[ ص: 518 ] ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ( 47 ) يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ( 48 ) )
يقول تعالى مقررا لوعده ومؤكدا : ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ) أي : من نصرتهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .
ثم أخبر أنه ذو عزة لا يمتنع عليه شيء أراده ، ولا يغالب ، وذو انتقام ممن كفر به وجحده ) ويل يومئذ للمكذبين ) [ الطور : 11 ] ; ولهذا قال : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) أي : وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض ، وهي هذه على غير الصفة المألوفة المعروفة ، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : . " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء ، كقرصة النقي ، ليس فيها معلم لأحد "
وقال : حدثنا الإمام أحمد محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عائشة أنها قالت : أنا أول الناس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ) قالت : قلت : أين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : " على الصراط " . عن
رواه مسلم منفردا به دون ، البخاري ، والترمذي ، من حديث وابن ماجه به . وقال داود بن أبي هند الترمذي : حسن صحيح .
ورواه أحمد أيضا ، عن عفان ، عن وهيب عن داود ، عن الشعبي ، عنها ولم يذكر مسروقا .
وقال قتادة ، عن حسان بن بلال المزني ، عائشة - رضي الله عنها - أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) قال : قالت يا رسول الله ، فأين الناس يومئذ ؟ قال : " لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي ، ذاك أن الناس على جسر جهنم . عن
وروى من حديث الإمام أحمد حبيب بن أبي عمرة ، عن مجاهد ، ابن عباس ، حدثتني عائشة أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تعالى : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) [ الزمر : 67 ] [ ص: 519 ] فأين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : " هم على متن جهنم " . عن
وقال ابن جرير : حدثنا الحسن ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرني القاسم ، سمعت الحسن قال : عائشة : يا رسول الله ، ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) فأين الناس يومئذ ؟ قال : " إن هذا شيء ما سألني عنه أحد " قال : " على الصراط يا عائشة " . قالت
ورواه أحمد ، عن عفان عن القاسم بن الفضل ، عن الحسن به .
وقال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثني الحسن بن علي الحلواني ، حدثنا ، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، عن معاوية بن سلام زيد - يعني : أخاه - أنه سمع أبا سلام ، حدثني أبو أسماء الرحبي أن - حدثه قال : ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم اليهود ، فقال : السلام عليك يا محمد . فدفعته دفعة كاد يصرع منها ، فقال : لم تدفعني ؟ فقلت : ألا تقول : يا رسول الله ؟! فقال اليهودي : إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي " . فقال اليهودي : جئت أسألك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أينفعك شيء إن حدثتك ؟ " فقال : أسمع بأذني . فنكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعود معه فقال : " سل " فقال اليهودي : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هم في الظلمة دون الجسر " قال فمن أول الناس إجازة ؟ قال : فقال : " [ فقراء ] المهاجرين " . قال اليهودي : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال : " زيادة كبد النون " قال : فما غذاؤهم في أثرها ؟ قال : " ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها " . قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : " من عين فيها تسمى سلسبيلا " . قال : صدقت . قال : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان ؟ قال : " أينفعك إن حدثتك ؟ " قال : أسمع بأذني . قال : جئت أسألك عن الولد . قال : " ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله " " قال اليهودي : لقد صدقت ، وإنك لنبي ، ثم انصرف . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به " . كنت قائما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه حبر من أحبار
[ و ] قال أبو جعفر بن جرير الطبري : حدثني ابن عوف ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا ابن أبي [ ص: 520 ] مريم ، حدثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي ، عن قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - حبر من أبي أيوب الأنصاري اليهود فقال : أرأيت إذ يقول الله في كتابه : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) فأين الخلق عند ذلك ؟ فقال : " أضياف الله ، فلن يعجزهم ما لديه " .
ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم به .
وقال شعبة : أخبرنا أبو إسحاق ، سمعت عمرو بن ميمون - وربما قال : قال عبد الله ، وربما لم يقل - فقلت له : عن عبد الله ؟ فقال : سمعت عمرو بن ميمون يقول : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : أرض كالفضة البيضاء نقية ، لم يسفك فيها دم ، ولم يعمل عليها خطيئة ، ينفذهم البصر ، ويسمعهم الداعي ، حفاة عراة كما خلقوا . قال : أراه قال : قياما حتى يلجمهم العرق .
وروي من وجه آخر عن شعبة عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود بنحوه . وكذا رواه عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود به .
وقال ، عن سفيان الثوري أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون لم يخبر به . أورد ذلك كله ابن جرير .
وقد قال : حدثنا الحافظ أبو بكر البزار محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل ، حدثنا سهل بن حماد أبو عتاب ، حدثنا جرير بن أيوب ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : " أرض بيضاء لم يسقط عليها دم ولم يعمل عليها خطيئة " . ثم قال : لا نعلم رفعه إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قول الله - عز وجل - : ( جرير بن أيوب ، وليس بالقوي .
ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن سنان عن جابر الجعفي ، عن أبي جبيرة عن زيد قال : أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليهود فقال : " هل تدرون لم أرسلت إليهم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " أرسلت إليهم أسألهم عن قول الله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) إنها تكون يومئذ بيضاء مثل الفضة " . فلما جاءوا سألهم فقالوا : تكون بيضاء مثل النقي .
وهكذا روي عن علي ، ، وابن عباس ، وأنس بن مالك أنها تبدل يوم القيامة بأرض من فضة . ومجاهد بن جبر
وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال : تصير الأرض فضة ، والسموات ذهبا . [ ص: 521 ]
وقال الربيع : عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : تصير السموات جنانا .
وقال أبو معشر ، عن ، أو عن محمد بن كعب القرظي محمد بن قيس في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : [ تبدل ] خبزة يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم .
وكذا روى ، عن وكيع عمر بن بشير الهمداني ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : تبدل خبزة بيضاء ، يأكل المؤمن من تحت قدميه .
وقال الأعمش ، عن قال : قال خيثمة : الأرض كلها يوم القيامة نار ، والجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها ، ويلجم الناس العرق ، أو يبلغ منهم العرق ، ولم يبلغوا الحساب . عبد الله - هو ابن مسعود -
وقال الأعمش أيضا ، عن ، عن المنهال بن عمرو قيس بن السكن قال : قال عبد الله : الأرض كلها نار يوم القيامة ، [ و ] الجنة من ورائها ، ترى أكوابها وكواعبها ، والذي نفس عبد الله بيده ، إن الرجل ليفيض عرقا حتى ترسخ في الأرض قدمه ، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه ، وما مسه الحساب . قالوا مم ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : مما يرى الناس يلقون .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن كعب في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) قال : تصير السموات جنانا ، ويصير مكان البحر نارا ، وتبدل الأرض غيرها .
وفي الحديث الذي رواه أبو داود : . " لا يركب البحر إلا غاز أو حاج أو معتمر ، فإن تحت البحر نارا - أو : تحت النار بحرا "
وفي حديث الصور المشهور المروي عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أبي هريرة . " تبدل الأرض غير الأرض والسموات ، فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة ، فإذا هم في هذه المبدلة "
وقوله : ( وبرزوا لله ) أي : خرجت الخلائق جميعها من قبورهم لله ( الواحد القهار ) أي : الذي [ ص: 522 ] قهر كل شيء وغلبه ، ودانت له الرقاب ، وخضعت له الألباب .