( قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون ) قال : سبب نزولها ونزول ما بعدها إلى قوله : ( الطبري وأولئك لهم عذاب عظيم ) أن رجلا من اليهود حاول الإغراء بين الأوس والخزرج ، واسمه : شاس بن قيس ، وكان أعمى شديد الضغن والحسد للمسلمين ، فرأى ائتلاف الأوس والخزرج ، فقال : ما لنا من قرار بهذه البلاد مع اجتماع ملإ بني قيلة ، فأمر شابا من اليهود أن يذكرهم يوم بعاث وما جرى فيه من الحرب وما قالوه من الشعر ، ففعل ، فتكلموا حتى ثاروا إلى السلاح بالحرة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم " ؟ ووعظهم ، فرجعوا ، وعانق بعضهم بعضا ، هذا ملخصه وذكروه مطولا . وقال الحسن ، وقتادة ، والسدي : نزلت في أحبار اليهود الذين كانوا يصدون المسلمين عن الإسلام بأن يقولوا لهم : إن محمدا ليس بالموصوف في كتابنا ، والظاهر نداء أهل الكتاب عموما والعامة ، وإن لم يعلموا ، فالحجة قائمة عليهم كقيامها على الخاصة . وكأنهم بترك الاستدلال والعدول إلى التقليد بمنزلة من علم ثم أنكره . وقيل : المراد علماء أهل الكتاب الذين علموا صحة نبوته ، واستدل بقوله : " وأنتم شهداء " . انتهى هذا القول . وخص أهل الكتاب بالذكر دون سائر الكفار ؛ لأنهم هم المخاطبون في صدر هذه الآية ، المورد الدلائل عليهم من التوراة والإنجيل على صحة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والمجابون عن شبههم في ذلك ؛ ولأن معرفتهم بآيات الله أقوى لتقدم اعترافهم بالتوحيد وأصل النبوة ، ولمعرفتهم بما في كتبهم من الشهادة للرسول والبشارة به . ولما ذكر تعالى أن في البيت آيات بينات وأوجب حجه ، ثم قال : ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) ناسب أن ينكر على الكفار كفرهم بآيات الله ، فناداهم بـ " ياأهل الكتاب " ؛ لينبههم على أنهم أهل الكتاب ، فلا يناسب من يعتزي إلى كتاب الله أن يكفر بآياته ، بل ينبغي طواعيته وإيمانه بها ؛ إذ له مرجع من العلم يصير إليه إذا اعترته شبهة .
والآيات : هي العلامات التي نصبها الله دلالة على الحق . وقيل : آيات الله هي آيات من التوراة فيها صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - . ويحتمل القرآن ومعجزة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
( والله شهيد على ما تعملون ) جملة حالية فيها تهديد ووعيد . أي إن من كان الله مطلعا على أعماله مشاهدا له في جميع أحواله لا يناسبه أن يكفر بآياته ، فلا يجامع العلم بأن الله مطلع على جميع أعمال الكفر بآيات الله ؛ لأن من تيقن أن الله مجازيه لا يكاد يقع منه الكفر الذي هو أعظم الكبائر . وأتت صيغة " شهيد " لتدل على المبالغة بحسب المتعلق ؛ لأن الشهادة يراد بها العلم في حق الله وصفاته تعالى من حيث هي هي لا تقبل التفاوت بالزيادة والنقصان . فإذا جاءت الصفة من أوصافه للمبالغة فذلك بحسب متعلقاتها . وتقدم الكلام على " لم " وحذف الألف من " ما " الاستفهامية إذا دخل عليها الجار . وقوله : " على ما تعملون " متعلق بقوله : شهيد ، و " ما " موصولة . وجوزوا [ ص: 14 ] أن تكون مصدرية ، أي على عملكم .