( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ( 161 ) قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ( 162 ) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ( 163 ) ) .
يقول الله تعالى آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين أن يخبر بما أنعم الله به عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم ، الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف : ( دينا قيما ) أي : قائما ثابتا ، ( ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) كقوله ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) [ البقرة : 130 ] ، وقوله ( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم ) [ الحج : 78 ] ، [ ص: 381 ] وقوله : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) [ النحل : 120 123 ] .
إبراهيم الحنيفية أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها; لأنه عليه السلام قام بها قياما عظيما ، وأكملت له إكمالا تاما لم يسبقه أحد إلى هذا الكمال; ولهذا كان خاتم الأنبياء ، وسيد ولد وليس يلزم من كونه عليه السلام أمر باتباع ملة آدم على الإطلاق ، وصاحب المقام المحمود الذي يرهب إليه الخلق حتى إبراهيم الخليل ، عليه السلام .
وقد قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن عبد الله بن حفص ، حدثنا أحمد بن عصام ، حدثنا ، حدثنا أبو داود الطيالسي شعبة ، أنبأنا سلمة بن كهيل ، سمعت ذر بن عبد الله الهمداني ، يحدث عن ابن أبزى ، عن أبيه قال : محمد ، وملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال : " أصبحنا على ملة الإسلام ، وكلمة الإخلاص ، ودين نبينا
وقال : حدثنا الإمام أحمد يزيد ، أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن ، عن داود بن الحصين عكرمة ، عن ابن عباس قال : " أي الأديان أحب إلى الله؟ قال : " الحنيفية السمحة . قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
وقال أيضا : حدثنا الإمام أحمد سليمان بن داود ، حدثنا ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن هشام بن عروة عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : . وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبه ، لأنظر إلى زفن الحبشة ، حتى كنت التي مللت فانصرفت عنه
قال عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال لي عروة : إن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : " . لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ، إني أرسلت بحنيفية سمحة
أصل الحديث مخرج في الصحيحين ، والزيادة لها شواهد من طرق عدة ، وقد استقصيت طرقها في شرح ولله الحمد والمنة . البخاري ،
وقوله تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه ، أنه مخالف لهم في ذلك ، فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له ، وهذا كقوله تعالى : ( فصل لربك وانحر ) [ الكوثر : 2 ] أي : أخلص له صلاتك وذبيحتك ، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها ، فأمره الله تعالى [ ص: 382 ] بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه ، والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى .
قال مجاهد في قوله : ( إن صلاتي ونسكي ) قال : النسك الذبح في الحج والعمرة .
وقال الثوري ، عن عن السدي سعيد بن جبير : ( ونسكي ) قال : ذبحي . وكذا قال السدي والضحاك .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن زيد بن أبي حبيب ، عن ابن عباس ، عن قال : جابر بن عبد الله إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) . ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد بكبشين وقال حين ذبحهما : " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ، (
وقوله : ( وأنا أول المسلمين ) قال قتادة : أي من هذه الأمة .
وهو كما قال ، فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام ، وأصله عبادة الله وحده لا شريك له ، كما قال : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] ، وقد أخبر تعالى عن نوح أنه قال لقومه : ( فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين ) [ يونس : 72 ] ، وقال تعالى : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) [ البقرة : 130 - 132 ] ، وقال يوسف ، عليه السلام : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) [ يوسف : 101 ] ، وقال موسى ( يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ) [ يونس : 84 - 86 ] ، وقال تعالى : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله ) الآية [ المائدة : 44 ] ، وقال تعالى : ( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ) [ المائدة : 111 ] .
، ولكنهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصة التي ينسخ بعضها بعضا ، إلى أن نسخت بشريعة فأخبر الله تعالى أنه بعث رسله بالإسلام محمد صلى الله عليه وسلم التي لا تنسخ أبد الآبدين ، ولا تزال [ ص: 383 ] قائمة منصورة ، وأعلامها مشهورة إلى قيام الساعة; ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : " " فإن أولاد العلات هم الإخوة من أب واحد وأمهات شتى ، فالدين واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، وإن تنوعت الشرائع التي هي بمنزلة الأمهات ، كما أن إخوة الأخياف عكس هذا ، بنو الأم الواحدة من آباء شتى ، والإخوة الأعيان الأشقاء من أب واحد وأم واحدة ، والله أعلم . نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد
وقد قال : حدثنا الإمام أحمد أبو سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون ، حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن عن الأعرج ، عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي رضي الله عنه; أن وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) [ الأنعام : 79 ] ، ( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) اللهم أنت الملك ، لا إله إلا أنت ، أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا ، لا يغفر الذنوب إلا أنت . واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت . واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت . تباركت وتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك " . رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ، ثم قال : " (
ثم ذكر تمام الحديث فيما يقوله في الركوع والسجود والتشهد . وقد رواه مسلم في صحيحه .