يقول تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، وفرحوا بمقعدهم بعد خروجه ، ( وكرهوا أن يجاهدوا ) معه ( بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا ) أي : بعضهم لبعض : ( لا تنفروا في الحر ) ؛ وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان في شدة الحر ، عند طيب الظلال والثمار ، فلهذا قالوا ( لا تنفروا في الحر ) قال الله تعالى لرسوله : ( قل ) لهم : ( نار جهنم ) التي تصيرون إليها بسبب مخالفتكم ( أشد حرا ) مما فررتم منه من الحر ، بل أشد حرا من النار ، كما قال الإمام مالك ، عن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي هريرة أخرجاه في الصحيحين من حديث نار بني آدم التي يوقدون بها جزء من سبعين جزءا [ من نار جهنم فقالوا : يا رسول الله ، إن كانت لكافية . قال : إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا ] مالك ، به .
وقال : حدثنا الإمام أحمد سفيان ، عن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي هريرة وهذا أيضا إسناده صحيح . إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، وضربت بالبحر مرتين ، ولولا ذلك ما جعل [ الله ] فيها منفعة لأحد
وقد روى الإمام أبو عيسى الترمذي ، عن وابن ماجه عباس الدوري ، عن يحيى بن أبي بكير عن شريك ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة . ثم قال أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ، فهي سوداء كالليل المظلم الترمذي : لا أعلم أحدا رفعه غير يحيى .
كذا قال . وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه عن إبراهيم بن محمد ، عن محمد بن الحسين بن [ ص: 190 ] مكرم ، عن عبيد الله بن سعد عن عمه ، عن - به . وروى أيضا شريك - وهو ابن عبد الله النخعي ابن مردويه من رواية ، عن مبارك بن فضالة ثابت ، عن أنس قال : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( نارا وقودها الناس والحجارة ) [ التحريم : 6 ] قال : أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ، وألف عام حتى احمرت ، وألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء كالليل ، لا يضيء لهبها .
وروى من حديث الحافظ أبو القاسم الطبراني تمام بن نجيح - وقد اختلف فيه - عن الحسن ، عن أنس مرفوعا : . لو أن شرارة بالمشرق - أي من نار جهنم - لوجد حرها من بالمغرب
وروى عن الحافظ أبو يعلى إسحاق بن أبي إسرائيل ، عن أبي عبيدة الحداد ، عن عن هشام بن حسان محمد بن شبيب ، عن ، عن جعفر بن أبي وحشية سعيد بن جبير ، عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة غريب . لو كان هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون ، وفيهم رجل من أهل النار فتنفس فأصابهم نفسه ، لاحترق المسجد ومن فيه
وقال الأعمش عن أبي إسحاق ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لمن له نعلان وشراكان من نار ، يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ، لا يرى أحدا من أهل النار أشد عذابا منه ، وإنه أهونهم عذابا الأعمش .
وقال مسلم أيضا : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا زهير بن محمد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن النعمان بن أبي عياش عن ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي سعيد الخدري . إن أدنى أهل النار عذابا يوم القيامة ينتعل بنعلين من نار ، يغلي دماغه من حرارة نعليه
وقال : حدثنا الإمام أحمد يحيى ، عن ابن عجلان ، سمعت أبي ، عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي هريرة . إن أدنى أهل النار عذابا رجل يجعل له نعلان يغلي منهما دماغه
وهذا إسناد جيد قوي ، رجاله على شرط مسلم ، والله أعلم .
[ ص: 191 ] والأحاديث والآثار النبوية في هذا كثيرة ، وقال الله تعالى في كتابه العزيز : ( كلا إنها لظى نزاعة للشوى ) [ المعارج : 15 ، 16 ] وقال تعالى : ( يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ) [ الحج : 19 - 22 ] وقال تعالى : ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) [ النساء : 56 ] .
وقال تعالى في هذه الآية الكريمة [ الأخرى ] ( قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ) أي : لو أنهم يفقهون ويفهمون لنفروا مع الرسول في سبيل الله في الحر ، ليتقوا به حر جهنم ، الذي هو أضعاف أضعاف هذا ، ولكنهم كما قال الآخر :
كالمستجير من الرمضاء بالنار
وقال الآخر :عمرك بالحمية أفنيته مخافة البارد والحار
وكان أولى بك أن تتقي من المعاصي حذر النار
قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الدنيا قليل ، فليضحكوا فيها ما شاءوا ، فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى الله - عز وجل - استأنفوا بكاء لا ينقطع أبدا . وكذا قال أبو رزين ، والحسن ، وقتادة ، ، والربيع بن خثيم وعون العقيلي وزيد بن أسلم .
وقال : حدثنا الحافظ أبو يعلى الموصلي عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش ، حدثنا ، عن محمد بن حميد عن ابن المبارك عمران بن زيد ، حدثنا يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : . يا أيها الناس ، ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ، فإن أهل النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول ، حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء فتقرح العيون . فلو أن سفنا أزجيت فيها لجرت
ورواه ابن ماجه من حديث الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ، به .
[ ص: 192 ] وقال الحافظ أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا حماد الجزري ، عن زيد بن رفيع ، رفعه قال : إنكم ماكثون ) [ الزخرف : 77 ] فييأسون من كل خير . إن أهل النار إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانا ، ثم بكوا القيح زمانا ، قال : فتقول لهم الخزنة : يا معشر الأشقياء ، تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في الدنيا ، هل تجدون اليوم من تستغيثون به ؟ قال : فيرفعون أصواتهم : يا أهل الجنة ، يا معشر الآباء والأمهات والأولاد ، خرجنا من القبور عطاشا ، وكنا طول الموقف عطاشا ، ونحن اليوم عطاش ، فأفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ، فيدعون أربعين سنة لا يجيبهم ، ثم يجيبهم : (