ذكر الأحاديث الواردة في الإسراء  
رواية أنس بن مالك   : 
قال الإمام أبو عبد الله البخاري   : حدثني عبد العزيز بن عبد الله  ، حدثنا  سليمان - هو ابن بلال -  عن  شريك بن عبد الله  قال : سمعت أنس بن مالك  يقول ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة   : إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام  فقال أولهم : أيهم هو ؟ فقال أوسطهم : هو خيرهم ، فقال آخرهم : خذوا خيرهم . فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه ، وتنام عيناه ولا ينام قلبه - وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم - فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم ، فتولاه منهم جبريل ، فشق جبريل  ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه ، فغسله من ماء زمزم ، بيده حتى أنقى جوفه ، ثم أتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة ، فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه . ثم عرج به إلى السماء الدنيا ، فضرب بابا من أبوابها ، فناداه أهل السماء : من هذا ؟ فقال : جبريل   . قالوا : ومن معك ؟ قال : معي محمد   . قالوا : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به وأهلا به ، يستبشر به أهل السماء لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم . 
ووجد في السماء الدنيا آدم ، فقال له جبريل   : هذا أبوك آدم  فسلم عليه ، فسلم عليه ، ورد عليه آدم فقال : مرحبا وأهلا بابني ، نعم الابن أنت ، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال : " ما هذان النهران يا جبريل  ؟ " قال : هذا النيل والفرات عنصرهما ، ثم مضى به في السماء ، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ، فضرب يده فإذا هو مسك أذفر فقال : " ما هذا يا جبريل ؟ " قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك . 
ثم عرج إلى السماء الثانية ، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى : من هذا ؟ قال : جبريل   . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد   . قالوا : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا وأهلا وسهلا . 
ثم عرج به إلى السماء الثالثة ، فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية . ثم عرج به إلى السماء الرابعة ، فقالوا له مثل ذلك . ثم عرج به إلى السماء الخامسة ، فقالوا له مثل ذلك . ثم عرج به إلى السماء السادسة ، فقالوا له مثل ذلك . ثم عرج به إلى السماء السابعة ، فقالوا له مثل ذلك . كل سماء فيها أنبياء قد سماهم ، قد وعيت منهم إدريس  في الثانية وهارون  في الرابعة ، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه ، وإبراهيم  في السادسة ، وموسى  في السابعة بتفضيل كلام الله . فقال موسى   : " رب لم أظن أن يرفع علي أحد " ثم علا به فوق ذلك ، بما لا يعلمه إلا الله - عز وجل - حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة فتدلى ، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى الله إليه فيما  [ ص: 7 ] يوحي خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة . ثم هبط به حتى بلغ موسى  فاحتبسه موسى  فقال : " يا محمد  ، ماذا عهد إليك ربك ؟ " قال : " عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة " قال : " إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم " . فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل  كأنه يستشيره في ذلك ، فأشار إليه جبريل   : أن نعم ، إن شئت . فعلا به إلى الجبار تعالى ، فقال وهو في مكانه : " يا رب ، خفف عنا ، فإن أمتي لا تستطيع هذا " فوضع عنه عشر صلوات ، ثم رجع إلى موسى  فاحتبسه ، فلم يزل يردده موسى  إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات . ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال : " يا محمد  ، والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا ، فضعفوا فتركوه ، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا ، فارجع فليخفف عنك ربك " كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل  ليشير عليه ، ولا يكره ذلك جبريل  ، فرفعه عند الخامسة فقال : " يا رب ، إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنا " فقال : الجبار : " يا محمد  ، قال : " لبيك وسعديك " قال : إنه لا يبدل القول لدي ، كما فرضت عليك في أم الكتاب : " كل حسنة بعشر أمثالها ، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك " ، فرجع إلى موسى  فقال : " كيف فعلت ؟ " فقال : " خفف عنا ، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها " قال : موسى   : " قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه ، فارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا موسى قد - والله - استحييت من ربي مما أختلف إليه " قال : " فاهبط باسم الله " ، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام  . 
هكذا ساقه  البخاري  في " كتاب التوحيد " ، ورواه في " صفة النبي صلى الله عليه وسلم " ، عن  إسماعيل بن أبي أويس  عن أخيه أبي بكر عبد الحميد  ، عن  سليمان بن بلال   . 
ورواه مسلم  ، عن هارون بن سعيد  ، عن ابن وهب  ، عن سليمان  قال : " فزاد ونقص ، وقدم وأخر " . 
وهو كما قاله مسلم  ، رحمه الله ، فإن شريك بن عبد الله بن أبي نمر  اضطرب في هذا الحديث ، وساء حفظه ولم يضبطه ، كما سيأتي بيانه في الأحاديث الأخر . 
ومنهم من يجعل هذا مناما توطئة لما وقع بعد ذلك ، والله أعلم . 
[ وقال ]  البيهقي   : في حديث  " شريك "  زيادة تفرد بها ، على مذهب من زعم أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، يعني قوله :  " ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى " قال : وقول عائشة   وابن مسعود   وأبي هريرة  في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل   - أصح .  [ ص: 8 ] 
وهذا الذي قاله  البيهقي  هو الحق في هذه المسألة ، فإن أبا ذر  قال : يا رسول الله ، هل رأيت ربك ؟ قال : " نور أنى أراه " . وفي رواية " رأيت نورا  " . أخرجه مسلم  ، رحمه الله . 
وقوله : ( ثم دنا فتدلى   ) [ النجم : 8 ] ، إنما هو جبريل  ، عليه السلام ، كما ثبت ذلك في الصحيحين ، عن عائشة  أم المؤمنين ، وعن ابن مسعود  ، وكذلك هو في صحيح مسلم ،  عن  أبي هريرة  ، رضي الله عنهم ، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا حسن بن موسى  ، حدثنا حماد بن سلمة  ، أخبرنا ثابت البناني  ، عن أنس بن مالك   - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  " أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس ، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء ، ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت . فأتاني جبريل  بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن . قال جبريل   : أصبت الفطرة " قال : " ثم عرج بي إلى السماء الدنيا  ، فاستفتح جبريل  ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل . فقيل : ومن معك ؟ قال : محمد   . قيل : وقد أرسل إليه ؟ [ قال : قد أرسل إليه ] . ففتح لنا ، فإذا أنا بآدم  ، فرحب ودعا لي بخير . 
ثم عرج بنا إلى السماء الثانية ، فاستفتح جبريل  ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل   . فقيل : ومن معك ؟ قال : محمد   . فقيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : قد أرسل إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا بابني الخالة يحيى  وعيسى  ، فرحبا بي ودعوا لي بخير . 
ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة ، فاستفتح جبريل  ، فقيل : من أنت ؟ فقال : جبريل   . فقيل : ومن معك ؟ فقال : محمد   . فقيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : قد أرسل إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا ب يوسف  ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ، فرحب ودعا لي بخير . 
ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة ، فاستفتح جبريل  ، فقيل : من أنت ؟ فقال : جبريل   . فقيل : ومن معك ؟ قال : محمد   . فقيل : قد أرسل إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح الباب ، فإذا أنا ب إدريس  ، فرحب ودعا لي بخير . ثم قال : يقول الله : ( ورفعناه مكانا عليا   ) [ مريم : 57 ] . 
ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة ، فاستفتح جبريل  ، فقيل : من أنت ؟ فقال : جبريل   . فقيل : [ و ] من معك ؟ فقال : محمد   . فقيل : قد أرسل إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا ب هارون  ، فرحب ودعا لي بخير . 
ثم عرج بنا إلى السماء السادسة ، فاستفتح جبريل  ، فقيل : من أنت ؟ فقال : جبريل   . قيل ومن معك ؟ قال : محمد   . فقيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا ب موسى  فرحب ودعا لي بخير . 
ثم عرج بنا إلى السماء السابعة ، فاستفتح جبريل  ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل   . قيل : ومن  [ ص: 9 ] معك ؟ قال : محمد   . فقيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا ، فإذا أنا ب إبراهيم  ، وإذا هو مستند إلى البيت المعمور  ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه . 
ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى ، فإذا ورقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال . فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت ، فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع أن يصفها من حسنها . قال : " فأوحى الله إلي ما أوحى ، وفرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى   " . قال : " ما فرض ربك على أمتك ؟ قال : " قلت : خمسين صلاة في كل يوم وليلة " . قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك ، وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم " . قال : " فرجعت إلى ربي ، فقلت : أي رب ، خفف عن أمتي ، فحط عني خمسا . فرجعت إلى موسى  فقال : ما فعلت ؟ قلت : قد حط عني خمسا " . قال : " إن أمتك لا تطيق ذلك ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك " قال : " فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى  ، ويحط عني خمسا خمسا حتى قال : يا محمد  ، هي خمس صلوات في كل يوم وليلة ، بكل صلاة عشر ، فتلك خمسون صلاة ، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت [ له ] حسنة ، فإن عملها كتبت عشرا . ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة . فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته ، فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك " . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت "  . 
ورواه مسلم  عن  شيبان بن فروخ  ، عن حماد بن سلمة  بهذا السياق ، وهو أصح من سياق شريك   . 
قال  البيهقي   : وفي هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسري به - عليه الصلاة والسلام -  من مكة  إلى بيت المقدس   . وهذا الذي قاله هو الحق الذي لا شك فيه ولا مرية . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا عبد الرزاق  ، حدثنا معمر  ، عن قتادة  ، عن أنس   - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجا ملجما ليركبه ، فاستصعب عليه ، فقال له جبريل   : ما يحملك على هذا ؟ فوالله ما ركبك قط أكرم على الله منه . قال : فارفض عرقا . 
ورواه الترمذي  عن إسحاق بن منصور  ، عن عبد الرزاق  ، وقال : غريب لا نعرفه إلا من حديثه . 
وقال أحمد  أيضا : حدثنا أبو المغيرة  ، حدثنا صفوان  ، حدثني  راشد بن سعد  وعبد الرحمن بن جبير  ، عن أنس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " لما عرج بي ربي - عز وجل - مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ، يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل  ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون  [ ص: 10 ] لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم "  . 
وأخرجه أبو داود  ، من حديث  صفوان بن عمرو  ، به . ومن وجه آخر ليس فيه أنس  ، فالله أعلم . 
وقال أيضا : حدثنا  وكيع  ، حدثنا سفيان  ، عن سليمان التيمي  ، عن أنس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " مررت ليلة أسري بي على موسى  ، عليه السلام ، قائما يصلي في قبره " . 
ورواه مسلم  من حديث حماد بن سلمة  ، عن  سليمان بن طرخان التيمي  وثابت البناني  ، كلاهما عن أنس   . 
قال  النسائي   : وهذا أصح من رواية من قال : سليمان  عن ثابت  ، عن أنس   . 
وقال [ الحافظ ] أبو يعلى الموصلي  في مسنده : حدثنا وهب بن بقية  ، حدثنا خالد  ، عن التيمي  ، عن أنس  قال : أخبرني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على موسى  وهو يصلي في قبره . 
وقال أبو يعلى   : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة  ، حدثنا معتمر  ، عن أبيه قال : سمعت أنسا   : أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر بموسى وهو يصلي في قبره  - قال أنس   : ذكر أنه حمل على البراق - فأوثق الدابة - أو قال : الفرس - قال أبو بكر   : صفها لي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر كلمة فقال : أشهد أنك رسول الله ، وكان أبو بكر   - رضي الله عنه - قد رآها . 
وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو البزار  في مسنده : حدثنا سلمة بن شبيب  ، حدثنا  سعيد بن منصور  ، حدثنا الحارث بن عبيد  ، عن  أبي عمران الجوني  ، عن أنس بن مالك   - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا قاعد إذ جاء جبريل  عليه السلام ، فوكز بين كتفي ، فقمت إلى شجرة فيها كوكري الطير ، فقعد في أحدهما وقعدت في الآخر فسمت وارتفعت حتى سدت الخافقين وأنا أقلب طرفي ، ولو شئت أن أمس السماء لمسست ، فالتفت إلى جبريل  ، عليه السلام ، كأنه حلس لاط فعرفت فضل علمه بالله علي ، وفتح لي باب من أبواب السماء فرأيت النور الأعظم ، وإذا دون الحجاب رفرف الدر والياقوت ، وأوحي إلي ما شاء الله أن يوحي  " ثم قال : هذا الحديث لا نعلم رواه إلا أنس  ، ولا نعلم رواه عن  أبي عمران الجوني  إلا الحارث بن عبيد  ، وكان رجلا مشهورا من أهل البصرة . 
 [ ص: 11 ] ورواه الحافظ  البيهقي  في " الدلائل " ، عن أبي بكر القاضي  ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن دحيم  ، عن محمد بن الحسين بن أبي الحنين  ، عن  سعيد بن منصور  ، فذكر بسنده مثله ، ثم قال : وقال غيره في هذا الحديث في آخره :  " ولط دوني - أو قال : دون الحجاب - رفرف الدر والياقوت " . ثم قال : هكذا رواه الحارث بن عبيد   . ورواه حماد بن سلمة  ، عن  أبي عمران الجوني  ، عن محمد بن عمير بن عطارد   : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ملإ من أصحابه ، فجاءه جبريل  ، فنكت في ظهره فذهب به إلى الشجرة وفيها مثل وكري الطير ، فقعد في أحدهما وقعد جبريل  في الآخر ، فنشأت بنا حتى بلغت الأفق ، فلو بسطت يدي إلى السماء لنلتها ، فدلي بسبب وهبط النور ، فوقع جبريل  مغشيا عليه كأنه حلس ، فعرفت فضل خشيته على خشيتي . فأوحى إلي : نبيا ملكا أو نبيا عبدا ؟ وإلى الجنة ما أنت ؟ فأومأ إلي جبريل  وهو مضطجع : أن تواضع . قال : قلت : لا . بل نبيا عبدا . 
قلت : وهذا إن صح يقتضي أنها واقعة غير ليلة الإسراء ، فإنه لم يذكر فيها بيت المقدس  ، ولا الصعود إلى السماء ، فهي كائنة غير ما نحن فيه ، والله أعلم . 
وقال البزار  أيضا : حدثنا عمرو بن عيسى  ، حدثنا أبو بحر  ، حدثنا شعبة  ، عن قتادة  ، عن أنس   - رضي الله عنه - أن محمدا  صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، عز وجل ، هذا غريب . 
وقال أبو جعفر بن جرير   : حدثنا يونس  ، حدثنا  عبد الله بن وهب  ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن الزهري  ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص  ، عن أنس بن مالك  قال : لما جاء جبريل  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق فكأنها أمرت ذنبها ، فقال لها جبريل   : مه يا براق ، فوالله إن ركبك مثله . وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو بعجوز على جانب الطريق ، فقال : " ما هذه يا جبريل  ؟ " قال : سر يا محمد   . قال : فسار ما شاء الله أن يسير ، فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول : هلم يا محمد  فقال له جبريل   : سر يا محمد  فسار ما شاء الله أن يسير ، قال : فلقيه خلق من الخلق فقالوا : السلام عليك يا أول ، السلام عليك يا آخر ، السلام عليك يا حاشر ، فقال له جبريل   : اردد السلام يا محمد   . فرد السلام ، ثم لقيه الثانية فقال له مثل مقالته الأولى ، ثم الثالثة كذلك ، حتى انتهى إلى بيت المقدس . فعرض عليه الماء والخمر واللبن ، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن ، فقال له جبريل   : أصبت الفطرة ، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك ، ولو شربت الخمر لغويت ولغوت أمتك . ثم بعث له آدم  فمن دونه من الأنبياء ، عليهم السلام ، فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة . ثم قال له جبريل   : أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق ، فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز ، وأما الذي أراد أن تميل إليه ، فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه ، وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم  وموسى  وعيسى  ، عليهم الصلاة والسلام . 
وهكذا رواه الحافظ  البيهقي  في " دلائل النبوة " من حديث ابن وهب  ، وفي بعض ألفاظه نكارة  [ ص: 12 ] وغرابة . 
طريق أخرى عن أنس بن مالك   : 
وفيها غرابة ونكارة جدا ، وهي في سنن  النسائي  المجتبى ، ولم أرها في " الكبير " قال : أخبرنا عمرو بن هشام  ، حدثنا  مخلد - هو ابن الحسين   - عن سعيد بن عبد العزيز  ، حدثنا يزيد بن أبي مالك  ، حدثنا أنس بن مالك   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل ، خطوها عند منتهى طرفها ، فركبت ومعي جبريل  عليه السلام فسرت فقال : انزل فصل . فصليت ، فقال : أتدري أين صليت ؟ [ صليت بطيبة وإليها المهاجر ، ثم قال : انزل فصل . فصليت ، فقال : أتدري أين صليت ؟ ] صليت بطور سيناء  ، حيث كلم الله موسى  ، ثم قال : انزل فصل . فصليت ، فقال : أتدري أين صليت . صليت ببيت لحم  ، حيث ولد عيسى  ، عليه السلام ، ثم دخلت بيت المقدس  فجمع لي الأنبياء عليهم السلام ، فقدمني جبريل  حتى أممتهم [ ثم صعد بي إلى السماء الدنيا ، فإذا فيها آدم  ، عليه السلام ] ثم صعد بي إلى السماء الثانية ، فإذا فيها ابنا الخالة : عيسى  ويحيى  ، عليهما السلام ، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة ، فإذا فيها يوسف  عليه السلام . ثم صعد بي إلى السماء الرابعة ، فإذا فيها هارون  ، عليه السلام . ثم صعد بي إلى السماء الخامسة ، فإذا فيها إدريس  عليه السلام . ثم صعد بي إلى السماء السادسة ، فإذا فيها موسى  ، عليه السلام . ثم صعد بي إلى السماء السابعة ، فإذا فيها إبراهيم  عليه السلام ، ثم صعد بي فوق سبع سموات وأتيت سدرة المنتهى ، فغشيتني ضبابة فخررت ساجدا فقيل لي : إني يوم خلقت السموات والأرض ، فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة ، فقم بها أنت وأمتك [ فرجعت إلى إبراهيم  فلم يسألني ، عن شيء . ثم أتيت موسى  فقال : كم فرض الله عليك وعلى أمتك ؟ ] قلت : خمسين صلاة . قال : فإنك لا تستطيع أن تقوم بها ، لا أنت ولا أمتك ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فرجعت إلى ربي فخفف عني عشرا . ثم أتيت موسى  فأمرني بالرجوع ، فرجعت فخفف عني عشرا ، ثم ردت إلى خمس صلوات ، قال : فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإنه فرض على بني إسرائيل صلاتين ، فما قاموا بهما . فرجعت إلى ربي - عز وجل - فسألته التخفيف ، فقال : إني يوم خلقت السموات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة ، فخمس بخمسين ، فقم بها أنت وأمتك . فعرفت أنها من الله عز وجل صرى فرجعت إلى موسى  ، عليه السلام فقال : ارجع ، فعرفت أنها من الله صرى - يقول : أي حتم - فلم أرجع "  . 
طريق أخرى : 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثني أبي ، حدثنا هشام بن عمار  ، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك  ، عن أبيه ، عن أنس بن مالك   - رضي الله عنه - قال : لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس  ، أتاه جبريل  بدابة فوق الحمار ودون البغل ، حمله جبريل  عليها ، ينتهي خفها حيث ينتهي  [ ص: 13 ] طرفها . فلما بلغ بيت المقدس  وبلغ المكان الذي يقال له : " باب محمد  صلى الله عليه وسلم " أتى إلى الحجر الذي ثمة ، فغمزه جبريل  بأصبعه فثقبه ، ثم ربطها . ثم صعد فلما استويا في صرحة المسجد ، قال جبريل   : يا محمد  ، هل سألت ربك أن يريك الحور العين ؟ فقال : نعم . فقال : فانطلق إلى أولئك النسوة ، فسلم عليهن وهن جلوس عن يسار الصخرة ، قال : فأتيتهن فسلمت عليهن ، فرددن علي السلام ، فقلت : من أنتن ؟ فقلن : نحن خيرات حسان ، نساء قوم أبرار ، نقوا فلم يدرنوا ، وأقاموا فلم يظعنوا ، وخلدوا فلم يموتوا " . قال : " ثم انصرفت ، فلم ألبث إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير ، ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة " . قال : " فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا ، فأخذ بيدي جبريل  عليه السلام ، فقدمني فصليت بهم . فلما انصرفت قال جبريل   : يا محمد  ، أتدري من صلى خلفك ؟ " قال : " قلت : لا . قال : صلى خلفك كل نبي بعثه الله عز وجل " . 
قال : " ثم أخذ بيدي جبريل  فصعد بي إلى السماء ، فلما انتهينا إلى الباب استفتح فقالوا : من أنت ؟ قال : أنا جبريل  ، قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد   . قالوا : وقد بعث ؟ قال : نعم " . قال : " ففتحوا له وقالوا : مرحبا بك وبمن معك " . قال : " فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم ، فقال لي جبريل   : يا محمد  ، ألا تسلم على أبيك آدم  ؟ " قال : " قلت : بلى . فأتيته فسلمت عليه ، فرد علي وقال : مرحبا بابني والنبي الصالح " . قال : " ثم عرج بي إلى السماء الثانية فاستفتح ، قالوا : من أنت ؟ قال : جبريل   . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد   . قالوا : وقد بعث ؟ قال : نعم " : " ففتحوا له وقالوا : مرحبا بك وبمن معك ، فإذا فيها عيسى  وابن خالته يحيى  عليهما السلام . قال : " ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ، قالوا : من أنت ؟ قال : جبريل   . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد .  قالوا : وقد بعث ؟ قال : نعم " . ففتحوا وقالوا : مرحبا بك وبمن معك ، فإذا فيها يوسف  ، عليه السلام ، ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فاستفتح ، قالوا : من أنت ؟ قال : جبريل  ؟ قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد   . قالوا : وقد بعث ؟ قال : نعم . ففتحوا وقالوا : مرحبا بك وبمن معك . فإذا فيها إدريس  عليه السلام " . قال : " فعرج بي إلى السماء الخامسة ، فاستفتح ، قالوا : من أنت ؟ قال : جبريل   . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد   . قالوا : وقد بعث ؟ قال : نعم . قال : ففتحوا وقالوا : مرحبا بك وبمن معك فإذا فيها هارون  ، عليه السلام " . قال : " ثم عرج بي إلى السماء السادسة فاستفتح ، قالوا : من أنت ؟ قال : جبريل   . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد   . قالوا : وقد بعث ؟ قال : نعم . ففتحوا وقالوا : مرحبا بك وبمن معك ، فإذا فيها موسى  ، عليه السلام . ثم عرج بي إلى السماء السابعة ، فاستفتح جبريل  ، فقالوا من أنت ؟ قال : جبريل   . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد   . قالوا : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . ففتحوا له وقالوا : مرحبا بك وبمن معك ، فإذا فيها إبراهيم  ، عليه السلام . فقال جبريل   : يا محمد  ، ألا تسلم على أبيك إبراهيم  ؟ قال : قلت : بلى . فأتيته فسلمت عليه ، فرد علي السلام وقال : مرحبا بك بابني والنبي الصالح . 
ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة ، حتى انتهى بي إلى نهر عليه خيام الياقوت واللؤلؤ والزبرجد وعليه طير خضر أنعم طير رأيت . فقلت : يا جبريل  ، إن هذا الطير لناعم قال : يا محمد  ، آكله أنعم منه ثم قال : يا محمد  ، أتدري : أي نهر هذا ؟ قال : " قلت : لا . قال : هذا الكوثر الذي أعطاك  [ ص: 14 ] الله إياه . فإذا فيه آنية الذهب والفضة ، يجري على رصراض من الياقوت والزمرد ، ماؤه أشد بياضا من اللبن " قال : " فأخذت منه آنية من الذهب ، فاغترفت من ذلك الماء فشربت ، فإذا هو أحلى من العسل ، وأشد رائحة من المسك . ثم انطلق بي حتى انتهيت إلى الشجرة ، فغشيتني سحابة فيها من كل لون ، فرفضني جبريل  ، وخررت ساجدا لله - عز وجل - فقال الله لي : يا محمد  ، إني يوم خلقت السموات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة ، فقم بها أنت وأمتك " . قال : " ثم انجلت عني السحابة وأخذ بيدي جبريل  ، فانصرفت سريعا فأتيت على إبراهيم  فلم يقل لي شيئا ، ثم أتيت على موسى  فقال : ما صنعت يا محمد  ؟ فقلت : فرض ربي علي وعلى أمتي خمسين صلاة . قال : فلن تستطيعها أنت ولا أمتك ، فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك . فرجعت سريعا حتى انتهيت إلى الشجرة ، فغشيتني السحابة ، ورفضني جبريل  وخررت ساجدا وقلت : رب ، إنك فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة ، ولن أستطيعها أنا ولا أمتي ، فخفف عنا . قال : قد وضعت عنكم عشرا . قال : ثم انجلت عني السحابة ، وأخذ بيدي جبريل  وانصرفت سريعا حتى أتيت على إبراهيم  فلم يقل لي شيئا ، ثم أتيت على موسى  ، فقال لي : ما صنعت يا محمد  ؟ فقلت : وضع ربي عني عشرا فقال : أربعون صلاة ! لن تستطيعها أنت ولا أمتك ، فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنكم - فذكر الحديث كذلك إلى خمس صلوات ، وخمس بخمسين ثم أمره موسى أن يرجع فيسأل التخفيف ، فقلت : " إني قد استحييت منه تعالى " . 
قال : ثم انحدر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل   : " ما لي لم آت على سماء إلا رحبوا بي وضحكوا إلي ، غير رجل واحد ، فسلمت عليه فرد علي السلام فرحب بي ولم يضحك إلي . قال : يا محمد  ، ذاك مالك خازن جهنم لم يضحك منذ خلق ولو ضحك إلى أحد لضحك إليك " . 
قال : ثم ركب منصرفا ، فبينا هو في بعض طريقه مر بعير لقريش تحمل طعاما ، منها جمل عليه غرارتان : غرارة سوداء ، وغرارة بيضاء ، فلما حاذى بالعير نفرت منه واستدارت ، وصرع ذلك البعير وانكسر . 
ثم إنه مضى فأصبح ، فأخبر عما كان ، فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر  فقالوا : يا أبا بكر  ، هل لك في صاحبك ؟ يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ، ثم رجع في ليلته . فقال أبو بكر  ، رضي الله عنه : إن كان قاله فقد صدق ، وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا ، نصدقه على خبر السماء . 
فقال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما علامة ما تقول ؟ قال : " مررت بعير لقريش ، وهي في مكان كذا وكذا ، فنفرت العير منا واستدارت ، [ وفيها بعير عليه ] غرارتان : غرارة سوداء ، وغرارة بيضاء ، فصرع فانكسر " . 
فلما قدمت العير سألوهم ، فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك سمي أبو بكر الصديق   .  [ ص: 15 ] 
وسألوه وقالوا : هل كان معك فيمن حضر موسى  وعيسى  ؟ قال : " نعم " . قالوا : فصفهم . قال : " نعم " ؛ أما موسى  فرجل آدم ، كأنه من رجال أزد عمان ، وأما عيسى  فرجل ربعة ، سبط ، تعلوه حمرة كأنما يتحادر من شعره الجمان "  . 
هذا سياق فيه غرائب عجيبة . 
رواية أنس   - رضي الله عنه - عن مالك بن صعصعة   : 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا عفان  ، حدثنا همام  ، قال : سمعت قتادة  يحدث عن أنس بن مالك   : أن مالك بن صعصعة  حدثه : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به ، قال : " بينما أنا في الحطيم   - وربما قال قتادة   : في الحجر - مضطجعا إذ أتاني آت " فجعل يقول لصاحبه الأوسط بين الثلاثة ، قال : " فأتاني فقد - وسمعت قتادة  يقول : فشق - ما بين هذه إلى هذه " . وقال قتادة   : فقلت للجارود وهو إلى جنبي : ما يعني ؟ قال : من ثغرة نحره إلى شعرته ، وقد سمعته يقول : من قصته إلى شعرته قال : " فاستخرج قلبي " قال : " فأتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا وحكمة فغسل قلبي ثم حشي ، ثم أعيد . ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض " قال : فقال الجارود   : وهو البراق يا أبا حمزة  ؟ قال : نعم ، يقع خطوه عند أقصى طرفه . قال : " فحملت عليه ، فانطلق بي جبريل  ، عليه السلام ، حتى أتى بي إلى السماء الدنيا ، فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل   . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد   . قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . فقيل : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء " قال : " ففتح فلما خلصت ، فإذا فيها آدم  ، عليه السلام ، فقال : هذا أبوك آدم  ، فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح . 
ثم صعد حتى أتى السماء الثانية ، فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل   . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد  قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ولنعم المجيء جاء " ، قال : " ففتح ، فلما خلصت ، فإذا يحيى  وعيسى  وهما ابنا الخالة . قال : هذا يحيى  وعيسى  ، فسلم عليهما . قال : فسلمت فردا السلام ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح . 
ثم صعد حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل   . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد   . قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ولنعم المجيء جاء " . قال : ففتح فلما خلصت ، فإذا يوسف  ، عليه السلام ، قال : هذا يوسف  قال : " فسلمت عليه ، فرد السلام ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح . 
ثم صعد حتى أتى السماء الرابعة ، فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل   . قيل : ومن معك ؟  [ ص: 16 ] قال : محمد   . قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، ولنعم المجيء جاء " قال : " ففتح فلما خلصت فإذا إدريس  ، قال : هذا إدريس  فسلم عليه " . قال : " فسلمت عليه . فرد السلام ، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح " . 
قال : " ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل   . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد   . قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ولنعم المجيء جاء " . قال : " ففتح ، فلما خلصت ، فإذا هارون  ، عليه السلام ، قال : هذا هارون  فسلم عليه . قال : فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال : مرحبا بالأخ والنبي الصالح " . 
قال : " ثم صعد حتى أتى السماء السادسة فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل   . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد   . قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ولنعم المجيء جاء . ففتح ، فلما خلصت ، فإذا أنا بموسى  ، قال : هذا موسى  ، عليه السلام ، فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد السلام ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح " . قال : " فلما تجاوزته بكى . قيل له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي ؛ لأن غلاما بعث بعدي ، يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي " . 
قال : " ثم صعد حتى أتى السماء السابعة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل   . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد   . قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ولنعم المجيء جاء " . قال : " ففتح ، فلما خلصت ، فإذا إبراهيم  ، عليه السلام . فقال : هذا إبراهيم  ، فسلم عليه " . قال : " فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح " . 
قال : ثم رفعت إلي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، فقال : هذه سدرة المنتهى " . قال : " وإذا أربعة أنهار : نهران باطنان ونهران ظاهران ، فقلت : ما هذا يا جبريل  ؟ قال : أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات " . 
قال : ثم رفع إلي البيت المعمور  . 
قال قتادة   : وحدثني الحسن  ، عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون فيه . 
ثم رجع إلى حديث أنس   [ قال :  " ثم ] أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل "  . قال : " فأخذت اللبن ، قال : هذه الفطرة وأنت عليها وأمتك " . 
قال : " ثم فرضت الصلاة خمسين صلاة كل يوم " . قال : " فنزلت حتى انتهيت إلى موسى  ، قال ما فرض ربك على أمتك ؟ " قال : " قلت خمسين صلاة كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة ، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى  [ ص: 17 ] ربك فاسأله التخفيف ، عن أمتك " . قال : " فرجعت فوضع عني عشرا ، قال : فرجعت إلى موسى  ، فقال : بم أمرت ؟ قلت : بأربعين صلاة كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم ، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . قال : فرجعت فوضع عني عشرا أخر . فرجعت إلى موسى  فقال : بم أمرت ؟ فقلت : أمرت بثلاثين صلاة . قال : إن أمتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل يوم ، وإني قد خبرت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك " . قال : " فرجعت فوضع عني عشرا أخر ، فرجعت إلى موسى  فقال : بم أمرت ؟ قلت : بعشرين صلاة كل يوم . فقال : إن أمتك لا تستطيع لعشرين صلاة كل يوم ، وإني قد خبرت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك " . قال : " فرجعت فوضع عني عشرا أخر ، فرجعت إلى موسى  فقال : بم أمرت ؟ فقلت : أمرت بعشر صلوات في كل يوم . فقال : إن أمتك لا تستطيع لعشر صلوات كل يوم ، وإني قد خبرت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك " . قال : " فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم ، فرجعت إلى موسى  فقال : بم أمرت ؟ فقلت : أمرت بخمس صلوات كل يوم . فقال : إن أمتك لا تستطيع لخمس صلوات كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك " . قال : " قلت : لقد سألت ربي [ عز وجل ] حتى استحييت ، ولكن أرضى وأسلم . فنفذت ، فناداني مناد : قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي "  . 
وأخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة  ، بنحوه . 
" رواية أنس  ، عن أبي ذر   : 
قال  البخاري   : حدثنا يحيى بن بكير  ، حدثنا الليث  ، عن يونس  ، عن ابن شهاب  ، عن أنس بن مالك  قال : كان أبو ذر   - رضي الله عنه - يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فرج سقف بيتي وأنا بمكة ، فنزل جبريل ففرج [ صدري ثم غسله بماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا ، فأفرغه ] في صدري ، ثم أطبقه . ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء ، فلما جئت إلى السماء [ الدنيا ] قال جبريل  لخازن السماء : افتح . قال : من هذا ؟ قال : جبريل   . قال : هل معك أحد ؟ قال : نعم ، معي محمد   . قال : أرسل إليه ؟ قال : نعم . فلما فتح علونا السماء الدنيا وإذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة ، فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى . فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح . قلت : لجبريل   : من هذا ؟ قال : هذا آدم   . وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار . فإذا نظر ، عن يمينه ضحك ، وإذا نظر ، عن شماله بكى . 
" ثم عرج بي إلى السماء الثانية فقال لخازنها : افتح . فقال له خازنها مثل ما قال له الأول ،  [ ص: 18 ] ففتح " . قال أنس   : فذكر أنه وجد في السموات آدم  ، وإدريس  ، وموسى  ، وعيسى  ، وإبراهيم  ، ولم يثبت كيف منازلهم ، غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا ، وإبراهيم  في السماء السادسة . قال أنس   : فلما مر جبريل  بالنبي صلى الله عليه وسلم بإدريس قال : " مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . فقلت : من هذا ؟ فقال : هذا إدريس   . ثم مررت بموسى  فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . قلت : من هذا ؟ قال : موسى  ثم مررت بعيسى  فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . قلت : من هذا ؟ قال : عيسى  ابن مريم   . ثم مررت بإبراهيم  فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح . قلت : من هذا ؟ قال : هذا إبراهيم   "  . قال الزهري   : فأخبرني  ابن حزم   : أن ابن عباس  وأبا حبة الأنصاري  كانا يقولان : قال النبي صلى الله عليه وسلم :  " ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام "  . قال  ابن حزم   وأنس بن مالك   : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " ففرض الله على أمتي خمسين صلاة ، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى  ، فقال : ما فرض الله على أمتك ؟ قلت : فرض خمسين صلاة . قال : فارجع إلى ربك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فرجعت [ فوضع شطرها ، فرجعت إلى موسى  ، قلت : وضع شطرها . فقال : ارجع إلى ربك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك . فرجعت فوضع شطرها . فرجعت إليه فقال : ارجع إلى ربك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك . فراجعته ] فقال : هي خمس وهي خمسون ، لا يبدل القول لدي . فرجعت إلى موسى  فقال : ارجع إلى ربك . قلت : قد استحييت من ربي . ثم انطلق بي حتى انتهى إلى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي ، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك "  . 
هذا لفظ  البخاري  في " كتاب الصلاة " ورواه في ذكر بني إسرائيل ،  وفي الحج وفي أحاديث الأنبياء من طرق أخر ، عن يونس  به ، ورواه مسلم  في صحيحه في " كتاب الإيمان " منه ، عن حرملة  ، عن ابن وهب  ، عن يونس  به نحوه . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا عفان  ، حدثنا همام  ، عن قتادة  ، عن عبد الله بن شقيق  قال : قلت لأبي ذر   : لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته . قال : وما كنت تسأله ؟ قال : كنت أسأله : هل رأى ربه ؟ فقال : إني قد سألته فقال :  " إني قد رأيته نورا أنى أراه "  . 
هكذا قد وقع في رواية  الإمام أحمد  وأخرجه مسلم  في صحيحه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة  ، عن  وكيع  ، عن يزيد بن إبراهيم  ، عن قتادة  ، عن عبد الله بن شقيق  ، [ عن أبي ذر  قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال : " نور أني أراه " . 
وعن  محمد بن بشار  ، عن  معاذ بن هشام  ، حدثنا أبي ، عن قتادة  ، عن عبد الله بن شقيق   ] قال : قلت لأبي ذر   : لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته . فقال : عن أي شيء كنت تسأله ؟ قال :  [ ص: 19 ] كنت أسأله : هل رأيت ربك  ؟ قال أبو ذر   : قد سألت فقال : " رأيت نورا  " . 
رواية أنس  ، عن  أبي بن كعب الأنصاري  ، رضي الله عنه : 
قال  عبد الله بن الإمام أحمد   : حدثنا محمد بن إسحاق بن محمد بن المسيبي  حدثنا أنس بن عياض  ، عن  يونس بن يزيد  قال : قال ابن شهاب   : قال أنس بن مالك   : كان أبي بن كعب  يحدث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  " فرج سقف بيتي وأنا بمكة  ، فنزل جبريل  ففرج صدري ، ثم غسله من ماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا ، فأفرغها في صدري ثم أطبقه ، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء . فلما جاء السماء [ فافتتح فقال : من هذا ؟ قال : جبريل   . قال : هل معك أحد ؟ قال : نعم ، معي محمد   . قال : أرسل إليه ؟ قال : نعم ، فافتح . فلما علونا السماء الدنيا ] إذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة ، فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى قال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح " . قال : " قلت لجبريل   : من هذا ؟ قال : هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه ، فأهل اليمين هم أهل الجنة ، والأسودة التي عن شماله هم أهل النار . فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى " قال : " ثم عرج بي جبريل  حتى أتى السماء الثانية ، فقال لخازنها : افتح . فقال له خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا ففتح له " . قال أنس   : فذكر أنه وجد في السموات : آدم  ، وإدريس  ، وموسى  ، وعيسى  ، وإبراهيم  ، ولم يثبت لي كيف منازلهم ؟ غير أنه ذكر أنه وجد آدم  ، عليه السلام ، في السماء الدنيا ، وإبراهيم  في السماء السادسة . قال أنس   : فلما مر جبريل  عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم بإدريس  قال : " مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح " . قال : " قلت : من هذا يا جبريل  ؟ قال : هذا إدريس   " ، قال : " ثم مررت ب موسى  ، فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . فقلت : من هذا ؟ قال : هذا موسى  ، ثم مررت ب عيسى  فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . قلت : من هذا ؟ . قال : هذا عيسى ابن مريم   " قال : " ثم مررت ب إبراهيم  فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح . قلت : من هذا ؟ قال : هذا إبراهيم   "  . قال ابن شهاب   : وأخبرني  ابن حزم   : أن ابن عباس  وأبا حبة الأنصاري  كانا يقولان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع صريف الأقلام " قال  ابن حزم   وأنس بن مالك   : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " فرض الله على أمتي خمسين صلاة " قال : " فرجعت بذلك حتى أمر على موسى  ، فقال موسى : ماذا فرض ربك على أمتك ؟ قلت : فرض عليهم خمسين صلاة . فقال لي موسى   : راجع ربك ؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك " قال : " فراجعت ربي فوضع شطرها ، فرجعت إلى موسى  فأخبرته فقال : ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فرجعت فقال : هي خمس وهي خمسون ، لا يبدل القول لدي " . قال : " فرجعت إلى موسى فقال : راجع ربك . فقلت قد استحييت من ربي " قال : " ثم انطلق بي حتى أتى سدرة المنتهى . قال : " فغشيها ألوان ما أدري ما هي ؟ " قال : " ثم أدخلت الجنة ، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك "  . 
هكذا رواه عبد الله بن [ الإمام ] أحمد  في مسند أبيه . وليس هو في شيء من الكتب  [ ص: 20 ] الستة ، وقد تقدم في الصحيحين من طريق يونس  ، عن الزهري  ، عن أبي ذر  ، مثل هذا السياق سواء ، فالله أعلم . 
رواية  بريدة بن الحصيب الأسلمي   : 
قال الحافظ  أبو بكر البزار   : حدثنا عبد الرحمن بن المتوكل  ويعقوب بن إبراهيم   - واللفظ له - قالا : حدثنا أبو نميلة  ، أخبرنا الزبير بن جنادة  ، عن عبد الله بن بريدة  ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " لما كان ليلة أسري به قال : فأتى جبريل  الصخرة التي ب بيت المقدس  ، فوضع إصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق "  . 
ثم قال البزار   : لا نعلم رواه عن الزبير بن جنادة  إلا أبو نميلة  ، ولا نعلم هذا الحديث [ يروى ] إلا عن بريدة   . وقد رواه الترمذي  في التفسير من جامعه ، عن يعقوب بن إبراهيم  الدورقي  به وقال : غريب . 
رواية  جابر بن عبد الله ،  رضي الله عنه : 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا يعقوب  ، حدثنا أبي ، عن صالح  ، عن ابن شهاب  قال : قال أبو سلمة   : سمعت  جابر بن عبد الله  يحدث : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  " لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس  ، قمت في الحجر  فجلى الله لي بيت المقدس  ، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه "  . 
أخرجاه في الصحيحين من طرق ، عن الزهري  به . 
وقال  البيهقي   : أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي  ، حدثنا أبو العباس الأصم  ، حدثنا العباس بن محمد الدوري  ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم  ، حدثنا أبي ، عن صالح بن كيسان  ، عن ابن شهاب  قال : سمعت  سعيد بن المسيب  يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتهى إلى بيت المقدس  ، لقي فيه إبراهيم  وموسى  وعيسى  ، وإنه أتي بقدحين : قدح من لبن وقدح خمر ، فنظر إليهما ، ثم أخذ قدح اللبن . فقال جبريل   : أصبت ، هديت للفطرة ، لو اخترت الخمر لغوت أمتك . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة  ، فأخبر أنه أسري به ، فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه  . 
قال ابن شهاب   : قال أبو سلمة بن عبد الرحمن   : فتجهز - أو كلمة نحوها - ناس من قريش إلى أبي بكر  فقالوا : هل لك في صاحبك ؟ يزعم أنه جاء إلى بيت المقدس  ثم رجع إلى مكة  في ليلة واحدة ! فقال أبو بكر   : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم . قال : فأشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا : فتصدقه بأن يأتي الشام  في ليلة واحدة ثم يرجع إلى مكة  قبل أن يصبح ؟ قال : نعم ، إني أصدقه بأبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء . قال أبو سلمة   : فبها سمي أبو بكر : الصديق   .  [ ص: 21 ] 
قال أبو سلمة   : فسمعت  جابر بن عبد الله  يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  " لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس  ، قمت في الحجر ، فجلى الله لي بيت المقدس  ، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه "  . 
رواية حذيفة بن اليمان  ، رضي الله عنه : 
قال  الإمام أحمد   : ثنا أبو النضر  ، ثنا شيبان  ، عن عاصم  ، عن زر بن حبيش  ، قال : أتيت على حذيفة بن اليمان  وهو يحدث ، عن ليلة أسري ب محمد  صلى الله عليه وسلم ، وهو يقول :  " فانطلقنا حتى أتينا بيت المقدس   " . فلم يدخلاه . قال : قلت : بل دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ وصلى فيه . قال : ما اسمك يا أصلع ؟ فإني أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك ؟ قال : قلت : أنا زر بن حبيش   . قال : فما علمك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيه ليلتئذ ؟ قال : قلت : القرآن يخبرني بذلك . قال : من تكلم بالقرآن فلج ، اقرأ . قال : فقلت : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى   ) قال : يا أصلع ، هل تجد " صلى فيه " ؟ قلت : لا . قال : والله ما صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ ، ولو صلى فيه لكتب عليكم صلاة فيه ، كما كتب عليكم صلاة في البيت العتيق  ، والله ما زايلا البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء ، فرأيا الجنة والنار ووعد الآخرة أجمع ، ثم عادا عودهما على بدئهما . قال : ثم ضحك حتى رأيت نواجذه . قال : وتحدثوا أنه ربطه ، لا يفر منه ، وإنما سخره له عالم الغيب والشهادة . قلت : أبا عبد الله : أي دابة البراق ؟ قال : دابة أبيض طويل هكذا ، خطوه مد البصر  . 
ورواه  أبو داود الطيالسي  ، عن حماد بن سلمة  ، عن عاصم  ، به . ورواه الترمذي   والنسائي  في التفسير من حديث عاصم   - وهو ابن أبي النجود   - به ، وقال الترمذي   : حسن صحيح . 
وهذا الذي قاله حذيفة   - رضي الله عنه - نفي ، وما أثبته غيره ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربط الدابة بالحلقة ومن الصلاة ب البيت المقدس  ، مما سبق وما سيأتي مقدم على قوله ، والله أعلم بالصواب . 
رواية أبي سعيد   -  سعد بن مالك بن سنان الخدري   : 
قال الحافظ  أبو بكر البيهقي  في كتاب " دلائل النبوة " : 
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ  ، حدثنا  أبو العباس محمد بن يعقوب  ، حدثنا أبو بكر يحيى بن أبي طالب  ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء  ، أخبرنا أبو محمد راشد الحماني  ، عن أبي هارون العبدي  ، عن  أبي سعيد الخدري   - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له أصحابه : يا رسول الله ، أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها ، قال : قال الله عز وجل : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير   )  [ ص: 22 ] قال : فأخبرهم فقال :  " فبينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام ، إذ أتاني آت فأيقظني ، فاستيقظت فلم أر شيئا ، وإذا أنا بكهيئة خيال ، فأتبعته بصري حتى خرجت من المسجد فإذا أنا بدابة أدنى في شبهه بدوابكم هذه ، بغالكم هذه ، مضطرب الأذنين يقال له : البراق . وكانت الأنبياء تركبه قبلي ، يقع حافره عند مد بصره ، فركبته ، فبينما أنا أسير عليه ، إذ دعاني داع ، عن يميني : يا محمد  ، انظرني أسألك ، يا محمد  ، انظرني أسألك ، فلم أجبه ولم أقم عليه ، [ فبينما أنا أسير عليه ، إذ دعاني داع ، عن يساري : يا محمد  ، انظرني أسألك ، فلم أجبه ولم أقم عليه ] ، فبينما أنا أسير ، إذ أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها ، وعليها من كل زينة خلقها الله ، فقالت : يا محمد  ، انظرني أسألك . فلم ألتفت إليها ولم أقم عليها . حتى أتيت بيت المقدس ، فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء توثقها بها . فأتاني جبريل  ، عليه السلام بإناءين : أحدهما خمر ، والآخر لبن ، فشربت اللبن ، وتركت الخمر ، فقال جبريل   : أصبت الفطرة فقلت : الله أكبر ، الله أكبر . فقال : جبريل   : ما رأيت في وجهك هذا ؟ " قال : " فقلت : بينما أنا أسير ، إذ دعاني داع ، عن يميني : يا محمد  ، انظرني أسألك . فلم أجبه ولم أقم عليه . قال : ذاك داعي اليهود ، أما إنك لو أجبته - أو : وقفت عليه - لتهودت أمتك " . قال : : فبينما أنا أسير ، إذ دعاني داع عن يساري قال : يا محمد  ، انظرني أسألك . فلم ألتفت إليه ولم أقم عليه . قال : ذاك داعي النصارى ، أما إنك لو أجبته لتنصرت أمتك " . قال : " فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله تقول : يا محمد  ، انظرني أسألك . فلم أجبها ولم أقم عليها " . قال : تلك الدنيا ، أما إنك لو أجبتها أو أقمت عليها ، لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة " . 
قال : " ثم دخلت أنا وجبريل  بيت المقدس  ، فصلى كل واحد منا ركعتين . 
ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم  ، فلم ير الخلائق أحسن من المعراج ، أما رأيت الميت حين يشق بصره طامحا إلى السماء ، فإنما يشق بصره طامحا إلى السماء عجبه بالمعراج " . قال : " فصعدت أنا وجبريل  ، فإذا أنا بملك يقال : له : إسماعيل   . وهو صاحب السماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك ، مع كل ملك جنده مائة ألف ملك " . قال : " وقال : الله [ عز وجل ] ( وما يعلم جنود ربك إلا هو   ) [ المدثر : 31 ] فاستفتح جبريل  باب السماء ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل   . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد   . قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم . فإذا أنا ب آدم  كهيئته يوم خلقه الله ، عز وجل على صورته ، هو تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين ، فيقول : روح طيبة ، ونفس طيبة ، اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول : روح خبيثة ، ونفس خبيثة ، اجعلوها في سجين .  [ ص: 23 ] 
ثم مضيت هنية ، فإذا أنا بأخونة عليها لحم مشرح ليس يقربها أحد ، وإذا أنا بأخونة أخرى عليها لحم قد أروح وأنتن ، عندها أناس يأكلون منها ، قلت : يا جبريل  ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام . " 
قال : " ثم مضيت هنية ، فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت ، كلما نهض أحدهم خر يقول : اللهم ، لا تقم الساعة " ، قال : " وهم على سابلة آل فرعون   " . قال : " فتجيء السابلة فتطؤهم " . قال : " فسمعتهم يضجون إلى الله عز وجل " . قال : " قلت : يا جبريل  ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء من أمتك ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس   ) [ البقرة : 275 ] . 
قال : " ثم مضيت هنية ، فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل " . قال : " فتفتح على أفواههم ويلقمون من ذلك الجمر ، ثم يخرج من أسافلهم . فسمعتهم يضجون إلى الله - عز وجل - فقلت : من هؤلاء يا جبريل  ؟ قال : هؤلاء من أمتك ( الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا   ) [ النساء : 10 ] . 
قال : " ثم مضيت هنية ، فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن فسمعتهن يضججن إلى الله عز وجل قلت : يا جبريل  من هؤلاء النساء ؟ قال : هؤلاء الزناة من أمتك " . 
قال : " ثم مضيت هنية فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم ، فيلقمونه ، فيقال له : كل كما كنت تأكل من لحم أخيك . قلت : يا جبريل  ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون " . 
قال : " ثم صعدنا إلى السماء الثانية ، فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله - عز وجل - قد فضل الناس في الحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، قلت : يا جبريل  ، من هذا ؟ قال : هذا أخوك يوسف  ومعه نفر من قومه ، فسلمت عليه وسلم علي . 
ثم صعدت إلى السماء الثالثة ، فإذا أنا ب يحيى  وعيسى  ، عليهما السلام ، ومعهما نفر من قومهما ، فسلمت عليهما وسلما علي . 
ثم صعدت إلى السماء الرابعة ، فإذا أنا ب إدريس  قد رفعه الله مكانا عليا ، فسلمت عليه وسلم علي " . 
قال : " ثم صعدت إلى السماء الخامسة ، فإذا [ أنا ] ب هارون  ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء ، تكاد لحيته تصيب سرته من طولها ، قلت : يا جبريل  ، من هذا ؟ قال : هذا المحبب في قومه ، هذا هارون بن عمران  ، ومعه نفر من قومه ، فسلمت عليه وسلم علي . 
ثم صعدت إلى السماء السادسة ، فإذا أنا بموسى بن عمران  ، رجل آدم كثير الشعر ، لو كان  [ ص: 24 ] عليه قميصان لنفذ شعره دون القميص ، فإذا هو يقول : يزعم الناس أني أكرم على الله من هذا ، بل هذا أكرم على الله تعالى مني " . قال : " قلت : يا جبريل  ، من هذا ؟ قال : هذا أخوك موسى بن عمران  ، عليه السلام ، ومعه نفر من قومه ، فسلمت عليه وسلم علي . 
ثم صعدت إلى السماء السابعة ، فإذا أنا بأبينا إبراهيم  خليل الرحمن ساند ظهره إلى البيت المعمور كأحسن الرجال ، قلت : يا جبريل  ، من هذا ؟ قال : هذا أبوك خليل الرحمن ومعه نفر من قومه ، فسلمت عليه فسلم علي ، وإذا [ أنا ] بأمتي شطرين : شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس . وشطر عليهم ثياب رمد " . قال : " فدخلت البيت المعمور  ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض ، وحجب الآخرون الذين عليهم ثياب رمد ، وهم على خير . فصليت أنا ومن معي في البيت المعمور  ، ثم خرجت أنا ومن معي " . قال : " و البيت المعمور  يصلى فيه كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يعودون فيه إلى يوم القيامة " . 
قال : " ثم دفعت لي سدرة المنتهى ، فإذا كل ورقة منها تكاد أن تغطي هذه الأمة ، وإذا فيها عين تجري يقال لها : سلسبيل ، فينشق منها نهران ، أحدهما : الكوثر ، والآخر : يقال له : نهر الرحمة . فاغتسلت فيه ، فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر . 
ثم إني دفعت إلي الجنة ، فاستقبلتني جارية ، فقلت : لمن أنت يا جارية ؟ فقالت  لزيد بن حارثة  ، وإذا [ أنا ] بأنهار من [ ماء غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من ] عسل مصفى ، وإذا رمانها كأنه الدلاء عظما ، وإذا أنا بطيرها كأنها بختيكم هذه " . فقال عندها صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى قد أعد لعباده الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . 
قال : " ثم عرضت علي النار ، فإذا فيها غضب الله وزجره ونقمته ، لو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها ، ثم أغلقت دوني . 
ثم إني دفعت إلى سدرة المنتهى ، فتغشاني فكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى " . قال : " ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة " . قال : " وفرضت علي خمسون وقال : لك بكل حسنة عشر ، إذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنة ، فإذا عملتها كتبت لك عشرا ، وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها لم يكتب عليك شيء ، فإن عملتها كتبت عليك سيئة واحدة . 
ثم دفعت إلى موسى  فقال : بما أمرك ربك ؟ قلت : بخمسين صلاة . قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فإن أمتك لا يطيقون ذلك ، ومتى لا [ تطيقه ] تكفر فرجعت إلى ربي [ عز وجل ] فقلت : يا رب ، خفف عن أمتي ، فإنها أضعف الأمم . فوضع عني عشرا ، وجعلها  [ ص: 25 ] أربعين . فما زلت أختلف بين موسى  وربي كلما أتيت عليه قال لي مثل مقالته ، حتى رجعت إليه فقال لي : بم أمرت ؟ فقلت : أمرت بعشر صلوات . قال : ارجع إلى ربك [ عز وجل ] فاسأله التخفيف لأمتك . فرجعت إلى ربي [ سبحانه وتعالى ] فقلت : أي رب ، خفف عن أمتي ، فإنها أضعف الأمم . فوضع عني خمسا ، وجعلها خمسا . فناداني ملك عندها : تممت فريضتي ، وخففت عن عبادي ، وأعطيتهم بكل حسنة عشر أمثالها . 
ثم رجعت إلى موسى  فقال : بم أمرت ؟ فقلت : بخمس صلوات . قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإنه لا يئوده شيء ، فاسأله التخفيف لأمتك " . " فقلت : رجعت إلى ربي حتى استحييته " ثم أصبح بمكة  يخبرهم بالأعاجيب : " إني أتيت البارحة بيت المقدس  ، وعرج بي إلى السماء ، ورأيت كذا وكذا " . فقال أبو جهل - يعني ابن هشام   - : ألا تعجبون مما يقول محمد ؟ يزعم أنه أتى البارحة بيت المقدس  ، ثم أصبح فينا . وأحدنا يضرب مطيته مصعدة شهرا ، ومقفلة شهرا ، فهذا مسيرة شهرين في ليلة واحدة ! قال : فأخبرهم بعير لقريش : " لما كنت في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا ، وأنها نفرت ، فلما رجعت رأيتها عند العقبة   " . وأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا ، ومتاعه كذا وكذا . فقال أبو جهل   : يخبرنا بأشياء . فقال رجل من المشركين : أنا أعلم الناس ببيت المقدس  ، وكيف بناؤه ؟ وكيف هيئته ؟ وكيف قربه من الجبل ؟ [ فإن يك محمد  صادقا فسأخبركم ، وإن يك كاذبا فسأخبركم . فجاء ذلك المشرك فقال : يا محمد  ، أنا أعلم الناس ب بيت المقدس  ، فأخبرني كيف بناؤه ؟ وكيف هيئته ؟ وكيف قربه من الجبل ] . قال : فرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس  من مقعده ، فنظر إليه كنظر أحدنا إلى بيته : بناؤه كذا وكذا ، وهيئته كذا وكذا ، وقربه من الجبل كذا وكذا . فقال الآخر : صدقت . فرجع إلى أصحابه فقال : صدق محمد  فيما قال أو نحو هذا الكلام  . 
وكذا رواه الإمام أبو جعفر بن جرير  بطوله ، عن محمد بن عبد الأعلى  ، عن محمد بن ثور  ، عن معمر  ، عن أبي هارون العبدي  ، وعن الحسن بن يحيى  ، عن عبد الرزاق  ، عن معمر  ، عن أبي هارون العبدي  به . ورواه أيضا من حديث محمد بن إسحاق   : حدثني روح بن القاسم  ، عن أبي هارون  به نحو سياقه المتقدم . 
ورواه ابن أبي حاتم  ، عن أبيه ، عن أحمد بن عبدة  ، عن أبي عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد  ، عن أبي هارون العبدي  ، عن  أبي سعيد الخدري  ، فذكره بسياق طويل حسن أنيق ، أجود مما ساقه غيره ، على غرابته وما فيه من النكارة . 
 [ ص: 26 ] ثم ذكره  البيهقي  ، أيضا ، من رواية نوح بن قيس الحداني  وهشيم  ومعمر  ، عن أبي هارون العبدي   - واسمه عمارة بن جوين  وهو مضعف عند الأئمة . 
وإنما سقنا حديثه هاهنا ؛ لما في حديثه من الشواهد لغيره ؛ ولما رواه  البيهقي   : 
أخبرنا [ الإمام ] أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن  ، أنبأنا أبو نعيم أحمد بن محمد بن إبراهيم البزاز  ، حدثنا أبو حامد بن بلال  ، حدثنا أبو الأزهر  ، حدثنا يزيد بن أبي حكيم  قال : رأيت في النوم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : يا رسول الله ، رجل من أمتك يقال له : "  سفيان الثوري   " لا بأس به ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا بأس به " ، حدثنا عن أبي هارون العبدي  ، عن  أبي سعيد الخدري  ، عنك ليلة أسري بك ، قلت " رأيت في السماء " فحدثه بالحديث ؟ فقال لي : " نعم " . فقلت له : يا رسول الله ، إن ناسا من أمتك يحدثون عنك في السرى بعجائب ؟ فقال لي : " ذلك حديث القصاص "  . 
رواية شداد بن أوس   : 
قال الإمام أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي   : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن الضحاك الزبيدي  ، حدثنا عمرو بن الحارث  ، عن عبد الله بن سالم الأشعري  ، عن  محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي  ، حدثنا الوليد بن عبد الرحمن  ، عن  جبير بن نفير   : حدثنا شداد بن أوس  قال : قلنا : يا رسول الله ، كيف أسري بك ؟ قال : " صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة  معتما " . قال : " فأتاني جبريل  ، عليه السلام ، بدابة أبيض - أو قال : بيضاء - فوق الحمار ودون البغل ، فقال : اركب . فاستصعبت علي ، فرازها بأذنها ، ثم حملني عليها . فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ، حتى بلغنا أرضا ذات نخل فأنزلني فقال : صل . فصليت ، ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت ؟ قلت : الله أعلم . قال : صليت بيثرب صليت بطيبة . فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها . ثم بلغنا أرضا فقال : انزل . [ فنزلت ] ثم قال : صل . فصليت ثم ركبنا ، فقال : أتدري أين صليت ؟ قلت : الله أعلم . قال : صليت بمدين ، صليت عند شجرة موسى   . ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ، ثم بلغنا أرضا ، بدت لنا قصور ، فقال : انزل . فنزلت ، فقال صل فصليت ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت ؟ قلت : الله أعلم . قال : صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم   . ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني ، فأتى قبلة المسجد ، فربط فيه دابته ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر ، فصليت من المسجد حيث شاء الله ، وأخذني من العطش أشد ما أخذني ، فأتيت بإناءين ، في أحدهما لبن وفي الآخر  [ ص: 27 ] عسل ، أرسل إلي بهما جميعا ، فعدلت بينهما ، ثم هداني الله عز وجل ، فأخذت اللبن فشربت حتى قرعت به جبيني ، وبين يدي شيخ متكئ على مثواة له ، فقال : أخذ صاحبك الفطرة ، إنه ليهدى . ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي فيه المدينة ، فإذا جهنم [ تنكشف ] عن مثل الزرابي ، قلت : يا رسول الله ، كيف وجدتها ؟ قال : مثل الحمة السخنة . ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا ، قد أضلوا بعيرا لهم ، قد جمعه فلان ، فسلمت عليهم ، فقال بعضهم : هذا صوت محمد   . ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة " ، فأتاني أبو بكر   - رضي الله عنه - فقال : يا رسول الله ، أين كنت الليلة ؟ فقد التمستك في مظانك . فقال : " علمت أني أتيت بيت المقدس  الليلة ؟ " . فقال : يا رسول الله ، إنه مسيرة شهر ، فصفه لي . قال : " ففتح لي صراط كأني أنظر إليه لا يسألني عن شيء إلا أنبأته عنه " . قال أبو بكر   : أشهد أنك رسول الله . فقال المشركون : انظروا إلى ابن أبي كبشة يزعم أنه أتى بيت المقدس  الليلة! . قال : فقال : " إن من آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا ، قد أضلوا بعيرا لهم ، فجمعه فلان ، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم بكذا ، ويأتونكم يوم كذا وكذا ، يقدمهم جمل آدم ، عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان " . فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون حتى كان قريب من نصف النهار حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم  . 
هكذا رواه  البيهقي  من طريقين عن أبي إسماعيل الترمذي  به . ثم قال بعد تمامه : " هذا إسناد صحيح ، وروى ذلك مفرقا في أحاديث غيره ، ونحن نذكر من ذلك إن شاء الله ما حضرنا " . ثم ساق أحاديث كثيرة في الإسراء كالشاهد لهذا الحديث . وقد روى هذا الحديث عن شداد بن أوس  بطوله الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم  في تفسيره ، عن أبيه ، عن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي  به . ولا شك أن هذا الحديث - أعني الحديث المروي عن شداد بن أوس   - مشتمل على أشياء منها ما هو صحيح كما ذكره  البيهقي  ، ومنها ما هو منكر ، كالصلاة في بيت لحم ،  وسؤال الصديق  عن نعت بيت المقدس  ، وغير ذلك . والله أعلم . 
رواية  عبد الله بن عباس  رضي الله عنهما : 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا عثمان بن محمد  ، حدثنا جرير  ، عن قابوس  ، عن أبيه قال : حدثنا ابن عباس  قال : ليلة أسري بنبي الله صلى الله عليه وسلم دخل الجنة ، فسمع في جانبها وجسا فقال : " يا جبريل  ، ما هذا ؟ " قال : " هذا بلال  المؤذن " . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاء إلى الناس : " قد أفلح بلال  ، قد رأيت له كذا وكذا " . قال : فلقيه موسى  ، عليه السلام ، فرحب به ، وقال : " مرحبا بالنبي الأمي " ، قال : " وهو رجل آدم طويل ، سبط شعره مع أذنيه أو فوقهما " ، فقال : " من هذا يا جبريل  ؟ " قال : " هذا موسى   . [ قال : فمضى ، فلقيه عيسى  فرحب به ، وقال : " من هذا يا جبريل  ؟ " قال : " هذا عيسى   " . قال ] فمضى فلقيه شيخ جليل متهيب فرحب به وسلم عليه وكلهم يسلم عليه ، قال : " من هذا يا جبريل  ؟ " قال : " هذا أبوك إبراهيم   " ، قال : ونظر في النار ، فإذا قوم يأكلون الجيف ، قال : " من هؤلاء يا جبريل  ؟ " قال : " هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس " ، ورأى رجلا أحمر أزرق جدا ، قال : " من هذا يا جبريل  ؟ "  [ ص: 28 ] قال : " هذا عاقر الناقة " ، قال : فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى قام يصلي ، [ فالتفت ثم التفت ] فإذا النبيون أجمعون يصلون معه . فلما انصرف جيء بقدحين ، أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال ، في أحدهما لبن وفي الآخر عسل ، فأخذ اللبن فشرب منه ، فقال الذي كان معه القدح : أصبت الفطرة  . إسناد صحيح ولم يخرجوه . 
طريق أخرى : 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا حسن  ، حدثنا ثابت أبو زيد  ، حدثنا هلال  ، حدثني عكرمة  ، عن ابن عباس  قال : أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس  ، ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس  وبعيرهم ، فقال ناس : نحن لا نصدق محمدا  بما يقول! فارتدوا كفارا ، فضرب الله رقابهم مع أبي جهل  وقال أبو جهل  يخوفنا محمد بشجرة الزقوم ، هاتوا تمرا وزبدا فتزقموا ، ورأى الدجال في صورته رؤيا عين ليس برؤيا منام ، وعيسى  وموسى  وإبراهيم   . فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال  فقال : " رأيته فيلمانيا أقمر هجانا ، إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دري ، كأن شعر رأسه أغصان شجرة . ورأيت عيسى  أبيض ، جعد الرأس ، حديد البصر ، مبطن الخلق . ورأيت موسى  أسحم آدم ، كثير الشعر ، شديد الخلق . ونظرت إلى إبراهيم  فلم أنظر إلى إرب منه إلا نظرت إليه مني ، حتى كأنه صاحبكم . قال جبريل   : سلم على مالك فسلمت عليه " . 
ورواه  النسائي  من حديث أبي زيد ثابت بن يزيد  عن هلال   - وهو ابن خباب - به ، وهو إسناد صحيح . 
طريق أخرى : 
وقال  البيهقي   : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ  ، أنبأنا أبو بكر الشافعي  ، أنبأنا إسحاق بن الحسن  ، حدثنا الحسين بن محمد  ، حدثنا شيبان  ، عن قتادة  ، عن أبي العالية  قال : حدثنا ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم ابن عباس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران  ، رجلا طوالا جعدا ، كأنه من رجال شنوءة  ، ورأيت عيسى ابن مريم  مربوع الخلق ، إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس "  . وأرى مالكا  خازن جهنم والدجال  ، في آيات أراهن الله إياه ، قال : ( فلا تكن في مرية من لقائه   ) [ السجدة : 23 ] فكان قتادة  يفسرها أن نبي الله [ صلى الله عليه وسلم ] قد لقي موسى   [ عليه السلام ] ( وجعلناه هدى لبني إسرائيل   ) قال : جعل الله موسى  هدى لبني إسرائيل   . 
رواه مسلم  في الصحيح عن عبد بن حميد  ، عن يونس بن محمد  ، عن شيبان   . وأخرجاه من حديث شعبة  عن قتادة  مختصرا .  [ ص: 29 ] 
طريق أخرى : 
قال [  البيهقي   : أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان  ، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار  ، حدثنا دبيس المعدل  ، حدثنا عفان  قال : حدثنا ] حماد بن سلمة  ، عن عطاء بن السائب  ، عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " لما أسري بي ، مرت بي رائحة طيبة ، فقلت : ما هذه الرائحة ؟ قالوا : ماشطة بنت فرعون  وأولادها ، سقط مشطها من يدها فقالت : باسم الله : فقالت ابنة فرعون   : أبي ؟ قالت : ربي وربك ورب أبيك . قالت : أولك رب غير أبي ؟ قالت : نعم ، ربي وربك ورب أبيك الله " . قال : " فدعاها فقال : ألك رب غيري ؟ قالت : نعم ، ربي وربك الله ، عز وجل " . قال : " فأمر بنقرة من نحاس فأحميت ، ثم أمر بها لتلقى فيها ، قالت : إن لي [ إليك ] حاجة . قال : ما هي ؟ قالت : تجمع عظامي وعظام ولدي في موضع ، قال ذاك لك ، لما لك علينا من الحق " ، قال : " فأمر بهم فألقوا واحدا واحدا ، حتى بلغ رضيعا فيهم ، فقال : يا أمه ، قعي ولا تقاعسي ، فإنك على الحق " . قال : " وتكلم أربعة وهم صغار : هذا ، وشاهد يوسف  ، وصاحب جريج  ، وعيسى ابن مريم  ، عليه السلام "  . 
إسناد لا بأس به ، ولم يخرجوه . 
طريق أخرى : 
وقال  الإمام أحمد   [ أيضا ] حدثنا محمد بن جعفر  وروح - المعني - قالا : حدثنا عوف  ، عن زرارة بن أوفى  ، عن ابن عباس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " لما كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكة  ، فظعت [ بأمري ] وعرفت أن الناس مكذبي " فقعد معتزلا حزينا ، فمر به عدو الله أبو جهل  فجاء حتى جلس إليه ، فقال له كالمستهزئ : هل كان من شيء ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " قال : وما هو ؟ قال " إني أسري بي الليلة " : قال إلى أين ؟ قال : " إلى بيت المقدس   " قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ ! قال : " نعم " . قال : فلم يره أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إن دعا قومه إليه ، فقال : أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " . قال : هيا معشر بني كعب بن لؤي  ، قال : فانتفضت إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما . قال : حدث قومك بما حدثتني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أسري بي الليلة " . فقالوا : إلى أين ؟ قال : " إلى بيت المقدس   " قالوا : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال : " نعم " . قال : فمن بين مصفق ، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا للكذب - زعم - قالوا : وتستطيع أن تنعت [ لنا ] المسجد - وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فذهبت أنعت ، فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت " قال : " فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه ، حتى وضع دون دار عقيل   - أو عقال - فنعته  [ ص: 30 ] وأنا أنظر إليه "  . قال : وكان مع هذا نعت لم أحفظه - يقول عوف - : قال : فقال القوم : أما النعت فوالله لقد أصاب . 
وأخرجه  النسائي  من حديث  عوف بن أبي جميلة   - وهو الأعرابي ، به . ورواه  البيهقي  من حديث النضر بن شميل وهوذة  ، عن  عوف وهو ابن أبي جميلة الأعرابي  ، أحد الأئمة الثقات به . 
رواية  عبد الله بن مسعود  ، رضي الله عنه : 
قال الحافظ  أبو بكر البيهقي   : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ  ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب  ، حدثنا السري بن خزيمة  ، حدثنا يوسف بن بهلول  ، حدثنا  عبد الله بن نمير  ، عن  مالك بن مغول  ، عن  الزبير بن عدي  ، عن طلحة بن مصرف  ، عن  مرة الهمداني  ، عن  عبد الله بن مسعود  قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانتهى إلى سدرة المنتهى ، وهي في السماء السادسة ، وإليها ينتهي ما يصعد به حتى يقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط [ به ] من فوقها حتى يقبض [ منها ] ( إذ يغشى السدرة ما يغشى   ) [ النجم : 16 ] قال : غشيها فراش من ذهب ، وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ، وخواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لا يشرك بالله المقحمات ، يعني الكبائر . 
ورواه مسلم  في صحيحه ، عن  محمد بن عبد الله بن نمير   وزهير بن حرب  ، كلاهما عن  عبد الله بن نمير  به . ثم قال  البيهقي   : " وهذا الذي ذكره  عبد الله بن مسعود  طرف من حديث المعراج ، وقد رواه أنس بن مالك  ، عن مالك بن صعصعة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم عن أبي ذر  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم رواه مرة مرسلا دون ذكرهما " ثم إن  البيهقي  ساق الأحاديث الثلاثة كما تقدم . 
قلت : وقد روي عن ابن مسعود  بأبسط من هذا ، وفيه غرابة ، وذلك فيما رواه " الحسن بن عرفة   " في جزئه المشهور . حدثنا مروان بن معاوية  ، عن قنان بن عبد الله النهمي  ، حدثنا  أبو ظبيان الجنبي  قال : كنا جلوسا عند  أبي عبيدة بن عبد الله   - يعني ابن مسعود   - و محمد بن سعد بن أبي وقاص  ، وهما جالسان ، فقال محمد بن سعد  لأبي عبيدة   : حدثنا عن أبيك ليلة أسري بمحمد  صلى الله عليه وسلم . فقال أبو عبيدة   : لا بل حدثنا أنت عن أبيك . فقال محمد   : لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت! قال : فأنشأ أبو عبيدة  يحدث - يعني عن أبيه كما سئل - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " أتاني جبريل  بدابة فوق الحمار ودون البغل ، فحملني عليه ، ثم انطلق يهوي بنا كلما صعد عقبة استوت رجلاه كذلك مع يديه ، وإذا هبط استوت يداه مع رجليه ، حتى مررنا برجل طوال سبط آدم  ، كأنه من رجال أزد شنوءة  ، وهو يقول - فيرفع صوته يقول - أكرمته وفضلته " . قال : " فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام ، فقال : من هذا معك يا جبريل  ؟ قال : هذا أحمد  ، قال : مرحبا بالنبي الأمي العربي ، الذي بلغ رسالة ربه ، ونصح لأمته " . قال : " ثم اندفعنا فقلت : من هذا يا جبريل  ؟ قال : هذا موسى بن عمران   " . قال :  [ ص: 31 ] قلت : ومن يعاتب ؟ قال : يعاتب ربه فيك! قلت : فيرفع صوته على ربه ؟ ! قال : إن الله [ عز وجل ] قد عرف له حدته " . قال : " ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السرج تحتها شيخ وعياله " . قال : " فقال لي جبريل   : اعمد إلى أبيك إبراهيم   . فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام ، فقال إبراهيم   : من هذا معك يا جبريل  ؟ قال : هذا ابنك أحمد   " . قال : " فقال : مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته ، يا بني ، إنك لاق ربك الليلة ، وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها ، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل " . قال : " ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى ، فنزلت فربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها . ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين راكع وقائم وساجد " . قال : " ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن فأخذت اللبن فشربت فضرب جبريل   - عليه السلام - منكبي وقال : أصبت الفطرة ورب محمد   " . قال : " ثم أقيمت الصلاة فأممتهم ، ثم انصرفنا فأقبلنا "  . 
إسناد غريب ولم يخرجوه ، فيه من الغرائب سؤال الأنبياء عنه عليه السلام ابتداء ، ثم سؤاله عنهم بعد انصرافه . والمشهور في الصحاح كما تقدم : أن جبريل   [ عليه السلام ] كان يعلمه بهم أولا ليسلم عليهم سلام معرفة . وفيه أنه اجتمع بالأنبياء عليهم السلام قبل دخوله المسجد ، والصحيح أنه إنما اجتمع بهم في السموات ، ثم نزل إلى بيت المقدس  ثانيا وهم معه ، وصلى بهم فيه ، ثم إنه ركب البراق وكر راجعا إلى مكة  ، والله أعلم . 
طريق أخرى : 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا هشيم  ، أخبرنا العوام  ، عن  جبلة بن سحيم  ، عن موثر بن عفازة  ، عن ابن مسعود  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  " لقيت ليلة أسري بي إبراهيم  وموسى  وعيسى  ، فتذاكروا أمر الساعة " قال : " فردوا أمرهم إلى إبراهيم  عليه السلام فقال : لا علم لي بها . فردوا أمرهم إلى موسى   . فقال : لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى عيسى  فقال : أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله - عز وجل - وفيما عهد إلي ربي أن الدجال خارج " . قال : " ومعي قضيبان ، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص " . قال : " فيهلكه الله إذا رآني ، حتى إن الحجر والشجر يقول : يا مسلم إن تحتي كافرا ، فتعال فاقتله " . قال : " فيهلكهم الله ، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم " . قال : " فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج  وهم من كل حدب ينسلون فيطئون بلادهم ، فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه ، ولا يمرون على ماء إلا شربوه " قال : " ثم يرجع الناس إلي فيشكونهم . فأدعو الله عليهم ، فيهلكهم ويميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم - أي : تنتن - " قال : " فينزل الله المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر . ففيما عهد إلي ربي : أن ذلك إذا كان كذلك أن الساعة كالحامل المتم ، لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادها ، ليلا أو نهارا "  . 
وأخرجه ابن ماجه  ، عن بندار  ، عن  يزيد بن هارون  ، عن العوام بن حوشب   . 
 [ ص: 32 ] رواية عبد الرحمن بن قرط  ، أخي عبد الله بن قرط الثمالي   : 
قال  سعيد بن منصور   : حدثنا مسكين بن ميمون   - مؤذن مسجد الرملة   - حدثني عروة بن رويم  ، عن عبد الرحمن بن قرط  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به من المسجد الحرام  إلى المسجد الأقصى  كان بين زمزم  و المقام  ، جبريل  عن يمينه وميكائيل  عن يساره ، فطارا به حتى بلغ السموات العلى ، فلما رجع قال : " سمعت تسبيحا في السموات العلى مع تسبيح كثير ، سبحت السموات العلى من ذي المهابة مشفقات من ذي العلو بما علا - سبحان العلي الأعلى ، سبحانه وتعالى "  . 
ويذكر هذا الحديث عند قوله تعالى من هذه السورة : ( تسبح له السماوات السبع   ) الآية [ الإسراء : 44 ] . 
رواية  عمر بن الخطاب  ، رضي الله عنه : 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا أسود بن عامر  ، حدثنا حماد بن سلمة  ، عن أبي سنان  ، عن عبيد بن آدم  وأبي مريم  وأبي شعيب  ؛ أن  عمر بن الخطاب   - رضي الله عنه - كان بالجابية  ، فذكر فتح بيت المقدس  قال : قال أبو سلمة   : فحدثني أبو سنان  ، عن عبيد بن آدم  قال : سمعت  عمر بن الخطاب  يقول لكعب   : أين ترى أن أصلي ؟ قال : إن أخذت عني صليت خلف الصخرة ، فكانت القدس كلها بين يديك ، فقال عمر رضي الله عنه : ضاهيت اليهودية ، [ لا ] ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم إلى القبلة ، فصلى ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في ردائه ، وكنس الناس . 
فلم يعظم الصخرة تعظيما يصلي وراءها وهي بين يديه - كما أشار كعب الأحبار  وهو من قوم يعظمونها حتى جعلوها قبلتهم - ولكن من الله عليه بالإسلام ، فهدي إلى الحق ؛ ولهذا لما أشار بذلك قال له أمير المؤمنين : ضاهيت اليهودية ، ولا أهانها إهانة النصارى الذين كانوا قد جعلوها مزبلة من أجل أنها قبلة اليهود ، ولكن أماط الأذى ، وكنس عنها الكناس بردائه . وهذا شبيه بما جاء في صحيح مسلم  عن أبي مرثد الغنوي  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها "  . 
رواية  أبي هريرة  ، رضي الله عنه : 
وهي مطولة جدا وفيها غرابة . قال الإمام أبو جعفر بن جرير  في تفسير " سورة سبحان " : حدثنا علي بن سهل  ، حدثنا حجاج  ، حدثنا أبو جعفر الرازي  ، عن الربيع بن أنس  ، عن أبي العالية الرياحي  ، عن  أبي هريرة  أو غيره - شك أبو جعفر   - في قول الله عز وجل : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير   ) قال : جاء جبريل   [ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ميكائيل  ، فقال جبريل   ] لميكائيل   : ائتني بطست من ماء زمزم  ، كيما أطهر قلبه وأشرح له صدره . قال : فشق عنه بطنه ، فغسله ثلاث مرات . واختلف إليه  [ ص: 33 ] ميكائيل بثلاث طساس من ماء زمزم  ، فشرح صدره ونزع ما كان فيه من غل ، وملأه حلما وعلما ، وإيمانا ويقينا وإسلاما ، وختم بين كتفيه بخاتم النبوة . 
ثم أتاه بفرس فحمل عليه ، كل خطوة منه منتهى بصره - أو : أقصى بصره - قال : فسار وسار معه جبريل  عليهما السلام قال : فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم ، كلما حصدوا عاد كما كان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا جبريل  ، ما هذا ؟ " قال : هؤلاء المجاهدون في سبيل الله ، تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف ، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه ، وهو خير الرازقين . 
ثم أتى على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر ، كلما رضخت عادت كما كانت ، ولا يفتر عنهم من ذلك شيء ، فقال : " ما هؤلاء يا جبريل  ؟ " قال : هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة . ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع ، وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الإبل والنعم ، ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها ، قال : " ما هؤلاء يا جبريل  ؟ " قال : هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم ، وما ظلمهم الله شيئا وما الله بظلام للعبيد . 
ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر ولحم نيء في قدر خبيث ، فجعلوا يأكلون من النيء الخبيث ويدعون النضيج الطيب ، فقال : " ما هؤلاء يا جبريل  ؟ " فقال : هذا الرجل من أمتك ، تكون عنده المرأة الحلال الطيبة ، فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح ، [ والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا ، فتأتي رجلا خبيثا فتبيت معه حتى تصبح ] . 
قال : ثم أتى على خشبة على الطريق ، لا يمر بها ثوب إلا شقته ، ولا شيء إلا خرقته ، قال : " ما هذا يا جبريل  ؟ " قال : هذا مثل أقوام من أمتك ، يقعدون على الطريق يقطعونه ثم تلا ( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله   ) [ الأعراف : 86 ] . قال : ثم أتى على رجل قد جمع حزمة [ حطب ] عظيمة لا يستطيع حملها ، وهو يزيد عليها ، فقال : " ما هذا يا جبريل  ؟ " فقال هذا الرجل من أمتك يكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها . 
ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء ، قال : " ما هؤلاء يا جبريل  ؟ " قال : هؤلاء خطباء الفتنة . 
ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم ، فجعل الثور يريد أن يرجع من [ حيث ] خرج ، فلا يستطيع ، فقال : " ما هذا يا جبريل  ؟ " فقال : هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها . 
ثم أتى على واد فوجد ريحا طيبة باردة ، وريح مسك ، وسمع صوتا ، فقال : " يا جبريل  ، ما هذه الريح الطيبة الباردة ؟ وما هذا المسك ؟ وما هذا الصوت ؟ " قال : هذا صوت الجنة تقول : يا رب آتني ما وعدتني ، فقد كثرت غرفي ، وإستبرقي وحريري وسندسي ، وعبقريي ولؤلؤي ومرجاني ، وفضتي  [ ص: 34 ] وذهبي وأكوابي وصحافي ، وأباريقي ومراكبي ، وعسلي ومائي ، وخمري ولبني فآتني ما وعدتني . فقال : لك كل مسلم ومسلمة ، ومؤمن ومؤمنة ، ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحا ولم يشرك بي ، ولم يتخذ من دوني أندادا ؛ ومن خشيني فهو آمن ، ومن سألني أعطيته ، ومن أقرضني جزيته ، ومن توكل علي كفيته ، إني أنا الله لا إله إلا أنا ، لا أخلف الميعاد ، وقد أفلح المؤمنون ، وتبارك الله أحسن الخالقين ، قالت : قد رضيت . 
قال : " ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا ، ووجد ريحا منتنة ، فقال : ما هذه الريح يا جبريل  ؟ وما هذا الصوت ؟ " فقال : هذا صوت جهنم تقول : يا رب آتني ما وعدتني ، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي ، وسعيري وحميمي ، وضريعي ، وغساقي وعذابي ، وقد بعد قعري ، واشتد حري ، فآتني كل ما وعدتني ، فقال : لك كل مشرك ومشركة ، وكافر وكافرة ، وكل خبيث وخبيثة ، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب . قالت : قد رضيت . 
قال : ثم سار حتى أتى بيت المقدس  ، فنزل فربط فرسه إلى صخرة ، ثم دخل فصلى مع الملائكة ، فلما قضيت الصلاة قالوا : يا جبريل  ، من هذا معك ؟ قال : محمد  صلى الله عليه وسلم . قالوا : أو قد أرسل محمد  ؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة ، فنعم الأخ ونعم الخليفة ، ونعم المجيء جاء . 
قال : ثم لقي أرواح الأنبياء ، فأثنوا على ربهم ، فقال إبراهيم   : الحمد لله الذي اتخذني خليلا وأعطاني ملكا عظيما ، وجعلني أمة قانتا يؤتم بي ، وأنقذني من النار ، وجعلها علي بردا وسلاما . ثم إن موسى  ، عليه السلام ، أثنى على ربه - عز وجل - فقال : الحمد لله الذي كلمني تكليما ، وجعل هلاك آل فرعون  ونجاة بني إسرائيل على يدي ، وجعل من أمتي قوما يهدون بالحق وبه يعدلون . ثم إن داود عليه السلام أثنى على ربه [ عز وجل ] ، فقال : الحمد لله الذي جعل لي ملكا عظيما ، وعلمني الزبور ، وألان لي الحديد ، وسخر لي الجبال يسبحن والطير ، وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب . ثم إن سليمان  ، عليه السلام ، أثنى على ربه [ عز وجل ] فقال : الحمد لله الذي سخر لي الرياح ، وسخر لي الشياطين يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل ، وجفان كالجواب وقدور راسيات ، وعلمني منطق الطير ، وآتاني من كل شيء فضلا ، وسخر لي جنود الشياطين والإنس والطير ، وفضلني على كثير من عباده المؤمنين ، وآتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي ، وجعل ملكي ملكا طيبا ليس فيه حساب . ثم إن عيسى  عليه السلام أثنى على ربه - عز وجل - فقال : الحمد لله الذي جعلني كلمته وجعل مثلي مثل آدم  ، خلقه من تراب ثم قال له : " كن " فيكون ، وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ، وجعلني أخلق من الطين كهيئة الطير ، فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذنه ، ورفعني وطهرني ، وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم ، فلم يكن للشيطان علينا سبيل . قال : ثم إن محمدا  صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه - عز وجل - فقال : " فكلكم أثنى على ربه ، وإني مثن على ربي [ عز وجل ] فقال : الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين ، وكافة للناس بشيرا ونذيرا ، وأنزل علي الفرقان فيه بيان لكل شيء ، وجعل  [ ص: 35 ] أمتي خير أمة أخرجت للناس ، وجعل أمتي أمة وسطا ، وجعل أمتي هم الأولين وهم الآخرين ، وشرح لي صدري ، ووضع عني وزري ، ورفع لي ذكري ، وجعلني فاتحا وخاتما " فقال إبراهيم   [ عليه السلام ] : بهذا فضلكم محمد  صلى الله عليه وسلم . 
قال أبو جعفر الرازي   : خاتم النبوة ، فاتح بالشفاعة يوم القيامة . 
ثم أتي بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها ، فأتي بإناء منها فيه ماء فقيل : اشرب . فشرب منه يسيرا ، ثم دفع إليه إناء آخر فيه لبن ، فقيل له : اشرب ، فشرب منه حتى روي   . ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر فقيل له : اشرب فقال : " لا أريده قد رويت " . فقال له جبريل   [ عليه السلام ] : أما إنها ستحرم على أمتك ، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليل . 
قال : ثم صعد به إلى السماء فاستفتح ، فقيل : من هذا يا جبريل  ؟ فقال : محمد  ، فقالوا : أو قد أرسل ؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ، ونعم المجيء جاء . فدخل فإذا هو برجل تام الخلق لم ينقص من خلقه شيء كما ينقص من خلق الناس ، عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة ، وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة ، إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك واستبشر ، وإذا نظر إلى الباب الذي عن يساره بكى وحزن ، فقلت : " يا جبريل  من هذا الشيخ التام الخلق الذي لم ينقص من خلقه شيء ؟ وما هذان البابان ؟ " فقال : هذا أبوك آدم   [ عليه السلام ] ، وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة ، إذا نظر إلى من يدخل من ذريته ضحك واستبشر ، والباب الذي عن شماله باب جهنم ، إذا نظر إلى من يدخله من ذريته بكى وحزن . 
ثم صعد به جبريل  إلى السماء الثانية فاستفتح ، فقيل : من هذا معك ؟ فقال : محمد  رسول الله . قالوا : أو قد أرسل محمد  ؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة ، فلنعم الأخ ولنعم الخليفة ونعم المجيء جاء . قال : فدخل فإذا هو بشابين فقال : " يا جبريل  ، من هذان الشابان ؟ " قال : هذا عيسى ابن مريم  ، ويحيى بن زكريا  ، ابنا الخالة عليهما السلام . 
قال : فصعد به إلى السماء الثالثة فاستفتح ، فقالوا : من هذا ؟ قال : جبريل   . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد   . قالوا : أو قد أرسل ؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة ، فنعم الأخ ونعم الخليفة ، ونعم المجيء جاء . قال : فدخل فإذا هو برجل قد فضل على الناس في الحسن كما فضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، قال : " من هذا يا جبريل  الذي قد فضل على الناس في الحسن ؟ " قال : هذا أخوك يوسف  ، عليه السلام . 
قال : ثم صعد به إلى السماء الرابعة فاستفتح ، فقالوا من هذا ؟ قال : جبريل   . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد   . قالوا : أو قد أرسل ؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة ، فنعم الأخ ونعم الخليفة ، ونعم المجيء جاء . قال : فدخل ، فإذا هو برجل ، قال : " من هذا يا جبريل  ؟ " قال : هذا إدريس ، رفعه الله [ تعالى ] مكانا عليا .  [ ص: 36 ] 
ثم صعد به إلى السماء الخامسة فاستفتح ، فقالوا : من هذا ؟ قال : جبريل   . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد   . قالوا : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة ، فنعم الأخ ونعم الخليفة ، ونعم المجيء جاء . ثم دخل فإذا هو برجل جالس وحوله قوم يقص عليهم ، قال : " من هذا يا جبريل  ؟ ومن هؤلاء حوله ؟ " قال : هذا هارون  المحبب [ في قومه ] وهؤلاء بنو إسرائيل . 
ثم صعد به إلى السماء السادسة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل   . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد  ، قالوا : أو قد أرسل ؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة ، فنعم الأخ ونعم الخليفة ، ونعم المجيء . فإذا هو برجل جالس فجاوزه فبكى الرجل ، فقال : " يا جبريل  ، من هذا ؟ " قال : موسى  ، قال : " فما باله يبكي ؟ " قال : زعم بنو إسرائيل أني أكرم بني آدم  على الله عز وجل ، وهذا رجل من بني آدم قد خلفني في دنيا ، وأنا في أخرى ، فلو أنه بنفسه لم أبال ، ولكن مع كل نبي أمته . 
قال : ثم صعد به إلى السماء السابعة فاستفتح ، فقيل له : من هذا ؟ قال : جبريل   . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد   . قالوا : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة ، فنعم الأخ ونعم الخليفة ، ونعم المجيء جاء . قال : فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس عند باب الجنة على كرسي ، وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس ، وقوم في ألوانهم شيء ، فقام هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه ، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه ، فخرجوا وقد خلص [ من ] ألوانهم [ شيء ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه ، فخرجوا وقد خلصت ألوانهم ] فصارت مثل ألوان أصحابهم ، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم ، فقال : " يا جبريل  من هذا الأشمط ؟ ثم من هؤلاء البيض الوجوه ؟ ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء ؟ وما هذه الأنهار التي دخلوا فيها فجاءوا وقد صفت ألوانهم ؟ " قال : هذا أبوك إبراهيم   [ عليه السلام ] أول من شمط على الأرض . وأما هؤلاء البيض الوجوه فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم . وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء ، فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، فتابوا فتاب الله عليهم . وأما الأنهار فأولها رحمة الله ، والثاني نعمة الله ، والثالث سقاهم ربهم شرابا طهورا . 
قال : ثم انتهى إلى السدرة فقيل له : هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك   . فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى ، وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها . والورقة منها مغطية للأمة كلها . قال : فغشيها نور الخلاق - عز وجل - وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجرة قال : فكلمه الله عند ذلك  [ ص: 37 ] قال له : سل ، قال : " إنك اتخذت إبراهيم  خليلا وأعطيته ملكا عظيما ، وكلمت موسى تكليما ، وأعطيت داود ملكا عظيما ، وألنت له الحديد ، وسخرت له [ الجبال ، وأعطيت سليمان  ملكا عظيما ، وسخرت له الجن والإنس والشياطين ، وسخرت له ] الرياح ، وأعطيت له ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعده ، وعلمت عيسى  التوراة والإنجيل ، وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذنك ، وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم ، فلم يكن للشيطان عليهما سبيل " . فقال له ربه عز وجل : وقد اتخذتك خليلا - وهو مكتوب في التوراة : " حبيب الرحمن " - وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا ، وشرحت لك صدرك ، ووضعت عنك وزرك ، ورفعت لك ذكرك ، فلا أذكر إلا ذكرت معي ، وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس ، وجعلت أمتك أمة وسطا ، وجعلت أمتك هم الأولين والآخرين ، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي ، وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم ، وجعلتك أول النبيين خلقا ، وآخرهم بعثا ، وأولهم يقضى له ، وأعطيتك سبعا من المثاني لم يعطها نبي قبلك ، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم أعطها نبيا قبلك ، وأعطيتك الكوثر ، وأعطيتك ثمانية أسهم : الإسلام ، والهجرة ، والجهاد ، والصدقة ، والصلاة ، وصوم رمضان ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجعلتك فاتحا وخاتما . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فضلني ربي بست : أعطاني فواتح الكلام وخواتيمه ، وجوامع الحديث ، وأرسلني إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا ، وقذف في قلوب عدوي الرعب من مسيرة شهر ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وجعلت لي الأرض كلها طهورا ومسجدا " . 
قال : وفرض عليه خمسين صلاة . فلما رجع إلى موسى  قال : بم أمرت يا محمد  ؟ قال : " بخمسين صلاة " قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك أضعف الأمم ، فقد لقيت من بني إسرائيل شدة ، قال : فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه - عز وجل - فسأله التخفيف ، فوضع عنه عشرا . ثم رجع إلى موسى  فقال : بكم أمرت ؟ قال : " بأربعين " قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك أضعف الأمم ، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة ، قال : فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه [ عز وجل ] فسأله التخفيف ، فوضع عنه عشرا ، فرجع إلى موسى  فقال : بكم أمرت ؟ قال : " أمرت بثلاثين " ، فقال له موسى   : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك أضعف الأمم ، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة ، قال : فرجع إلى ربه [ عز وجل ] فسأله التخفيف ، فوضع عنه عشرا ، فرجع إلى موسى فقال بكم أمرت ؟ قال : " أمرت بعشرين " . قال : ارجع إلى ربك [ عز وجل ] فاسأله التخفيف ، فإن أمتك أضعف الأمم ، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة ، قال : فرجع إلى ربه [ عز وجل ] فسأله التخفيف ، فوضع عنه عشرا . فرجع إلى موسى  فقال : بكم أمرت ؟ قال : " أمرت بعشر " ، قال : ارجع إلى ربك [ عز وجل ] فاسأله التخفيف ، فإن أمتك أضعف الأمم وقد لقيت من بني إسرائيل شدة ، قال : فرجع على حياء إلى ربه [ عز وجل ] فسأله التخفيف فوضع عنه خمسا . فرجع إلى موسى  ، عليه السلام ، فقال بكم أمرت ؟ قال : " بخمس " فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن  [ ص: 38 ] أمتك أضعف الأمم وقد لقيت من بني إسرائيل شدة ، قال : " قد رجعت إلى ربي حتى استحييت ، فما أنا براجع إليه " ، قيل : أما إنك كما صبرت نفسك على خمس صلوات ، فإنهن يجزين عنك خمسين صلاة ، فإن كل حسنة بعشر أمثالها . قال : فرضي محمد  صلى الله عليه وسلم كل الرضا ، قال : وكان موسى  ، عليه السلام ، من أشدهم عليه حين مر به وخيرهم له حين رجع إليه . 
ثم رواه ابن جرير  ، عن محمد بن عبيد الله  ، عن  أبي النضر هاشم بن القاسم  ، عن أبى جعفر الرازي  ، عن الربيع بن أنس  ، عن أبي العالية  أو غيره - شك أبو جعفر   - عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بمعناه . 
وقد رواه الحافظ  أبو بكر البيهقي  ، عن أبي سعيد الماليني  ، عن  ابن عدي  ، عن محمد بن الحسن السكوني البالسي  بالرملة  ، حدثنا علي بن سهل  ، فذكر مثل ما رواه ابن جرير  عنه ، وذكر  البيهقي  أن  الحاكم أبا عبد الله  رواه عن إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني  ، عن جده ، عن  إبراهيم بن حمزة الزبيري  ، عن حاتم بن إسماعيل  ، حدثني عيسى بن ماهان   - يعني أبا جعفر الرازي   - عن الربيع بن أنس  ، عن أبي العالية  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . 
وقال : ابن أبي حاتم   : ذكر أبو زرعة  ، حدثنا  محمد بن عبد الله بن نمير  ، حدثنا  يونس بن بكير  ، حدثنا عيسى بن عبد الله التميمي   - يعني : أبا جعفر الرازي   - عن الربيع بن أنس البكري  ، عن أبي العالية  أو غيره - شك عيسى   - ، عن  أبي هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى   ) " فذكر الحديث بطوله كنحو مما سقناه . 
قلت :  " أبو جعفر الرازي "  قال فيه الحافظ أبو زرعة   : " الرازي  يهم في الحديث كثيرا " وقد ضعفه غيره أيضا ، ووثقه بعضهم ، والأظهر أنه سيئ الحفظ ففيما تفرد به نظر . وهذا الحديث في بعض ألفاظه غرابة ونكارة شديدة ، وفيه شيء من حديث المنام من رواية سمرة بن جندب  في المنام الطويل عند  البخاري  ، ويشبه أن يكون مجموعا من أحاديث شتى ، أو منام أو قصة أخرى غير الإسراء ، والله أعلم . 
وقد روى  البخاري  ومسلم  في الصحيحين من حديث عبد الرزاق   : أنبأنا معمر  ، عن الزهري  ، أخبرني  سعيد بن المسيب  ، عن  أبي هريرة  قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم حين أسري به : " لقيت موسى   " قال : فنعته فإذا رجل - حسبته قال : - مضطرب ، رجل الرأس ، كأنه من رجال شنوءة   . قال : " ولقيت عيسى   " - فنعته النبي صلى الله عليه وسلم - ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس  - يعني حمام . قال :  " ورأيت إبراهيم  ، وأنا أشبه ولده به "  . قال :  " وأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر ، قيل لي : خذ أيهما شئت ، فأخذت اللبن ، فشربت ، فقيل لي : هديت الفطرة - أو : أصبت الفطرة - أما إنك لو  [ ص: 39 ] أخذت الخمر غوت أمتك " وأخرجاه من وجه آخر . عن الزهري   - به نحوه . 
وفي صحيح مسلم  ، عن محمد بن رافع  ، عن حجين بن المثنى  ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة  ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي  ، عن أبي سلمة  عن  أبي هريرة   - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألوني عن أشياء من بيت المقدس  لم أثبتها ، فكربت كربا ما كربت مثله قط ، فرفعه الله لي أنظر إليه ما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به ، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء ، وإذا موسى  قائم يصلي ، وإذا هو رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة  ، وإذا عيسى ابن مريم  قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي  ، وإذا إبراهيم  قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم ، فلما فرغت قال قائل : يا محمد  ، هذا مالك  صاحب النار ، [ فسلم عليه ] فالتفت إليه فبدأني بالسلام "  . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا حجاج بن منهال  ، حدثنا حماد بن سلمة  ، عن علي بن زيد  ، عن أبي الصلت  ، عن  أبي هريرة   - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " رأيت ليلة أسري بي لما انتهينا إلى السماء السابعة ، فنظرت فوق فإذا رعد وبرق وصواعق " . قال : " وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل  ؟ قال : هؤلاء أكلة الربا ، فلما نزلت إلى السماء الدنيا نظرت أسفل مني فإذا أنا برهج ودخان وأصوات ، فقلت : ما هذا يا جبريل  ؟ قال : هذه الشياطين يحرفون على أعين بني آدم  ألا يتفكرون في ملكوت السموات والأرض ، ولولا ذلك لرأوا العجائب "  . 
ورواه  الإمام أحمد  عن حسن  وعفان  ، كلاهما عن حماد بن سلمة  ، به . ورواه ابن ماجه  من حديث حماد  ، به . 
رواية جماعة من الصحابة [ رضي الله عنهم ] ممن تقدم وغيرهم : 
قال الحافظ  البيهقي   : أخبرنا أبو عبد الله   - يعني  الحاكم   - أخبرنا عبدان بن يزيد بن يعقوب الدقاق  بهمذان ،  حدثنا إبراهيم بن الحسين الهمداني  ، حدثنا أبو محمد هو إسماعيل بن موسى الفزاري  ، حدثنا عمر بن سعد النصري  من بني نصر بن قعين ، حدثني عبد العزيز  ،  وليث بن أبي سليم  وسليمان الأعمش  ،  وعطاء بن السائب   - بعضهم يزيد في الحديث على بعض - عن  علي بن أبي طالب   وعبد الله بن عباس   - و محمد بن إسحاق بن يسار  ، عمن حدثه عن ابن عباس   -  [ ص: 40 ] وعن سليم بن مسلم العقيلي  ، عن عامر الشعبي  ، عن  عبد الله بن مسعود   - و جويبر  ، عن الضحاك بن مزاحم  قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أم هانئ  راقدا ، وقد صلى العشاء الآخرة . قال  أبو عبد الله الحاكم   : قال لنا هذا الشيخ . . . وذكر الحديث ، فكتب المتن من نسخة مسموعة منه ، فذكر حديثا طويلا يذكر فيه عدد الدرج والملائكة وغير ذلك مما لا ينكر شيء منها في قدرة الله إن صحت الرواية . 
قال  البيهقي   : فيما ذكرنا قبل في حديث أبي هارون العبدي  في إثبات الإسراء والمعراج كفاية ، وبالله التوفيق . 
قلت : وقد أرسل هذا الحديث غير واحد من التابعين وأئمة المفسرين ، رحمة الله عليهم أجمعين . 
رواية عائشة  أم المؤمنين ، رضي الله عنها : 
قال [ الإمام ]  البيهقي   : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ  ، أخبرني  مكرم بن أحمد القاضي  ، حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي  ، حدثنا محمد بن كثير الصنعاني  ، حدثنا  معمر بن راشد  ، عن الزهري  ، عن عروة  ، عن عائشة  ، رضي الله عنها ، قالت : لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى  ، أصبح يحدث الناس بذلك ، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه ، وسعوا بذلك إلى أبي بكر  ، فقالوا : هل لك في صاحبك ؟ يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس   ! فقال : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم . قال : لئن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا : تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس  ، وجاء قبل أن يصبح ؟ قال : نعم ، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة . فلذلك سمي أبو بكر : الصديق  ، رضي الله عنه  . 
رواية  أم هانئ بنت أبي طالب  ، رضي الله عنها : 
قال محمد بن إسحاق   : حدثني محمد بن السائب الكلبي  ، عن أبي صالح باذان  ، عن  أم هانئ بنت أبي طالب   [ رضي الله عنها ] في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول : ما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي ، نائم عندي تلك الليلة ، فصلى العشاء الآخرة ثم نام ونمنا ، فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى الصبح وصلينا معه قال : " يا أم هانئ ، لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ، ثم جئت بيت المقدس  فصليت فيه ، ثم صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين "  . 
الكلبي  متروك بمرة ساقط ، لكن رواه أبو يعلى  في مسنده عن محمد بن إسماعيل الأنصاري  ، عن ضمرة بن ربيعة  ، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني  ، عن أبي صالح  ، عن أم هانئ  بأبسط من هذا  [ ص: 41 ] السياق ، فليكتب هاهنا . 
وروى  الحافظ أبو القاسم الطبراني  من حديث عبد الأعلى بن أبي المساور  ، عن عكرمة  ، عن أم هانئ  قالت : بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به في بيتي ، ففقدته من الليل ، فامتنع مني النوم مخافة أن يكون عرض له بعض قريش ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن جبريل  ، عليه السلام ، أتاني فأخذ بيدي فأخرجني ، فإذا على الباب دابة دون البغل وفوق الحمار ، فحملني عليها ، ثم انطلق حتى انتهى بي إلى بيت المقدس  ، فأراني إبراهيم  يشبه خلقه خلقي ، ويشبه خلقي خلقه ، وأراني موسى  آدم طويلا سبط الشعر ، شبهته برجال أزد شنوءة  ، وأراني عيسى بن مريم  ربعة أبيض يضرب إلى الحمرة ، شبهته بعروة بن مسعود الثقفي  ، وأراني الدجال ممسوح العين اليمنى ، شبهته بقطن بن عبد العزى   "  [ ص: 42 ] قال : " وأنا أريد أن أخرج إلى قريش فأخبرهم بما رأيت " . فأخذت بثوبه فقلت : إني أذكرك الله ، إنك تأتي قوما يكذبونك وينكرون مقالتك ، فأخاف أن يسطوا بك . قالت : فضرب ثوبه من يدي ، ثم خرج إليهم فأتاهم وهم جلوس ، فأخبرهم ما أخبرني ، فقام جبير بن مطعم  فقال : يا محمد  لو كنت شابا كما كنت ، ما تكلمت بما تكلمت به وأنت بين ظهرانينا . فقال رجل من القوم : يا محمد  ، هل مررت بإبل لنا في مكان كذا وكذا ؟ قال : " نعم ، والله قد وجدتهم أضلوا بعيرا لهم فهم في طلبه " . 
قال : فهل مررت بإبل لبني فلان ؟ قال : " نعم ، وجدتهم في مكان كذا وكذا ، وقد انكسرت لهم ناقة حمراء ، وعندهم قصعة من ماء ، فشربت ما فيها " . قالوا : فأخبرنا عدتها وما فيها من الرعاة [ قال : " قد كنت عن عدتها مشغولا " . فنام فأوتي بالإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاة ] ثم أتى قريشا فقال لهم : " سألتموني عن إبل بني فلان ، فهي كذا وكذا ، وفيها من الرعاة فلان وفلان ، وسألتموني عن إبل بني فلان ، فهي كذا وكذا ، وفيها من الرعاة ابن أبي قحافة  وفلان وفلان ، وهي مصبحتكم من الغداة على الثنية " . قال : فقعدوا على الثنية ينظرون أصدقهم ما قال ؟ فاستقبلوا الإبل فسألوهم : هل ضل لكم بعير ؟ قالوا : نعم . فسألوا الآخر : هل انكسرت لكم ناقة حمراء ؟ قالوا : نعم . قالوا : فهل كان عندكم قصعة ؟ قال : أبو بكر   : أنا والله وضعتها فما شربها أحد ، ولا أهراقوه في الأرض . فصدقه أبو بكر   [ رضي الله عنه ] وآمن به ، فسمي يومئذ الصديق   . 
فصل 
وإذا حصل الوقوف على مجموع هذه الأحاديث صحيحها وحسنها وضعيفها ، يحصل مضمون ما اتفقت عليه من مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس  ، وأنه مرة واحدة ، وإن اختلفت عبارات الرواة في أدائه ، أو زاد بعضهم فيه أو نقص منه ، فإن الخطأ جائز على من عدا الأنبياء ، عليهم السلام . ومن جعل من الناس كل رواية خالفت الأخرى مرة على حدة ، فأثبت إسراءات متعددة فقد أبعد وأغرب ، وهرب إلى غير مهرب ولم يحصل على مطلب . 
وقد صرح بعضهم من المتأخرين بأنه ، عليه السلام أسري به مرة من مكة  إلى بيت المقدس  فقط ، ومرة من مكة  إلى السماء فقط ، ومرة إلى بيت المقدس  ومنه إلى السماء . وفرح بهذا المسلك ، وأنه قد ظفر بشيء يخلص به من الإشكالات . وهذا بعيد جدا ، ولم ينقل هذا عن أحد من السلف ، ولو تعدد هذا التعدد لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم به أمته ، ولنقلته الناس على التعدد والتكرر . 
قال  موسى بن عقبة  ، عن الزهري   : كان الإسراء قبل الهجرة بسنة . وكذا قال عروة   . وقال  السدي   : بستة عشر شهرا . 
والحق أنه ، عليه السلام أسري به يقظة لا مناما من مكة  إلى بيت المقدس  ، راكبا البراق ،  [ ص: 43 ] فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ، ودخله فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين . ثم أتى المعراج - وهو كالسلم ذو درج يرقى فيها - فصعد فيه إلى السماء الدنيا ، ثم إلى بقية السماوات السبع ، فتلقاه من كل سماء مقربوها ، وسلم عليه الأنبياء [ عليهم السلام ] الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم ، حتى مر بموسى  الكليم في السادسة ، وإبراهيم  الخليل في السابعة ، ثم جاوز منزلتهما صلى الله عليه وسلم وعليهما وعلى سائر الأنبياء ، حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام ، أي : أقلام القدر بما هو كائن ، ورأى سدرة المنتهى وغشيها من أمر الله - تعالى - عظمة عظيمة ، من فراش من ذهب ، وألوان متعددة ، وغشيتها الملائكة ، ورأى هنالك جبريل  على صورته ، وله ستمائة جناح ، ورأى رفرفا أخضر قد سد الأفق ، ورأى البيت المعمور وإبراهيم  الخليل باني الكعبة  الأرضية مسندا ظهره إليه ؛ لأنه الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يتعبدون فيه ، ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة . ورأى الجنة والنار ، وفرض الله [ عز وجل ] عليه هنالك الصلوات خمسين ، ثم خففها إلى خمس ؛ رحمة منه ولطفا بعباده . وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها . ثم هبط إلى بيت المقدس  ، وهبط معه الأنبياء فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة ، ويحتمل أنها الصبح من يومئذ . ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء . والذي تظاهرت به الروايات أنه بيت المقدس  ، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه . والظاهر أنه بعد رجوعه إليه ؛ لأنه لما مر بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل  واحدا واحدا وهو يخبره بهم ، وهذا هو اللائق ؛ لأنه كان أولا مطلوبا إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله - تعالى - ثم لما فرغ من الذي أريد به ، اجتمع هو وإخوانه من النبيين [ صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ] ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة ، وذلك عن إشارة جبريل  عليه السلام له في ذلك . ثم خرج من بيت المقدس  فركب البراق وعاد إلى مكة  بغلس ، والله سبحانه وتعالى أعلم . 
وأما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل ، أو اللبن والخمر ، أو اللبن والماء ، أو الجميع - فقد ورد أنه في بيت المقدس  ، وجاء أنه في السماء . ويحتمل أن يكون هاهنا وهاهنا ؛ لأنه كالضيافة للقادم ، والله أعلم . 
ثم اختلف الناس : هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه ؟ أو بروحه فقط ؟  على قولين ، فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناما ، ولا ينكر أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك مناما ، ثم رآه بعده يقظة ؛ لأنه عليه السلام كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ؛ والدليل على هذا قوله [ عز وجل ] ( سبحان الذي أسرى بعبده   ) فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام ، ولو كان مناما لم يكن فيه كبير شيء ولم يكن مستعظما ، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه ، ولما ارتد جماعة ممن كان قد أسلم . وأيضا فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ،  [ ص: 44 ] وقد قال [ عز شأنه ] ( أسرى بعبده ليلا   ) وقد قال تعالى : ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس   ) [ الإسراء : 60 ] قال ابن عباس   [ رضي الله عنهما ] هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ليلة أسري به ، والشجرة الملعونة : شجرة الزقوم ] رواه  البخاري   . وقال تعالى : ( ما زاغ البصر وما طغى   ) [ النجم : 17 ] ، والبصر من آلات الذات لا الروح . وأيضا فإنه حمل على البراق ، وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان ، وإنما يكون هذا للبدن لا للروح ؛ لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه ، والله أعلم . 
وقال آخرون : بل أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بروحه لا بجسده . قال محمد بن إسحاق بن يسار  في السيرة : حدثني  يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس  ؛ أن  معاوية بن أبي سفيان   [ رضي الله عنهما ] كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كانت رؤيا من الله صادقة . 
وحدثني بعض آل أبي بكر  أن عائشة  كانت تقول : ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أسري بروحه . 
قال ابن إسحاق   : فلم ينكر ذلك من قولها ، لقول الحسن   : إن هذه الآية نزلت ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس   ) ولقول الله في الخبر عن إبراهيم   : ( إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى   ) [ الصافات : 102 ] ، ثم مضى على ذلك . فعرفت أن الوحي يأتي للأنبياء من الله أيقاظا ونياما . 
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  " تنام عيناي ، وقلبي يقظان " فالله أعلم أي ذلك كان قد جاءه ، وعاين فيه من الله ما عاين ، على أي حالاته كان نائما أو يقظان ، كل ذلك حق وصدق . انتهى كلام ابن إسحاق   . 
وقد تعقبه أبو جعفر بن جرير  في تفسيره بالرد والإنكار والتشنيع ، بأن هذا خلاف ظاهر سياق القرآن ، وذكر من الأدلة على رده بعض ما تقدم والله أعلم . 
فائدة حسنة جليلة : 
روى  الحافظ أبو نعيم الأصبهاني  في كتاب " دلائل النبوة " من طريق  محمد بن عمر الواقدي   : حدثني مالك بن أبي الرجال  ، عن عمرو بن عبد الله  ، عن  محمد بن كعب القرظي  ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  دحية بن خليفة  إلى قيصر - فذكر وروده عليه وقدومه إليه . وفي السياق دلالة عظيمة على وفور عقل هرقل   - ثم استدعى من بالشام من التجار ، فجيء  بأبي سفيان صخر بن حرب   [ ص: 45 ] وأصحابه ، فسألهم عن تلك المسائل المشهورة التي رواها  البخاري  ومسلم  ، كما سيأتي بيانه ، وجعل أبو سفيان  يجهد أن يحقر أمره ويصغره عنده . قال في هذا السياق عن أبي سفيان   : والله ما يمنعني أن أقول عليه قولا أسقطه من عينه إلا أني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها علي ، ولا يصدقني بشيء . قال : حتى ذكرت قوله ليلة أسري به قال : فقلت : أيها الملك ، ألا أخبرك خبرا تعرف أنه قد كذب ؟ قال : وما هو ؟ قال : قلت : إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا - أرض الحرم - في ليلة فجاء مسجدكم هذا - مسجد إيلياء - ، ورجع إلينا تلك الليلة قبل الصباح . قال : وبطريق إيلياء عند رأس قيصر ، فقال بطريق إيلياء : قد علمت تلك الليلة ، قال : فنظر قيصر ، وقال : وما علمك بهذا ؟ قال : إني كنت لا أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد ، فلما كان تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني ، فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني كلهم فعالجته فغلبني ، فلم نستطع أن نحركه ، كأنما نزاول به جبلا فدعوت إليه النجاجرة ، فنظروا إليه فقالوا : إن هذا الباب سقط عليه النجاف والبنيان ولا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتى . قال : فرجعت وتركت البابين مفتوحين . فلما أصبحت غدوت عليهما فإذا الحجر الذي في زاوية الباب مثقوب ، وإذا فيه أثر مربط الدابة قال : فقلت لأصحابي : ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي ، وقد صلى الليلة في مسجدنا . وذكر تمام الحديث . 
فائدة : 
قال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية  في كتابه " التنوير في مولد السراج المنير " وقد ذكر حديث الإسراء من طريق أنس  ، وتكلم عليه فأجاد وأفاد - ثم قال : وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن  عمر بن الخطاب  ،  وعلي بن أبي طالب   وابن مسعود  ، وأبي ذر  ، ومالك بن صعصعة  ،  وأبي هريرة  ، وأبي سعيد  ،  وابن عباس  ،  وشداد بن أوس  ،  وأبي بن كعب  ، وعبد الرحمن بن قرط  ، وأبي حبة  وأبي ليلى  الأنصاريين ،  وعبد الله بن عمرو  ، وجابر  ، وحذيفة  ، وبريدة  ، وأبي أيوب  ، وأبي أمامة  ،  وسمرة بن جندب  ، وأبي الحمراء  ،  وصهيب الرومي  ،  وأم هانئ  ،  وعائشة  وأسماء ابنتي  أبي بكر الصديق  ، رضي الله عنهم أجمعين . منهم من ساقه بطوله ، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد ، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة ، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون ، واعترض فيه الزنادقة الملحدون ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون   ) [ الصف : 8 ] . 
				
						
						
