[ ص: 36 ] " أتأتون " : استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ ؛ ( والذكران ) : جمع ذكر ، مقابل الأنثى . والإتيان : كناية عن وطء الرجال ، وقد سماه - تعالى - بالفاحشة فقال : ( أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) هو مخصوص بذكران بني آدم . وقيل : مخصوص بالغرباء . ( وتذرون ما خلق ) ظاهر في كونهم لا يأتون النساء ، إما البتة ، وإما غلبة . ( ما خلق لكم ربكم ) يدل على الإباحة بشرطها . ( من أزواجكم ) أي من الإناث . ومن إما للتبيين لقوله : ( ما خلق ) وإما للتبعيض : أي العضو المخلوق للوطء ، وهو الفرج ، وهو على حذف مضاف ، أي وتذرون إتيان . فإن كان ما خلق لا يراد به العضو ، فلا بد من تقدير مضاف آخر ، أي وتذرون إتيان فروج ما خلق . ( بل أنتم قوم عادون ) أي متجاوزون الحد في الظلم ، وهو إضراب بمعنى الانتقال من شيء إلى شيء ، لا أنه إبطال لما سبق من الإنكار عليهم وتقبيح أفعالهم ، واعتداؤهم إما في المعاصي التي هذه المعصية من جملتها ، أو من حيث ارتكاب هذه الفعلة الشنيعة . وجاء تصدير الجملة بضمير الخطاب تعظيما لقبح فعلهم وتنبيها على أنهم هم مختصون بذلك ، كما تقول : أنت فعلت كذا ، أي لا غيرك . ولما نهاهم عن هذا الفعل القبيح توعدوه بالإخراج ، وهو النفي من بلده الذي نشأ فيه ، أي : ( لئن لم تنته ) عن دعواك النبوة ، وعن الإنكار علينا فيما نأتيه من الذكران ، لننفينك كما نفينا من نهانا قبلك . ودل قوله : ( من المخرجين ) على أنه سبق من نهاهم عن ذلك ، فنفوه بسبب النهي ، أو من المخرجين بسبب غير هذا السبب ، كأنه من خالفهم في شيء نفوه ، سواء كان الخلاف في هذا الفعل الخاص ، أم في غيره .
( قال إني لعملكم ) أي للفاحشة التي أنتم تعملونها . و " لعملكم " يتعلق إما بالقالين ، وإن كان فيه " أل " ، لأنه يسوغ في المجرورات والظروف ما لا يسوغ في غيرها ، لاتساع العرب في تقديمها ، حيث لا يتقدم غيرها ؛ وإما بمحذوف دل عليه " القالين " تقديره إني قال لعملكم ، وإما أن تكون للتبيين أي لعملكم أعني من القالين ، وكونه بعض " القالين " يدل على أنه يبغض هذا الفعل ناس غيره هو بعضهم ، ونبه ذلك على أن هذا الفعل موجب للبغض حتى يبغضه الناس . " ومن القالين " أبلغ من " قال " لما ذكرنا من أن الناس يبغضونه ، ولتضمنه أنه معدود ممن يبغضه . ألا ترى أن قولك : زيد من العلماء ، أبلغ من : زيد عالم ، لأن في ذلك شهادة بأنه معدود في زمرتهم . وقال أبو عبد الله الرازي : القلي : البغض الشديد ، كأنه بغض فقلى الفؤاد والكبد . انتهى . ولا يكون قلى بمعنى أبغض . وقلا من الطبخ ؛ والشي من مادة واحدة لاختلاف التركيب . فمادة قلا من الشي من ذوات الواو ، وتقول : قلوت اللحم فهو مقلو . ومادة قلى من البغض من ذوات الياء ، قليت الرجل ، فهو مقلي . قال الشاعر :
ولست بمقلـي الخـلال ولا قـال
ولما توعدوه بالإخراج ، أخبرهم ببغض عملهم ، ثم دعا ربه فقال : ( رب نجني وأهلي مما يعملون ) أي من عقوبة ما يعملون من المعاصي . ويحتمل أن يكون دعاء لأهله بالعصمة من أن يقع واحد منهم في مثل فعل قومه . ودل دعاؤه بالتنجية لأهله على أنهم كانوا مؤمنين . ولما كانت زوجته مندرجة في الأهل ، وكان ظاهر دعائه دخولها في التنجية ، وكانت كافرة استثنيت في قوله : ( فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ) ودل قوله : عجوزا ، على أنها قد عسيت في الكفر ودامت فيه إلى أن صارت عجوزا . ومن الغابرين صفة ، أي من الباقين من لداتها وأهل بيتها ، قاله أبو عبيدة . [ ص: 37 ] وقال قتادة : من الباقين في العذاب النازل بهم . وتقدم القول في غبر ، وأنه يستعمل بمعنى بقي ، وهو المشهور ، وبمعنى مضى . ونجاته - عليه السلام - أن أمره - تعالى - بالرحلة ليلا ، وكانت امرأته كافرة تعين عليه قومه ، فأصابها حجر ، فهلكت فيمن هلك . قال قتادة : أمطر الله على شذاذ القوم حجارة من السماء فأهلكهم . وقال قتادة : أتبع الائتفاك مطرا من الحجارة . وساء : بمعنى بئس ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي مطرهم . وقال مقاتل : خسف الله بقوم لوط ، وأرسل الحجارة إلى من كان خارجا من القربة ، ولم يكن فيها مؤمن إلا بيت لوط .