(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=99nindex.php?page=treesubj&link=28974قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون ) لما أنكر عليهم كفرهم في أنفسهم وضلالهم ، ولم يكتفوا حتى سعوا في إضلال من آمن ، أنكر عليهم تعالى ذلك ، فجمعوا بين الضلال والإضلال : من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عملها . و " صد " : لازم ومتعد . يقال : صد عن كذا ، وصد غيره عن كذا . وقراءة الجمهور : يصدون ثلاثيا ، وهو متعد ، ومفعوله " من آمن " . وقرأ
الحسن : تصدون من أصد ، عدى صد اللازم بالهمز ، وهما لغتان .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة :
أناس أصدوا الناس بالسيف عنهم
ومعنى صد هنا : صرف . وسبيل الله : هو دين الله ، وطريق شرعه ، وقد تقدم أنها تذكر وتؤنث . ومن التأنيث قوله :
فلا تبعد فكل فتى أناس سيصبح سالكا تلك السبيلا
قال
الراغب : وقد جاء (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=98ياأهل الكتاب ) دون " قل " ، وجاء هنا " قل " ، فبدون " قل " هو استدعاء منه تعالى لهم إلى الحق ، فجعل خطابهم منه استلانة للقوم ؛ ليكونوا أقرب إلى الانقياد . ولما قصد الغض منهم ذكر " قل " تنبيها على أنهم غير مستأهلين أن يخاطبهم بنفسه ، وإن كان كلا الخطابين وصل على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأطلق " أهل الكتاب " على المدح تارة ، وعلى الذم أخرى . وأهل القرآن والسنة لا ينطلق إلا على المدح ؛ لأن الكتاب قد يراد به ما افتعلوه دون ما أنزل الله ، نحو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79يكتبون الكتاب بأيديهم ) وقد يراد به ما أنزل الله . وأيضا فقد يصح أن يقال على سبيل الذم والتهكم ، كما لو قيل : يا أهل الكتاب ، لمن لا يعمل بمقتضاه . انتهى ما لخص من كلامه . والهاء في " يبغونها " عائدة على السبيل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري : يطلبون لها اعوجاجا . تقول العرب : ابغني كذا - بوصل الألف - أي اطلبه . أي وأبغني - بقطع الألف - أعني على طلبه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فإن قلت ) كيف يبغونها عوجا وهو محال ؟ ( قلت ) فيه معنيان ، أحدهما : أنكم تلبسون على الناس حتى توهموهم أن فيها عوجا بقولكم : إن شريعة
موسى لا تنسخ ، وبتغييركم صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن وجهها ، ونحو ذلك . والثاني : أنكم تتعبون أنفسكم في إخفاء الحق وابتغاء ما لا يتأتى لكم من وجود العوج فيما هو أقوم من كل مستقيم . انتهى . وقيل : يبغون هنا من البغي ، وهو التعدي . أي يتعدون عليها ، أو فيها . ويكون عوجا على هذا التأويل نصبه على الحال من الضمير في " تبغون " ، أي عوجا منكم وعدم استقامة . انتهى . وعلى التأويل الأول يكون عوجا مفعولا به ، والجملة من قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=99تبغونها عوجا " تحتمل الاستئناف ، وتحتمل أن تكون حالا من الضمير في تصدون أو من سبيل الله ؛ لأن فيها ضميرين يرجعان إليهما .
وأنتم شهداء ، أي بالعقل نحو : "
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37أو ألقى السمع وهو شهيد " أي عارف بعقله ، وتارة بالفعل نحو : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين " ، وتارة بإقامة ذلك ، أي شهدتم بنبوة
محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل بعثه على ما في التوراة من صفته وصدقه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وأنتم شهداء أنها سبيل الله التي لا يصد عنها إلا ضال مضل . أو وأنتم شهداء بين أهل دينكم ، عدول يثقون بأقوالكم ، ويستشهدون في عظام أمورهم ، وهم الأحبار . انتهى . قيل : وفي قوله : وأنتم شهداء دلالة على أن شهادة بعضهم على بعض جائزة ؛ لأنه تعالى سماهم شهداء ، ولا يصدق هذا الاسم إلا على من يكون له شهادة . وشهادتهم على المسلمين لا تجوز بإجماع ، فتعين وصفهم بأن تجوز شهادة بعضهم على بعض ، وهو قول
أبي حنيفة وجماعة . والأكثرون على أن شهادتهم لا تقبل بحال ، وأنهم ليسوا من أهل الشهادة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=99وما الله بغافل عما تعملون ) وعيد شديد لهم ، وتقدم تفسير هذه الجملة فأغنى عن إعادته .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=99nindex.php?page=treesubj&link=28974قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) لَمَّا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ كُفْرَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَضَلَالَهُمْ ، وَلَمْ يَكْتَفُوا حَتَّى سَعَوْا فِي إِضْلَالِ مَنْ آمَنَ ، أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ تَعَالَى ذَلِكَ ، فَجَمَعُوا بَيْنَ الضَّلَالِ وَالْإِضْلَالِ : مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَهَا . وَ " صَدَّ " : لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ . يُقَالُ : صَدَّ عَنْ كَذَا ، وَصَدَّ غَيْرَهُ عَنْ كَذَا . وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ : يَصُدُّونَ ثُلَاثِيًّا ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ ، وَمَفْعُولُهُ " مَنْ آمَنَ " . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ : تَصُدُّونَ مِنْ أَصَدَّ ، عَدَّى صَدَّ اللَّازِمَ بِالْهَمْزِ ، وَهُمَا لُغَتَانِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذُو الرُّمَّةِ :
أُنَاسٌ أَصَدُّوا النَّاسَ بِالسَّيْفِ عَنْهُمُ
وَمَعْنَى صَدَّ هُنَا : صَرَفَ . وَسَبِيلُ اللَّهِ : هُوَ دِينُ اللَّهِ ، وَطَرِيقُ شَرْعِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ . وَمِنَ التَّأْنِيثِ قَوْلُهُ :
فَلَا تَبْعُدْ فَكُلُّ فَتَى أُنَاسٍ سَيُصْبِحُ سَالِكًا تِلْكَ السَّبِيلًا
قَالَ
الرَّاغِبُ : وَقَدْ جَاءَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=98يَاأَهْلَ الْكِتَابِ ) دُونَ " قُلْ " ، وَجَاءَ هُنَا " قُلْ " ، فَبِدُونِ " قُلْ " هُوَ اسْتِدْعَاءٌ مِنْهُ تَعَالَى لَهُمْ إِلَى الْحَقِّ ، فَجَعَلَ خِطَابَهُمْ مِنْهُ اسْتِلَانَةً لِلْقَوْمِ ؛ لِيَكُونُوا أَقْرَبَ إِلَى الِانْقِيَادِ . وَلَمَّا قَصَدَ الْغَضَّ مِنْهُمْ ذَكَرَ " قُلْ " تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ بِنَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ كِلَا الْخِطَابَيْنِ وَصَلَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَأَطْلَقَ " أَهْلَ الْكِتَابِ " عَلَى الْمَدْحِ تَارَةً ، وَعَلَى الذَّمِّ أُخْرَى . وَأَهْلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لَا يَنْطَلِقُ إِلَّا عَلَى الْمَدْحِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ قَدْ يُرَادُ بِهِ مَا افْتَعَلُوهُ دُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، نَحْوَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ) وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ . وَأَيْضًا فَقَدْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَلَى سَبِيلِ الذَّمِّ وَالتَّهَكُّمِ ، كَمَا لَوْ قِيلَ : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ، لِمَنْ لَا يَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ . انْتَهَى مَا لُخِّصَ مِنْ كَلَامِهِ . وَالْهَاءُ فِي " يَبْغُونَهَا " عَائِدَةٌ عَلَى السَّبِيلِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَالطَّبَرِيُّ : يَطْلُبُونَ لَهَا اعْوِجَاجًا . تَقُولُ الْعَرَبُ : ابْغِنِي كَذَا - بِوَصْلِ الْأَلِفِ - أَيِ اطْلُبْهُ . أَيْ وَأَبْغِنِي - بِقَطْعِ الْأَلِفِ - أَعِنِّي عَلَى طَلَبِهِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( فَإِنْ قُلْتَ ) كَيْفَ يَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُوَ مُحَالٌ ؟ ( قُلْتُ ) فِيهِ مَعْنَيَانِ ، أَحَدُهُمَا : أَنَّكُمْ تَلْبِسُونَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى تُوهِمُوهُمْ أَنَّ فِيهَا عِوَجًا بِقَوْلِكُمْ : إِنَّ شَرِيعَةَ
مُوسَى لَا تُنْسَخُ ، وَبِتَغْيِيرِكُمْ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وَجْهِهَا ، وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَالثَّانِي : أَنَّكُمْ تُتْعِبُونَ أَنْفُسَكُمْ فِي إِخْفَاءِ الْحَقِّ وَابْتِغَاءِ مَا لَا يَتَأَتَّى لَكُمْ مِنْ وُجُودِ الْعِوَجِ فِيمَا هُوَ أَقْوَمُ مِنْ كُلِّ مُسْتَقِيمٍ . انْتَهَى . وَقِيلَ : يَبْغُونَ هُنَا مِنَ الْبَغْيِ ، وَهُوَ التَّعَدِّي . أَيْ يَتَعَدَّوْنَ عَلَيْهَا ، أَوْ فِيهَا . وَيَكُونُ عِوَجًا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي " تَبْغُونَ " ، أَيْ عِوَجًا مِنْكُمْ وَعَدَمَ اسْتِقَامَةٍ . انْتَهَى . وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ عِوَجًا مَفْعُولًا بِهِ ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=99تَبْغُونَهَا عِوَجًا " تَحْتَمِلُ الِاسْتِئْنَافَ ، وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي تَصُدُّونَ أَوْ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا ضَمِيرَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَيْهِمَا .
وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ ، أَيْ بِالْعَقْلِ نَحْوَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " أَيْ عَارِفٌ بِعَقْلِهِ ، وَتَارَةً بِالْفِعْلِ نَحْوَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=81قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ " ، وَتَارَةً بِإِقَامَةِ ذَلِكَ ، أَيْ شَهِدْتُمْ بِنُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ بَعْثِهِ عَلَى مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ صِفَتِهِ وَصِدْقِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ أَنَّهَا سَبِيلُ اللَّهِ الَّتِي لَا يَصُدُّ عَنْهَا إِلَّا ضَالٌّ مُضِلٌّ . أَوْ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ بَيْنَ أَهْلِ دِينِكُمْ ، عُدُولٌ يَثِقُونَ بِأَقْوَالِكُمْ ، وَيَسْتَشْهِدُونَ فِي عِظَامِ أُمُورِهِمْ ، وَهُمُ الْأَحْبَارُ . انْتَهَى . قِيلَ : وَفِي قَوْلِهِ : وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهُمْ شُهَدَاءَ ، وَلَا يَصْدُقُ هَذَا الِاسْمُ إِلَّا عَلَى مَنْ يَكُونُ لَهُ شَهَادَةٌ . وَشَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَا تَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ ، فَتَعَيَّنَ وَصْفُهُمْ بِأَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٍ . وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا تُقْبَلُ بِحَالٍ ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=99وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) وَعِيدٌ شَدِيدٌ لَهُمْ ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ .