ابتدأ تعالى قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون تسلية للرسول - عليه الصلاة والسلام - ووعيدا لقريش أن يحل بهم ما حل بفرعون وقومه من نقمات الله ، [ ص: 459 ] ووعدا للمؤمنين بالظفر والنصر وحسن العاقبة . وآيات موسى - عليه السلام - كثيرة ، والذي تحدى به من المعجز العصا واليد .
وقرأ عيسى : ( وسلطان ) بضم اللام ، والسلطان المبين : الحجة والبرهان الواضح . والظاهر أن قارون هو الذي ذكره تعالى في قوله : ( إن قارون كان من قوم موسى ) ، وهو من بني إسرائيل .
وقيل : هو غيره ، ونص على هامان وقارون لمكانتهما في الكفر ، ولأنهما أشهر أتباع فرعون .
( فقالوا ساحر كذاب ) أي : هذا ساحر ، لما ظهر على يديه من قلب العصا حية ، وظهور النور الساطع على يده ، كذاب لكونه ادعى أنه رسول من رب العالمين .
( فلما جاءهم بالحق من عندنا ) أي : بالمعجزات والنبوة والدعاء إلى الإيمان بالله ، ( قالوا ) ، أي : أولئك الثلاثة ، ( اقتلوا ) . قال أي : أعيدوا عليهم القتل كالذي كان أولا . انتهى . ابن عباس
يريد أن هذا غير القتل الأول ، وإنما أمروا بقتل أبناء المؤمنين لئلا يتقوى بهم موسى - عليه السلام - ، وباستحياء النساء للاستخدام والاسترقاق ، ولم يقع ما أمروا به ولا تم لهم ، ولا أعانهم الله عليه .
( وما كيد الكافرين إلا في ضلال ) أي : في حيرة وتخبط ، لم يقع منه شيء ، ولا أنجح سعيهم ، وكانوا باشروا القتل أولا ، فنفذ قضاء الله في إظهار من خافوا هلاكهم على يديه .
وقيل : كان فرعون قد كف عن قتل الأبناء ، فلما بعث موسى ، وأحس أنه قد وقع ما كان يحذره ، أعاد القتل عليهم غيظا وحنقا وظنا منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى ، وما علم أن كيده ضائع في الكرتين معا .
( وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه ) ، قال : بعضه من كلام الزمخشري الحسن ، كان إذا هم بقتله كفوه بقولهم : ليس بالذي تخافه ، هو أقل من ذلك وأضعف ، وما هو إلا بعض السحرة ، ومثله لا يقاومه إلا ساحر مثله ، ويقولون : إن قتلته أدخلت الشبهة على الناس ، واعتقدوا أنك عجزت عن مظاهرته بالحجة .
والظاهر أن فرعون - لعنه الله - كان قد استيقن أنه نبي ، وأن ما جاء به آيات وما هو سحر ، ولكن الرجل كان فيه خبث وجبروت ، وكان قتالا سفاكا للدماء في أهون شيء ، فكيف لا يقتل من أحس منه بأنه هو الذي يثل عرشه ، ويهدم ملكه ؟ ولكنه يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك .
وقوله : ( وليدع ربه ) : شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه ، كان قوله : ( ذروني أقتل موسى ) تمويها على قومه وإيهاما أنهم هم الذين يكفونه ، وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هول الفزع .
وقال ابن عطية : الظاهر من أمر فرعون أنه لما بهرت آيات موسى انهد ركنه واضطربت معتقدات أصحابه ، ولم يفقد منهم من يجاذبه الخلاف في أمره ، وذلك بين من غير ما موضع في قصتهما ، وفي ذلك على هذا دليلان : أحدهما : قوله ( ذروني ) ، فليست هذه من ألفاظ الجبابرة المتمكنين من إنفاذ أوامرهم .
الدليل الثاني : في مقالة المؤمن وما صدع به ، وأن مكاشفته لفرعون خير من مساترته ، وحكمه بنبوة موسى أظهر من تقريبه في أمره . وأما فرعون ، فإنه نحا إلى المخرقة والاضطراب والتعاطي ، ومن ذلك قوله : ( ذروني أقتل موسى وليدع ربه ) أي : إني لا أبالي من رب موسى ، ثم رجع إلى قومه يريهم النصيحة والخيانة لهم ، فقال : ( إني أخاف أن يبدل دينكم ) ، والدين : السلطان ، ومنه قول زهير :
لئن حللت بجو في بني أسد في دين عمرو وحالت بيننا فدك
انتهى .
وتبديل دينهم هو تغييره ، وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام ، كما قال : ( ويذرك وآلهتك ) ، ( أو أن يظهر في الأرض الفساد ) وذلك بالتهارج الذي يذهب معه الأمن ، وتتعطل المزارع والمكاسب ، ويهلك الناس قتلا وضياعا ، فأخاف فساد دينكم ودنياكم معا .
وبدأ فرعون بخوفه تغيير دينهم على تغيير دنياهم ؛ لأن حبهم لأديانهم فوق حبهم لأموالهم .
وقيل : ( ذروني ) يدل على أنهم كانوا يمنعونه من قتله ، إما لكون بعضهم كان مصدقا له فيتحيل في منع قتله ، وإما لما روي عن الحسن مما ذكر ، وإما لشغل [ ص: 460 ] قلب الزمخشري فرعون بموسى حتى لا يتفرغ لهم ، ويأمنوا من شره ; كما يفعلون مع الملك إذا خرج عليه خارجي شغلوه به حتى يأمنوا من شره .
وقرأ الكوفيون : ( أو أن ) ، بترديد الخوف بين تبديل الدين أو ظهور الفساد . وقرأ باقي السبعة : ( وأن ) بانتصاب الخوف عليهما معا .
وقرأ ، أنس بن مالك ، وابن المسيب ومجاهد ، وقتادة ، وأبو رجاء ، والحسن ، والجحدري ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص : ( يظهر ) من أظهر مبنيا للفاعل ، ( الفساد ) : نصبا . وقرأ باقي السبعة ، ، والأعرج ، والأعمش وابن وثاب ، وعيسى : ( يظهر ) من ظهر مبنيا للفاعل ، ( الفساد ) : رفعا .
وقرأ مجاهد : ( يظهر ) بشد الظاء والهاء ، ( الفساد ) : رفعا . وقرأ : ( يظهر ) : بضم الياء وفتح الهاء مبنيا للمفعول ، ( الفساد ) : رفعا . زيد بن علي
ولما سمع موسى بمقالة فرعون ، استعاذ بالله من شر كل متكبر منكر للمعاد . وقال : ( وربكم ) : بعثا على الاقتداء به ، فيعوذون بالله ويعتصمون به .
و ( من كل متكبر ) يشمل فرعون وغيره من الجبابرة ; وكان ذلك على طريق التعريض ، وكان أبلغ .
والتكبر : تعاظم الإنسان في نفسه مع حقارته ؛ لأنه يفعل ، و ( لا يؤمن بيوم الحساب ) ، أي : بالجزاء ، وكان ذلك آكد في جراءته ، إذ حصل له التعاظم في نفسه ، وعدم المبالاة بما ارتكب . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، : ( عذت ) بالإدغام ; وباقي السبعة : بالإظهار . والكسائي
( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ) قيل : كان قبطيا ابن عم فرعون ، وكان يجري مجرى ولي العهد ، ومجرى صاحب الشرطة . وقيل : كان قبطيا ليس من قرابته . وقيل : قيل فيه من آل فرعون ؛ لأنه كان في الظاهر على دينه ودين أتباعه .
وقيل : كان إسرائيليا وليس من آل فرعون ، وجعل آل فرعون متعلقا بقوله : ( يكتم إيمانه ) ، لا في موضع الصفة لرجل ، كما يدل عليه الظاهر ، وهذا فيه بعد ، إذ لم يكن لأحد من بني إسرائيل أن يتجاسر عند فرعون بمثل ما تكلم به هذا الرجل .
وقد رد قول من علق من آل فرعون بيكتم ، فإنه لا يقال : كتمت من فلان كذا ، إنما يقال : كتمت فلانا كذا ، قال تعالى : ( ولا يكتمون الله حديثا ) ، وقال الشاعر :
كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا وهمين هما مستكنا وظاهرا
أحاديث نفس تشتكي ما يريبها وورد هموم لن يجدن مصادرا
أي : كتمتك أحاديث نفس وهمين . قيل : واسمه سمعان . وقيل : حبيب . وقيل : حزقيل . وقرأ الجمهور : ( رجل ) بضم الجيم . وقرأ عيسى ، وعبد الوارث ، وعبيد بن عقيل ، عن وحمزة بن القاسم أبي عمرو : بسكون ، وهي لغة تميم ونجد .
( أتقتلون رجلا أن يقول ) أي : لأن يقول ( ربي الله ) ، وهذا إنكار منه عظيم وتبكيت لهم ، كأنه قال : أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة وما لكم عليه في ارتكابها إلا كلمة الحق التي نطق بها ، وهي قوله : ( ربي الله ) ، مع أنه ( قد جاءكم بالبينات من ربكم ) أي : من عند من نسب إليه الربوبية ، وهو ربكم لا ربه وحده ؟ وهذا استدراج إلى الاعتراف . وقال : ولك أن تقدر مضافا محذوفا ، أي : وقت أن يقول ، والمعنى : أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول من غير روية ولا فكر في أمره ؟ انتهى . وهذا الذي أجازه من تقدير المضاف المحذوف الذي هو وقت لا يجوز ، تقول : جئت صياح الديك ، أي : وقت صياح الديك ، ولا أجيء أن يصيح الديك ، نص على ذلك النحاة ، فشرط ذلك أن يكون المصدر مصرحا به لا مقدرا ، وأن يقول ليس مصدرا مصرحا به . الزمخشري
( بالبينات ) : بالدلائل على التوحيد ، وهي التي ذكرها في ( طه ، والشعراء ) حالة محاورته له في سؤاله عن ربه تعالى .
ولما صرح بالإنكار عليهم ، غالطهم بعد في أن قسم أمره إلى كذب وصدق ، وأدى ذلك في صورة [ ص: 461 ] احتمال ونصيحة ، وبدأ في التقسيم بقوله : ( وإن يك كاذبا فعليه كذبه ) ، مداراة منه وسالكا طريق الإنصاف في القول ، وخوفا إذا أنكر عليهم قتله أنه ممن يعاضده ويناصره ، فأوهمهم بهذا التقسيم والبداءة بحالة الكذب حتى يسلم من شره ، ويكون ذلك أدنى لتسليمهم . ومعنى ( فعليه كذبه ) أي : لا يتخطاه ضرره .
( وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ) ، وهو يعتقد أنه نبي صادق قطعا ، لكنه أتى بلفظ ( بعض ) لإلزام الحجة بأسرها في الأمر ، وليس فيه نفي أن يصيبهم كل ما يعدهم .
وقالت فرقة : يصبكم بعض العذاب الذي يذكر ، وذلك كان في هلاكهم ، ويكون المعنى : يصبكم القسم الواحد مما يعد به ، وذلك هو بعض مما يعد ؛ لأنه - عليه السلام - وعدهم إن آمنوا بالنعمة ، وإن كفروا بالنقمة .
وقالت فرقة : بعض الذي يعدكم عذاب الدنيا ؛ لأنه بعض عذاب الآخرة ، ويصيرون بعد ذلك إلى النار .
وقال أبو عبيدة وغيره : ( بعض ) بمعنى كل ، وأنشدوا قول عمرو بن شسيم القطامي :
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
وقال : وذلك أنه حين فرض صادقا ، فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يعد ، ولكنه أردفه ( الزمخشري يصبكم بعض الذي يعدكم ) ، ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام ، فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه وافيا فضلا أن يتعصب له .
( فإن قلت ) : وعن أبي عبيدة أنه قسم البعض بالكل ، وأنشد بيت لبيد وهو :
تراك أمكنة إذا لم أرضها ويريك من بعض النفوس حمامها
( قلت ) : إن صحت الرواية عنه فقد حق في قول المازني في مسألة العافي كان أحفى من أن يفقه ما أقول له . انتهى ، ويعني أن أبا عبيدة خطأه الناس في اعتقاده أن بعضا يكون بمعنى كل ، وأنشدوا أيضا في كون بعض بمعنى كل قول الشاعر :
إن الأمور إذا الأحداث دبرها دون الشيوخ ترى في بعضها خللا
أي : إذا رأى الأحداث ، ولذلك قال دبرها ولم يقل دبروها ، راعى المضاف المحذوف .
( إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ) فيه : إشارة إلى علو شأن موسى - عليه السلام - وأن من اصطفاه الله للنبوة لا يمكن أن يقع منه إسراف ولا كذب ، وفيه تعريض بفرعون ؛ إذ هو غاية الإسراف على نفسه بقتل أبناء المؤمنين ، وفي غاية الكذب ؛ إذ ادعى الإلهية والربوبية ، ومن هذا شأنه لا يهديه الله .
وفي الحديث : " الصديقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل يس ، ومؤمن آل فرعون ، " . وعلي بن أبي طالب
وفي الحديث : " أنه - عليه السلام - طاف بالبيت ، فحين فرغ أخذ بمجامع ردائه ، فقالوا له : أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا ؟ فقال : أنا ذاك ، فقام أبو بكر ، رضي الله عنه ، فالتزمه من ورائه ، وقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ، وقد جاءكم بالبينات من ربكم " ، رافعا صوته بذلك وعيناه تسفحان بالدموع حتى أرسلوه .
وعن : أن مؤمن جعفر الصادق آل فرعون قال ذلك سرا ، وأبو بكر قاله ظاهرا . وقال : ( مسرف ) بالقتل . وقال السدي قتادة : ( مسرف ) بالكفر .
وقال صاحب التحرير والتحبير : هذا نوع من أنواع علم البيان تسميه علماؤنا استدراج المخاطب ، وذلك أنه لما رأى فرعون قد عزم على قتل موسى ، والقوم على تكذيبه ، أراد الانتصار له بطريق يخفي عليهم بها أنه متعصب له ، وأنه من أتباعه ، فجاءهم من طريق النصح والملاطفة فقال : ( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) ، ولم يذكر اسمه ، بل قال رجلا يوهم أنه لا يعرفه ولا يتعصب له ، ( أن يقول ربي الله ) ، ولم يقل رجلا مؤمنا بالله ، أو هو نبي الله ؛ إذ لو قال شيئا من ذلك لعلموا أنه متعصب . ولم يقبلوا قوله ، ثم أتبعه بما بعد ذلك ، فقدم قوله : ( وإن يك كاذبا ) ، موافقة لرأيهم فيه . ثم تلاه بقوله : ( وإن يك صادقا ) ، ولو قال : هو صادق وكل [ ص: 462 ] ما يعدكم ، لعلموا أنه متعصب ، وأنه يزعم أنه نبي ، وأنه يصدقه ، فإن الأنبياء لا تخل بشيء مما يقولونه ، ثم أتبعه بكلام يفهم منه أنه ليس بمصدق ، وهو قوله : ( إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ) . انتهى .
ثم قال : ( يا قوم ) نداء متلطف في موعظتهم .
( ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين ) أي : عالمين : ( في الأرض ) : في أرض مصر ، قد غلبتم بني إسرائيل فيها ، وقهرتموهم واستعبدتموهم ، وناداهم بالملك الذي هو أعظم مراتب الدنيا وأجلها ، وهو من جهة شهواتهم ، وانتصب ( ظاهرين ) على الحال ، والعامل فيها هو العامل في الجار والمجرور ، وذو الحال هو ضمير ( لكم ) .
ثم حذرهم أن يفسدوا على أنفسهم بأنه إن جاءهم بأس الله لم يجدوا ناصرا لهم ولا دافعا ، وأدرج نفسه في قوله : ( ينصرنا ) ، و ( جاءنا ) لأنه منهم في القرابة ، وليعلمهم أن الذي ينصحهم به هو مشارك لهم فيه .
وأقوال هذا المؤمن تدل على زوال هيبة فرعون من قلبه ، ولذلك استكان فرعون وقال : ( ما أريكم إلا ما أرى ) أي : ما أشير عليكم إلا بقتله ، ولا أستصوب إلا ذلك ، وهذا قول من لا تحكم له ، وأتى بما وإلا للحصر والتأكيد .
( وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) ، لا ما تقولونه من ترك قتله وقد كذب ، بل كان خائفا وجلا ، وقد علم أن ما جاء به موسى - عليه السلام - حق ، ولكنه كان يتجلد ، ويري ظاهره خلاف ما أبطن .
وأورد ، الزمخشري وابن عطية ، وأبو القاسم الهذلي هنا أن قرأ ( الرشاد ) بشد الشين . معاذ بن جبل
قال أبو الفتح : وهو اسم فاعل في بنية مبالغة من الفعل الثلاثي رشد ، فهو كعباد من عبد .
وقال : أو من رشد ، كعلام من علم . وقال الزمخشري النحاس : هو لحن ، وتوهمه من الفعل الرباعي ، ورد عليه أنه لا يتعين أن يكون من الرباعي ، بل هو من الثلاثي ، على أن بعضهم قد ذهب إلى أنه من الرباعي ، فبنى فعال من أفعل ، كدراك من أدرك ، وسآر من أسأر ، وجبار من أجبر ، وقصار من أقصر ، ولكنه ليس بقياس ، فلا يحمل عليه ما وجدت عنه مندوحة ، وفعال من الثلاثي مقيس فحمل عليه .
وقال أبو حاتم : كان يفسرها بسبيل الله . معاذ بن جبل
قال ابن عطية : ويبعد عندي على معاذ - رضي الله عنه - .
وهل كان فرعون إلا يدعي أنه إله ؟ وتعلق بناء اللفظ على هذا التأويل . انتهى .
وإيراد الخلاف في هذا الحرف الذي هو من قول فرعون خطأ ، وتركيب قول معاذ عليه خطأ ، والصواب أن الخلاف فيه هو قول المؤمن : ( اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ) . قال أبو الفضل الرازي في ( كتاب اللوامح ) له من شواذ القراءات ما نصه ( معاذ بن جبل سبيل الرشاد ) الحرف الثاني بالتشديد ، وكذلك الحسن ، وهو سبيل الله تعالى الذي أوضح الشرائع ، كذلك فسره ، وهو منقول من مرشد ، كدراك من مدرك ، وجبار من مجبر ، وقصار من مقصر عن الأمر ، ولها نظائر معدودة ، فأما قصار فهو من قصر من الثوب قصارة . وقال معاذ بن جبل ابن خالويه ، بعد أن ذكر الخلاف في التناد وفي صد عن السبيل ما نصه ( سبيل الرشاد بتشديد الشين ) . قال معاذ بن جبل ابن خالويه : يعني بالرشاد الله تعالى . انتهى .
فهذا لم يذكر الخلاف إلا في قول المؤمن : ( أهدكم سبيل الرشاد ) ، فذكر الخلاف فيه في قول فرعون خطأ ، ولم يفسر ( الرشاد ) أنه الله تعالى إلا في قول المؤمن ، لا في قول معاذ بن جبل فرعون . قال ابن عطية : ذلك التأويل من قول فرعون .