قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور .
في هذه الجملة معنى العلة للأمر بالتقوى لأن إنزال الكتاب نفع عظيم لهم مستحق شكرهم عليه .
[ ص: 337 ] وتأكيد الخبر ب ( قد ) للاهتمام به وبعث النفوس على تصفح هذا الكتاب ومتابعة إرشاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
والذكر : القرآن . وقد سمي بالذكر في آيات كثيرة لأنه يتضمن تذكير الناس بما هم في غفلة عنه من دلائل التوحيد وما يتفرع عنها من حسن السلوك ، ثم تذكيرهم بما تضمنه من التكاليف وبيناه عند قوله تعالى ( وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر ) في سورة الحجر . وإنزال القرآن تبليغه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بواسطة الملك واستعير له الإنزال لأن الذكر مشبه بالشيء المرفوع في السماوات ، كما تقدم في سورة الحجر وفي آيات كثيرة .
وجعل إنزال الذكر إلى المؤمنين لأنهم الذين انتفعوا به وعلموا بما فيه فخصصوا هنا من بين جميع الأمم لأن القرآن أنزل إلى الناس كلهم .
وقوله ( رسولا ) بدل من ( ذكرا ) بدل اشتمال لأن بين القرآن والرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - ملازمة وملابسة فإن الرسالة تحققت له عند نزول القرآن عليه ، فقد أعمل فعل ( أنزل ) في ( رسولا ) تبعا لإعماله في المبدل منه باعتبار هذه المقارنة واشتمال مفهوم أحد الاسمين على مفهوم الآخر . وهذا كما أبدل ( رسول من الله ) من قوله ( حتى تأتيهم البينة ) في سورة البينة .
والرسول : هو محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وأما تفسير الذكر بجبريل ، وهو مروي عن الكلبي لتصحيح إبدال ( رسولا ) منه ففيه تكلفات لا داعي إليها فإنه لا محيص عن اعتبار بدل الاشتمال ، ولا يستقيم وصف جبريل بأنه يتلو على الناس الآيات فإن معنى التلاوة بعيد من ذلك ، وكذلك تفسير الذكر بجبريل .
ويجوز أن يكون ( رسولا ) مفعولا لفعل محذوف يدل عليه أنزل الله وتقديره : وأرسل إليكم رسولا ، ويكون حذفه إيجازا إلا أن الوجه السابق أبلغ وأوجز .
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ( مبينات ) بفتح الياء . وقرأه الباقون بكسرها ومآل القراءتين واحد .
وجعلت إخراج المؤمنين الصالحين من الظلمات إلى النور وإن [ ص: 338 ] كانت علة إنزاله إخراج جميع الناس من ظلمات الكفر وفساد الأعمال إلى نور الإيمان والأعمال الصالحات ، نظرا لخصوص الفريق الذي انتفع بهذا الذكر اهتماما بشأنهم . وليس ذلك بدال على أن العلة مقصورة على هذا الفريق ولكنه مجرد تخصيص بالذكر . وقد تقدم نظير هذه الجملة في مواضع كثيرة منها أول سورة الأعراف . علة إنزال الذكر