[ ص: 101 ] [ بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه أستعين وهو حسبي ونعم الوكيل ] تفسير سورة التوبة ، مدنية .
(
nindex.php?page=treesubj&link=28980_28802nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=1براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين ( 2 ) )
هذه السورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
حدثنا
[ أبو ] الوليد ، حدثنا
شعبة ، عن
أبي إسحاق قال : سمعت
البراء يقول : آخر آية نزلت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) [ النساء : 176 ] وآخر سورة نزلت براءة .
وإنما لا يبسمل في أولها لأن الصحابة لم يكتبوا البسملة في أولها في المصحف الإمام ، والاقتداء في ذلك
بأمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأرضاه - كما قال
الترمذي :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، حدثنا
يحيى بن سعد ،
ومحمد بن جعفر nindex.php?page=showalam&ids=16893وابن أبي عدي ،
وسهل بن يوسف قالوا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16732عوف بن أبي جميلة أخبرني
يزيد الفارسي ، أخبرني
ابن عباس قال : قلت
لعثمان بن عفان : ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال ، وهي من المثاني ، وإلى براءة وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ، ولم تكتبوا بينهما سطر ) بسم الله الرحمن الرحيم ) ووضعتموها في السبع الطول ، ما حملكم على ذلك ؟ فقال
عثمان : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب ، فيقول : ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، فإذا نزلت عليه الآية فيقول : ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها وحسبت أنها منها ، وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر ) بسم الله الرحمن الرحيم ) فوضعتها في السبع الطول .
[ ص: 102 ] وكذا رواه
أحمد ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه ،
nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في مستدركه ، من طرق أخر ، عن
عوف الأعرابي ، به ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وأول هذه السورة الكريمة نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من غزوة
تبوك وهم بالحج ، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك ، وأنهم يطوفون بالبيت عراة فكره مخالطتهم ، فبعث
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - أميرا على الحج هذه السنة ، ليقيم للناس مناسكهم ، ويعلم المشركين ألا يحجوا بعد عامهم هذا ، وأن ينادي في الناس ببراءة ، فلما قفل أتبعه
nindex.php?page=showalam&ids=8بعلي بن أبي طالب ليكون مبلغا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكونه عصبة له ، كما سيأتي بيانه .
فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=1براءة من الله ورسوله ) أي : هذه براءة ، أي : تبرؤ من الله ورسوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=1إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر )
اختلف المفسرون هاهنا اختلافا كثيرا ، فقال قائلون : هذه الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة ، أو من له عهد دون أربعة أشهر ، فيكمل له أربعة أشهر ، فأما من كان له عهد مؤقت فأجله إلى مدته ، مهما كان ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=4فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين ) [ التوبة : 4 ] ولما سيأتي في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821528ومن كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فعهده إلى مدته . وهذا أحسن الأقوال وأقواها ، وقد اختاره
ابن جرير - رحمه الله - وروي عن
الكلبي nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي ، وغير واحد .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=1براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) قال : حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون في الأرض حيثما شاءوا ، وأجل أجل من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم ، [ من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم ، فذلك خمسون ليلة ، فإذا انسلخ الأشهر الحرم ] أمره بأن يضع السيف فيمن لا عهد له .
وكذا رواه
العوفي ، عن
ابن عباس .
وقال
[ الضحاك ] بعد قوله : فذلك خمسون ليلة : فأمر الله نبيه إذا انسلخ المحرم أن يضع السيف فيمن لم يكن بينه وبينه عهد ، يقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام . وأمر ممن كان له عهد إذا انسلخ أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر خلون من ربيع الآخر ، أن يضع فيهم السيف حتى يدخلوا في الإسلام .
وقال
أبو معشر المدني : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا :
بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع ، وبعث nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب بثلاثين آية أو أربعين آية من " براءة " فقرأها [ ص: 103 ] على الناس ، يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الأرض ، فقرأها عليهم يوم عرفة ، أجل المشركين عشرين من ذي الحجة ، والمحرم ، وصفر ، وشهر ربيع الأول ، وعشرا من ربيع الآخر ، وقرأها عليهم في منازلهم ، وقال : لا يحجن بعد عامنا هذا مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان .
وقال
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=1براءة من الله ورسوله ) إلى أهل العهد :
خزاعة ،
ومدلج ، ومن كان له عهد أو غيرهم .
أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك حين فرغ ، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحج ، ثم قال : إنما يحضر المشركون فيطوفون عراة ، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك . فأرسل أبا بكر وعليا - رضي الله عنهما - فطافا بالناس في ذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها بالمواسم كلها ، فآذنوا أصحاب العهد بأن يأمنوا أربعة أشهر ، فهي الأشهر المتواليات : عشرون من ذي الحجة إلى عشر يخلون من ربيع الآخر ، ثم لا عهد لهم ، وآذن الناس كلهم بالقتال إلا أن يؤمنوا .
وهكذا روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي :
وقتادة .
وقال
الزهري : كان ابتداء التأجيل من شوال وآخره سلخ المحرم .
وهذا القول غريب ، وكيف يحاسبون بمدة لم يبلغهم حكمها ، وإنما ظهر لهم أمرها يوم النحر ، حين نادى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، ولهذا قال تعالى :
[ ص: 101 ] [ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَبِهِ أَسْتَعِينُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ] تَفْسِيرُ سُورَةِ التَّوْبَةِ ، مَدَنِيَّةٌ .
(
nindex.php?page=treesubj&link=28980_28802nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=1بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ( 2 ) )
هَذِهِ السُّورَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ أَوَاخِرِ مَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ .
حَدَّثَنَا
[ أَبُو ] الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : سَمِعْتُ
الْبَرَاءَ يَقُولُ : آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ) [ النَّسَاءِ : 176 ] وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةُ .
وَإِنَّمَا لَا يُبَسْمَلُ فِي أَوَّلِهَا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكْتُبُوا الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِهَا فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ ، وَالِاقْتِدَاءُ فِي ذَلِكَ
بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ - كَمَا قَالَ
التِّرْمِذِيُّ :
حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15573مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعْدٍ ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16893وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ،
وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ قَالُوا : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16732عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ أَخْبَرَنِي
يَزِيدُ الْفَارِسِيُّ ، أَخْبَرَنِي
ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : قُلْتُ
لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ : مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ ، وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي ، وَإِلَى بَرَاءَةَ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ ، مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ ؟ فَقَالَ
عُثْمَانُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ يُنَزَّلُ عَلَيْهِ السُّوَرُ ذَوَاتُ الْعَدَدِ ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ ، فَيَقُولُ : ضَعُوا هَذِهِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا ، فَإِذَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَقُولُ : ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا ، وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ ، وَكَانَتْ بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا وَحَسِبْتُ أَنَّهَا مِنْهَا ، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) فَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ .
[ ص: 102 ] وَكَذَا رَوَاهُ
أَحْمَدُ ،
وَأَبُو دَاوُدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14070وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ ، مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ ، عَنْ
عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ ، بِهِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ .
وَأَوَّلُ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ
تَبُوكَ وَهَمَّ بِالْحَجِّ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَحْضُرُونَ عَامَهُمْ هَذَا الْمَوْسِمَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ ، وَأَنَّهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً فَكَرِهَ مُخَالَطَتَهُمْ ، فَبَعَثَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ هَذِهِ السَّنَةَ ، لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ مَنَاسِكَهُمْ ، وَيُعْلِمَ الْمُشْرِكِينَ أَلَّا يَحُجُّوا بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ، وَأَنْ يُنَادِيَ فِي النَّاسِ بِبَرَاءَةَ ، فَلَمَّا قَفَلَ أَتْبَعُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=8بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيَكُونَ مُبَلِّغًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِهِ عُصْبَةً لَهُ ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ .
فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=1بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) أَيْ : هَذِهِ بَرَاءَةٌ ، أَيْ : تَبَرُّؤٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=1إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ )
اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَاهُنَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَقَالَ قَائِلُونَ : هَذِهِ الْآيَةُ لِذَوِي الْعُهُودِ الْمُطْلَقَةِ غَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ ، أَوْ مَنْ لَهُ عَهْدٌ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، فَيُكْمَلُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مُؤَقَّتٌ فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ ، مَهْمَا كَانَ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=4فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) [ التَّوْبَةِ : 4 ] وَلِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821528وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ . وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا ، وَقَدِ اخْتَارَهُ
ابْنُ جَرِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرُوِيَ عَنِ
الْكَلْبِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14980وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ .
وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=1بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) قَالَ : حَدَّ اللَّهُ لِلَّذِينِ عَاهَدُوا رَسُولَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَسِيحُونَ فِي الْأَرْضِ حَيْثُمَا شَاءُوا ، وَأَجَّلَ أَجَلَ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ، [ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى انْسِلَاخِ الْمُحَرَّمِ ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ لَيْلَةً ، فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ] أَمَرَهُ بِأَنْ يَضَعَ السَّيْفَ فَيمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ .
وَكَذَا رَوَاهُ
الْعَوْفِيُّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَقَالَ
[ الضَّحَّاكُ ] بَعْدَ قَوْلِهِ : فَذَلِكَ خَمْسُونَ لَيْلَةً : فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِذَا انْسَلَخَ الْمُحَرَّمُ أَنْ يَضَعَ السَّيْفَ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَهْدٌ ، يَقْتُلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ . وَأَمَرَ مِمَّنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ إِذَا انْسَلَخَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى عَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ ، أَنْ يَضَعَ فِيهِمُ السَّيْفَ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ .
وَقَالَ
أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا :
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ سَنَةَ تِسْعٍ ، وَبَعَثَ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بِثَلَاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ " بَرَاءَةَ " فَقَرَأَهَا [ ص: 103 ] عَلَى النَّاسِ ، يُؤَجِّلُ الْمُشْرِكِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَسِيحُونَ فِي الْأَرْضِ ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ يَوْمَ عَرَفَةَ ، أَجَّلَ الْمُشْرِكِينَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، وَالْمُحَرَّمِ ، وَصَفَرٍ ، وَشَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ ، وَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ ، وَقَالَ : لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا مُشْرِكٌ ، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=1بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) إِلَى أَهْلِ الْعَهْدِ :
خُزَاعَةَ ،
وَمُدْلِجٍ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ أَوْ غَيْرُهُمْ .
أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَبُوكَ حِينَ فَرَغَ ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَّ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا يَحْضُرُ الْمُشْرِكُونَ فَيَطُوفُونَ عُرَاةً ، فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لَا يَكُونَ ذَلِكَ . فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَطَافَا بِالنَّاسِ فِي ذِي الْمَجَازِ وَبِأَمْكِنَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِهَا بِالْمَوَاسِمِ كُلِّهَا ، فَآذَنُوا أَصْحَابَ الْعَهْدِ بِأَنْ يَأْمَنُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، فَهِيَ الْأَشْهُرُ الْمُتَوَالِيَاتُ : عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى عَشْرٍ يَخْلُونَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ ، ثُمَّ لَا عَهْدَ لَهُمْ ، وَآذَنَ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِالْقِتَالِ إِلَّا أَنْ يُؤَمَّنُوا .
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ :
وقَتَادَةَ .
وَقَالَ
الزُّهْرِيُّ : كَانَ ابْتِدَاءُ التَّأْجِيلِ مِنْ شَوَّالٍ وَآخِرُهُ سَلْخَ الْمُحَرَّمِ .
وَهَذَا الْقَوْلُ غَرِيبٌ ، وَكَيْفَ يُحَاسَبُونَ بِمُدَّةٍ لَمْ يَبْلُغْهُمْ حُكْمَهَا ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ لَهُمْ أَمْرُهَا يَوْمَ النَّحْرِ ، حِينَ نَادَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى :