القول في تأويل قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=28975_29468_30491_29680ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ( 70 ) ( 69 ) )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول " بالتسليم لأمرهما ، وإخلاص الرضى بحكمهما ، والانتهاء إلى أمرهما ، والانزجار عما نهيا عنه من معصية الله ، فهو مع الذين أنعم الله عليهم بهدايته والتوفيق لطاعته في الدنيا من أنبيائه ، وفي الآخرة إذا دخل الجنة " والصديقين " وهم جمع " صديق " .
واختلف في معنى : " الصديقين " .
فقال بعضهم : الصديقون تباع الأنبياء الذين صدقوهم واتبعوا منهاجهم بعدهم حتى لحقوا بهم . فكأن " الصديق " " فعيل " على مذهب قائلي هذه المقالة من " الصدق " كما يقال : رجل سكير من السكر ، إذا كان مدمنا على ذلك ، وشريب ، وخمير .
[ ص: 531 ]
وقال آخرون : بل هو " فعيل " من " الصدقة " ، وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو تأويل من قال ذلك ، وهو ما : -
9923 - حدثنا به
سفيان بن وكيع قال : حدثنا
خالد بن مخلد ، عن
موسى بن يعقوب قال : أخبرتني عمتي
قريبة بنت عبد الله بن وهب بن زمعة ، عن أمها
كريمة ابنة المقداد ، عن
ضباعة بنت الزبير ، وكانت تحت
المقداد ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501894عن المقداد قال : قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - شيء سمعته منك شككت فيه ، قال : إذا شك أحدكم في الأمر فليسألني عنه ، قال قلت : قولك في أزواجك : " إني لأرجو لهن من بعدي الصديقين " قال : من تعدون الصديقين ؟ قلت : أولادنا الذين يهلكون صغارا . قال : لا ولكن الصديقين هم المصدقون .
وهذا خبر لو كان إسناده صحيحا لم نستجز أن نعدوه إلى غيره ، ولو كان في إسناده بعض ما فيه .
[ ص: 532 ]
فإذ كان ذلك كذلك فالذي هو أولى ب " الصديق " أن يكون معناه : المصدق قوله بفعله . إذ كان " الفعيل " في كلام العرب إنما يأتي إذا كان مأخوذا من الفعل ، بمعنى المبالغة ، إما في المدح ، وإما في الذم ، ومنه قوله - جل ثناؤه - في صفة
مريم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=75وأمه صديقة ) [ سورة المائدة : 75 ] .
وإذا كان معنى ذلك ما وصفنا كان داخلا من كان موصوفا بما قلنا في صفة المتصدقين والمصدقين .
" والشهداء " ، وهم جمع " شهيد " ، وهو المقتول في سبيل الله ، سمي بذلك لقيامه بشهادة الحق في جنب الله حتى قتل .
" والصالحين " ، وهم جمع " صالح " ، وهو كل من صلحت سريرته وعلانيته .
وأما قوله - جل ثناؤه - : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وحسن أولئك رفيقا " فإنه يعني : وحسن هؤلاء الذين نعتهم ووصفهم رفقاء في الجنة .
" والرفيق " في لفظ واحد بمعنى الجميع ، كما قال الشاعر :
[ ص: 533 ] دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا بأسهم أعداء وهن صديق
بمعنى : وهن صدائق .
وأما نصب الرفيق فإن أهل العربية مختلفون فيه .
فكان بعض نحويي
البصرة يرى أنه منصوب على الحال ، ويقول : هو كقول الرجل : كرم زيد رجلا ، ويعدل به عن معنى : نعم الرجل ، ويقول : إن " نعم " لا تقع إلا على اسم فيه ألف ولام ، أو على نكرة .
وكان بعض نحويي
الكوفة يرى أنه منصوب على التفسير ، وينكر أن يكون حالا ويستشهد على ذلك بأن العرب تقول : كرم زيد من رجل وحسن أولئك من رفقاء ، ، وأن دخول " من " دلالة على أن " الرفيق " مفسره . قال : وقد حكي عن العرب : نعمتم رجالا ، فدل على أن ذلك نظير قوله : وحسنتم رفقاء .
قال
أبو جعفر : وهذا القول أولى بالصواب للعلة التي ذكرنا لقائليه .
[ ص: 534 ]
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت لأن قوما حزنوا على فقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذرا أن لا يروه في الآخرة .
ذكر الرواية بذلك :
9924 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
يعقوب القمي ، عن
جعفر بن أبي المغيرة ، عن
سعيد بن جبير قال :
جاء رجل من الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو محزون ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا فلان ، مالي أراك محزونا ؟ قال : يا نبي الله ، شيء فكرت فيه ، فقال : ما هو ؟ قال : نحن نغدو عليك ونروح ، ننظر في وجهك ونجالسك ، غدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك ، فلم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا . فأتاه جبريل - عليه السلام - بهذه الآية : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا " . قال : فبعث إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فبشره .
9925 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
أبي الضحى ، عن
مسروق قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812077قال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا ، فإنك لو قد مت رفعت فوقنا فلم نرك ، فأنزل الله : " ومن يطع الله والرسول " الآية .
9926 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ،
عن قتادة قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين : ذكر لنا أن رجالا قالوا : هذا نبي الله نراه في الدنيا ، فأما في الآخرة فيرفع فلا نراه ، فأنزل الله : " ومن يطع الله والرسول " إلى قوله : " رفيقا " .
9927 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن مفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم " الآية ، قال :
قال ناس من الأنصار : يا رسول الله إذا أدخلك الله الجنة فكنت [ ص: 535 ] في أعلاها ، ونحن نشتاق إليك ، فكيف نصنع ؟ فأنزل الله : " nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول " .
9928 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول " الآية ، قال : إن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : قد علمنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - له فضله على من آمن به في درجات الجنة ممن اتبعه وصدقه ، فكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا ؟ فأنزل الله في ذلك . يقال : إن الأعلين ينحدرون إلى من هم أسفل منهم فيجتمعون في رياضها ، فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه ، وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به ، فهم في روضه يحبرون ويتنعمون فيه .
وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=70ذلك الفضل من الله ، فإنه يقول : كون من أطاع الله والرسول مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين " الفضل من الله " يقول : ذلك عطاء الله إياهم وفضله عليهم ، لا باستيجابهم ذلك لسابقة سبقت لهم .
فإن قال قائل : أوليس بالطاعة وصلوا إلى ما وصلوا إليه من فضله ؟
قيل له : إنهم لم يطيعوه في الدنيا إلا بفضله الذي تفضل به عليهم ، فهداهم به لطاعته ، فكل ذلك فضل منه - تعالى ذكره - .
وقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=70وكفى بالله عليما " يقول : وحسب العباد بالله الذي خلقهم " عليما "
[ ص: 536 ] بطاعة المطيع منهم ومعصية العاصي ، فإنه لا يخفى عليه شيء من ذلك ، ولكنه يحصيه عليهم ويحفظه ، حتى يجازي جميعهم جزاء المحسنين منهم بالإحسان ، والمسيئين منهم بالإساءة ، ويعفو عمن شاء من أهل التوحيد .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=28975_29468_30491_29680وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ( 70 ) ( 69 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي بِذَلِكَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ " بِالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِمَا ، وَإِخْلَاصِ الرِّضَى بِحُكْمِهِمَا ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِمَا ، وَالِانْزِجَارِ عَمَّا نَهَيَا عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، فَهُوَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهِدَايَتِهِ وَالتَّوْفِيقِ لِطَاعَتِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَنْبِيَائِهِ ، وَفِي الْآخِرَةِ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ " وَالصِّدِّيقِينَ " وَهُمْ جَمْعُ " صِدِّيقٍ " .
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى : " الصِّدِّيقِينَ " .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : الصِّدِّيقُونَ تُبَّاعُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ صَدَّقُوهُمْ وَاتَّبَعُوا مِنْهَاجَهُمْ بَعْدَهُمْ حَتَّى لَحِقُوا بِهِمْ . فَكَأَنَّ " الصِّدِّيقُ " " فِعِّيلٌ " عَلَى مَذْهَبِ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ " الصِّدْقِ " كَمَا يُقَالُ : رَجُلٌ سِكِّيرٌ مِنَ السُّكْرِ ، إِذَا كَانَ مُدْمِنًا عَلَى ذَلِكَ ، وَشِرِّيبٌ ، وَخِمِّيرٌ .
[ ص: 531 ]
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ " فِعِّيلٌ " مِنَ " الصَّدَقَةِ " ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوِ تَأْوِيلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَا : -
9923 - حَدَّثَنَا بِهِ
سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنْ
مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ : أَخْبَرَتْنِي عَمَّتِي
قُرَيْبَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ ، عَنْ أُمِّهَا
كَرِيمَةَ ابْنَةِ الْمِقْدَادِ ، عَنْ
ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ ، وَكَانَتْ تَحْتَ
الْمِقْدَادِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501894عَنِ الْمِقْدَادِ قَالَ : قَلْتُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْكَ شَكَكْتُ فِيهِ ، قَالَ : إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي الْأَمْرِ فَلْيَسْأَلْنِي عَنْهُ ، قَالَ قُلْتُ : قَوْلُكَ فِي أَزْوَاجِكَ : " إِنِّي لَأَرْجُو لَهُنَّ مِنْ بَعْدِي الصِّدِّيقِينَ " قَالَ : مَنْ تَعُدُّونَ الصِّدِّيقِينَ ؟ قُلْتُ : أَوْلَادُنَا الَّذِينَ يَهْلَكُونَ صِغَارًا . قَالَ : لَا وَلَكِنَّ الصِّدِّيقِينَ هُمُ الْمُصَّدِّقُونَ .
وَهَذَا خَبَرٌ لَوْ كَانَ إِسْنَادُهُ صَحِيحًا لَمْ نَسْتَجِزْ أَنْ نَعْدُوَهُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَلَوْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ بَعْضُ مَا فِيهِ .
[ ص: 532 ]
فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِ " الصِّدِّيقِ " أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : الْمُصَدِّقُ قَوْلَهُ بِفِعْلِهِ . إِذْ كَانَ " الْفِعِّيلُ " فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِنَّمَا يَأْتِي إِذَا كَانَ مَأْخُوذًا مِنَ الْفِعْلِ ، بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ ، إِمَّا فِي الْمَدْحِ ، وَإِمَّا فِي الذَّمِّ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - فِي صِفَةِ
مَرْيَمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=75وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ) [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 75 ] .
وَإِذَا كَانَ مَعْنًى ذَلِكَ مَا وَصَفْنَا كَانَ دَاخِلًا مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِمَا قُلْنَا فِي صِفَةِ الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقِينَ .
" وَالشُّهَدَاءِ " ، وَهُمْ جَمْعُ " شَهِيدٍ " ، وَهُوَ الْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقِيَامِهِ بِشَهَادَةِ الْحَقِّ فِي جَنْبِ اللَّهِ حَتَّى قُتِلَ .
" وَالصَّالِحِينَ " ، وَهُمْ جَمْعُ " صَالِحٍ " ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ صَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ وَعَلَانِيَتُهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَحَسُنَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَعَتَهُمْ وَوَصَفَهُمْ رُفَقَاءَ فِي الْجَنَّةِ .
" وَالرَّفِيقُ " فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
[ ص: 533 ] دَعَوْنَ الْهَوَى ثُمَّ ارْتَمَيْنَ قُلُوَبنَا بِأَسْهُمِ أَعْدَاءٍ وَهُنَّ صَدِيقُ
بِمَعْنَى : وَهُنَّ صَدَائِقُ .
وَأَمَّا نَصْبُ الرَّفِيقِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ .
فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ
الْبَصْرَةِ يَرَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ ، وَيَقُولُ : هُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ : كَرُمَ زَيْدٌ رَجُلًا ، وَيَعْدِلُ بِهِ عَنْ مَعْنَى : نِعْمَ الرَّجُلُ ، وَيَقُولُ : إِنَّ " نِعْمَ " لَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى اسْمٍ فِيهِ أَلِفٌ وَلَامٌ ، أَوْ عَلَى نَكِرَةٍ .
وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ
الْكُوفَةِ يَرَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ ، وَيُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ حَالًا وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْعَرَبُ تَقُولُ : كَرُمَ زَيْدٌ مِنْ رَجُلٍ وَحَسُنَ أُولَئِكَ مِنْ رُفَقَاءَ ، ، وَأَنَّ دُخُولَ " مِنْ " دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ " الرَّفِيقَ " مُفَسِّرُهُ . قَالَ : وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ : نَعِمْتُمْ رِجَالًا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نَظِيرَ قَوْلِهِ : وَحَسُنْتُمْ رُفَقَاءَ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِقَائِلِيهِ .
[ ص: 534 ]
وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ لِأَنَّ قَوْمًا حَزِنُوا عَلَى فَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَذِرًا أَنْ لَا يَرَوْهُ فِي الْآخِرَةِ .
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ :
9924 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ ، عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ :
جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَحْزُونٌ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : يَا فُلَانُ ، مَالِي أَرَاكَ مَحْزُونًا ؟ قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، شَيْءٌ فَكَّرْتُ فِيهِ ، فَقَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : نَحْنُ نَغْدُو عَلَيْكَ وَنَرُوحُ ، نَنْظُرُ فِي وَجْهِكَ وَنُجَالِسُكَ ، غَدًا تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ فَلَا نَصِلُ إِلَيْكَ ، فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا . فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَذِهِ الْآيَةِ : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " . قَالَ : فَبَعَثَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَشَّرَهُ .
9925 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ ، عَنْ
مَنْصُورٍ ، عَنْ
أَبِي الضُّحَى ، عَنْ
مَسْرُوقٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812077قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُفَارِقَكَ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّكَ لَوْ قَدْ مِتَّ رُفِعْتَ فَوْقَنَا فَلَمْ نَرَكْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : " وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ " الْآيَةَ .
9926 - حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ،
عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا قَالُوا : هَذَا نَبِيُّ اللَّهِ نَرَاهُ فِي الدُّنْيَا ، فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَيُرْفَعُ فَلَا نَرَاهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : " وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ " إِلَى قَوْلِهِ : " رَفِيقًا " .
9927 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ " الْآيَةَ ، قَالَ :
قَالَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا أَدْخَلَكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَكُنْتَ [ ص: 535 ] فِي أَعْلَاهَا ، وَنَحْنُ نَشْتَاقُ إِلَيْكَ ، فَكَيْفَ نَصْنَعُ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ : " nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ " .
9928 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ " الْآيَةَ ، قَالَ : إِنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا : قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ فَضْلُهُ عَلَى مَنْ آمَنَ بِهِ فِي دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ مِمَّنِ اتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ ، فَكَيْفَ لَهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا فِي الْجَنَّةِ أَنْ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ . يُقَالُ : إِنَّ الْأَعْلَيْنَ يَنْحَدِرُونَ إِلَى مَنْ هُمْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَيَجْتَمِعُونَ فِي رِيَاضِهَا ، فَيَذْكُرُونَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَيُثْنُونَ عَلَيْهِ ، وَيَنْزِلُ لَهُمْ أَهْلُ الدَّرَجَاتِ فَيَسْعَوْنَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَشْتَهُونَ وَمَا يَدْعُونَ بِهِ ، فَهُمْ فِي رَوْضِهِ يُحْبَرُونَ وَيَتَنَعَّمُونَ فِيهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=70ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ يَقُولُ : كَوْنُ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَالرَّسُولَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيَّيْنِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ " الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ " يَقُولُ : ذَلِكَ عَطَاءُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ وَفَضْلُهُ عَلَيْهِمْ ، لَا بِاسْتِيجَابِهِمْ ذَلِكَ لِسَابِقَةٍ سَبَقَتْ لَهُمْ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَوَلَيْسَ بِالطَّاعَةِ وَصَلُوا إِلَى مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِهِ ؟
قِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا بِفَضْلِهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ ، فَهَدَاهُمْ بِهِ لِطَاعَتِهِ ، فَكُلُّ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنْهُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - .
وَقَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=70وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا " يَقُولُ : وَحَسْبُ الْعِبَادِ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُمْ " عَلِيمًا "
[ ص: 536 ] بِطَاعَةِ الْمُطِيعِ مِنْهُمْ وَمَعْصِيَةِ الْعَاصِي ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُ يُحْصِيهِ عَلَيْهِمْ وَيَحْفَظُهُ ، حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعَهُمْ جَزَاءَ الْمُحْسِنِينَ مِنْهُمْ بِالْإِحْسَانِ ، وَالْمُسِيئِينَ مِنْهُمْ بِالْإِسَاءَةِ ، وَيَعْفُو عَمَّنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ .