( كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما ) .
[ ص: 278 ] ذلك إشارة إلى نبأ موسى وبني إسرائيل وفرعون أي كقصنا هذا النبأ الغريب نقص عليك من أنباء الأمم السابقة ، وهذا فيه ذكر نعمة عظيمة وهي الإعلام بأخبار الأمم السالفة ليتسلى بذلك ويعلم أن ما صدر من الأمم لرسلهم وما قاست الرسل منهم ، والظاهر أن الذكر هنا القرآن امتن تعالى عليه بإيتائه الذكر المشتمل على القصص والأخبار الدال ذلك على معجزات أوتيها . وقال مقاتل : ( ذكرا ) بيانا . وقال أبو سهل : شرفا وذكرا في الناس .
( من أعرض عنه ) أي عن القرآن بكونه لم يؤمن به ولم يتبع ما فيه . وقرأ الجمهور ( يحمل ) مضارع حمل مخففا مبنيا للفاعل . وقرأت فرقة منهم داود بن رفيع : يحمل مشدد الميم مبنيا للمفعول لأنه يكلف ذلك لا أنه يحمله طوعا و ( وزرا ) مفعول ثان و ( وزرا ) ثقلا باهظا يؤده حمله وهو ثقل العذاب . وقال مجاهد : إثما . وقال : شركا والظاهر أنه عبر عن العقوبة بالوزر لأنه سببها ولذلك قال ( الثوري خالدين فيه ) أي في العذاب والعقوبة وجمع خالدين ، والضمير في ( لهم ) حملا على معنى من بعد الحمل على لفظها في أعرض وفي فإنه يحمل ، والمخصوص بالذم محذوف أي وزرهم و ( لهم ) للبيان كهي في ( هيت لك ) لا متعلقة بساء ( وساء ) هنا هي التي جرت مجرى بئس لا ساء التي بمعنى أحزن وأهم لفساد المعنى .
ويوم ننفخ بدل من يوم القيامة . وقرأ الجمهور ( ينفخ ) مبنيا للمفعول ( ونحشر ) بالنون مبنيا للفاعل بنون العظمة . وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وحميد : ننفخ بنون العظمة كنحشر أسند النفخ إلى الآمر به ، إسرافيل ولكرامته أسند ما يتولاه إلى ذاته المقدسة و ( الصور ) تقدم الكلام فيه في الأنعام . وقرئ ينفخ ويحشر بالياء فيهما مبنيا للفاعل . وقرأ والنافخ هو الحسن وابن عياض في جماعة ( في الصور ) على وزن درر ، والحسن : يحشر ، بالياء مبنيا للمفعول ، ويحشر مبنيا للفاعل ، وبالياء أي ويحشر الله . والظاهر أن المراد بالزرق زرقة العيون ، والزرقة أبغض ألوان العيون إلى العرب لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون ، ولذلك قالوا في صفة العدو : أسود الكبد ، أصهب السبال ، أزرق العين . وقال الشاعر :
وما كنت أخشى أن تكون وفاته بكفي سبنتى أزرق العين مطرق
وقد ذكر في آية أخرى أنهم يحشرون سود الوجوه ، فالمعنى تشويه الصورة من سواد الوجه وزرقة العين وأيضا فالعرب تتشاءم بالزرقة . قال الشاعر :لقد زرفت عيناك يا ابن مكعبر ألا كل ضبي من اللؤم أزرق
فلما وردن المـاء زرقـا جمامـه
أي ابيض ، وذكرت الآيتان فقال : ليوم القيامة حالات فحالة يكونون فيها زرقا وحالة يكونون عميا . لابن عباس
( يتخافتون ) يتسارون لهول المطلع وشدة ذهاب أذهانهم قد عزب عنهم قدر المدة التي لبثوا فيها ( إن لبثتم ) أي في دار الدنيا أو في البرزخ أو بين النفختين في الصور ثلاثة أقوال : ووصف ما لبثوا فيه بالقصر لأنها لما يعاينون من الشدائد كانت لهم في الدنيا أيام سرور ، وأيام السرور قصار أو لذهابها عنهم وتقضيها ، والذاهب وإن طالت مدته قصير بالانتهاء ، أو لاستطالتهم الآخرة وأنها أبد سرمد يستقصر إليها عمر الدنيا ، ويقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة و ( إذ ) معمولة لأعلم . و ( أمثلهم ) أعدلهم . و ( طريقة ) منصوبة على التمييز . ( إلا يوما ) إشارة لقصر مدة لبثهم . و ( إلا عشرا ) يحتمل عشر ليال أو عشرة أيام ، لأن المذكر إذا حذف وأبقي عدده قد لا يأتي بالتاء . حكى عن الكسائي أبي الجراح : صمنا من الشهر خمسا ، ومنه ما جاء في الحديث : ، يريد ستة أيام وحسن الحذف هنا كون ذلك فاصلة رأس آية ذكر أولا منتهى أقل العدد وهو العشر ، وذكر أعدلهم طريقة أقل العدد ، وهو اليوم الواحد ودل ظاهر قوله ( ثم أتبعه بست من شوال إلا يوما ) على أن المراد بقولهم ( عشرا ) عشرة أيام .