقال ابن جرير : حدثني القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا محمد بن كثير ، عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهروي قال : لا تجد سيئ الملكة إلا وجدته مختالا فخورا - وتلا ( وما ملكت أيمانكم [ إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ] ) ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيا - وتلا ( وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ) [ مريم : 32 ] .
وروى ابن أبي حاتم ، عن العوام بن حوشب ، مثله في المختال الفخور . وقال :
حدثنا أبي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا الأسود بن شيبان ، حدثنا يزيد بن عبد الله بن الشخير قال : مطرف : كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه ، فلقيته فقلت : يا أبا ذر ، بلغني أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثكم : " إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة " ؟ قال : أجل ، فلا إخالني أكذب على خليلي ، ثلاثا . قلت : من الثلاثة الذين يبغض الله ؟ قال : المختال الفخور ، أوليس تجدونه عندكم في كتاب الله المنزل ؟ ثم قرأ الآية : ( إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) [ النساء : 36 ] . قال
وحدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب عن خالد ، عن أبي تميمة بلهجيم قال : قلت يا رسول الله ، أوصني . قال : " إياك وإسبال الإزار ، فإن إسبال الإزار من المخيلة ، وإن الله لا يحب المخيلة " . عن رجل من