يقول تعالى ذكره : ( قال ) موسى لأبي المرأتين ( ذلك بيني وبينك ) أي : هذا الذي قلت من أنك تزوجني إحدى ابنتيك على أن آجرك ثماني حجج ، واجب بيني وبينك ، على كل واحد منا الوفاء لصاحبه بما أوجب له على نفسه .
وقوله : ( أيما الأجلين قضيت ) يقول : أي الأجلين من الثماني الحجج والعشر الحجج قضيت ، يقول : فرغت منها فوفيتكها رعي غنمك وماشيتك ( فلا عدوان علي ) يقول : فليس لك أن تعتدي علي ، فتطالبني بأكثر منه ، و" ما " في قوله : [ ص: 566 ] ( أيما الأجلين ) صلة يوصل بها أي على الدوام ، وزعم أهل العربية أن هذا أكثر في كلام العرب من أي ، وأنشد قول الشاعر :
وأيهما ما أتبعن فإنني حريص على أثر الذي أنا تابع
وقال عباس بن مرداس :
فأيي ما وأيك كان شرا فقيد إلى المقامة لا يراها
وقوله : ( والله على ما نقول وكيل ) كان ابن إسحاق يرى هذا القول من أبي المرأتين .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال موسى ( ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي قال نعم والله على ما نقول وكيل ) فزوجه ، وأقام معه يكفيه ، ويعمل له في رعاية غنمه ، وما يحتاج إليه منه .
وزوجة موسى صفورا أو أختها شرفا أو ليا :
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن قال : قال السدي ، ابن عباس ; الجارية التي دعته هي التي تزوج .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال له ( إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ) . . . إلى آخر الآية ، قال : وأيتهما تريد أن تنكحني ؟ قال : التي دعتك ، قال : ألا وهي بريئة مما دخل نفسك عليها ، فقال : هي عندك كذلك ، فزوجه . [ ص: 567 ]
وبنحو الذي قلنا في قوله : ( أيما الأجلين قضيت ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن : ( السدي قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت ) إما ثمانيا ، وإما عشرا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن عمارة بن غزية ، عن يحيى بن سعيد ، عن ، وسأله رجل قال ( القاسم بن محمد أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي ) قال : فقال القاسم : ما أبالي أي ذلك كان ، إنما هو موعد وقضاء .
وقوله : ( والله على ما نقول وكيل ) يقول : والله على ما أوجب كل واحد منا لصاحبه على نفسه بهذا القول ، شهيد وحفيظ .
كالذي حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد : ( والله على ما نقول وكيل ) قال : شهيد على قول موسى وختنه .
وذكر أن موسى وصاحبه لما تعاقدا بينهما هذا العقد ، أمر إحدى ابنتيه أن تعطي موسى عصا من العصي التي تكون مع الرعاة ، فأعطته إياه ، فذكر بعضهم أنها العصا التي جعلها الله له آية .
وقال بعضهم تلك عصا أعطاه إياها جبريل عليه السلام .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن قال : أمر - يعني أبا المرأتين - إحدى ابنتيه أن تأتيه ، يعني أن تأتي السدي ، موسى بعصا ، فأتته بعصا ، وكانت تلك العصا عصا استودعها إياه ملك في صورة رجل ، فدفعها إليه ، فدخلت الجارية ، فأخذت العصا ، فأتته بها ; فلما رآها الشيخ قال : لا ائتيه بغيرها ، فألقتها تريد أن تأخذ غيرها ، فلا يقع في يدها إلا هي ، وجعل يرددها ، وكل ذلك لا يخرج في يدها غيرها ; فلما رأى ذلك عمد إليها ، فأخرجها معه ، فرعى بها . ثم إن الشيخ ندم وقال : كانت وديعة ، فخرج يتلقى موسى ، فلما لقيه قال : اعطني العصا ، فقال موسى : هي عصاي ، فأبى أن يعطيه ، فاختصما ، فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما ، فأتاهما ملك يمشي ، فقال : ضعوها في الأرض ، فمن حملها فهي له ، فعالجها الشيخ فلم يطقها ، وأخذ موسى بيده فرفعها ، فتركها له الشيخ ، فرعى له عشر سنين . قال : كان عبد الله بن عباس موسى أحق بالوفاء . [ ص: 568 ]
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : قال - يعني أبا الجارية - لما زوجها موسى لموسى : ادخل ذلك البيت فخذ عصا فتوكأ عليها ، فدخل فلما وقف على باب البيت ، طارت إليه تلك العصا ، فأخذها ، فقال : ارددها وخذ أخرى مكانها ، قال : فردها ، ثم ذهب ليأخذ أخرى ، فطارت إليه كما هي ، فقال : لا ارددها ، فعل ذلك ثلاثا ، فقال : ارددها ، فقال : لا أجد غيرها اليوم ، فالتفت إلى ابنته ، فقال لابنته : إن زوجك لنبي .
ذكر من قال : التي كانت آية عصا أعطاها موسى جبرائيل عليه السلام :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، قال : سألت عكرمة قال : أما عصا موسى ، فإنها خرج بها آدم من الجنة ، ثم قبضها بعد ذلك جبرائيل عليه السلام ، فلقي موسى بها ليلا فدفعها إليه .