الفرع التاسع : اعلم أن أظهر أقوال أهل العلم عندي : أنه ، وإن كان كفر لزمته بالجماع الثاني كفارة أخرى ، كما أنه إن زنى مرارا قبل إقامة الحد عليه كفاه حد واحد إجماعا ، وإن زنى بعد إقامة الحد عليه لزمه حد آخر ، [ ص: 35 ] وهذا هو مذهب الإمام إذا جامع مرارا قبل أن يكفر كفاه هدي واحد أحمد ، وممن قال به بأنه يكفيه هدي واحد مطلقا : مالك ، وإسحاق ، وعطاء .
والأصح في مذهب : أنه يلزمه في الجماع الأول بدنة ، وفي كل مرة بعد ذلك شاة . وعن الشافعي : تلزمه بكل مرة بدنة ، وهو رواية عن أبي ثور أحمد .
وعن أبي حنيفة : إن كان ذلك في مجلس واحد . فدم واحد وإلا فدمان .
واعلم أنهم اختلفوا فيما إذا ومذهب جامع ناسيا لإحرامه ؟ أبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد : أن العمد والنسيان سواء بالنسبة إلى فساد الحج ، وهو قول ، وهو قوله القديم . وقال في الجديد : إن وطئ ناسيا أو جاهلا لا يفسد حجه ولا شيء عليه ، أما إن قبل امرأته ناسيا لإحرامه ، فليس عليه شيء عند للشافعي وأصحابه قولا واحدا . الشافعي
وقال في " المغني " : ابن قدامة
ينبغي أن يكون الأمر كذلك في المذهب الحنبلي .
واعلم أن الجماع المفسد للحج هو التقاء الختانين الموجب للحد والغسل ، كما قدمناه في كلام مالك في " الموطأ " ، والأظهر أن الإتيان في الدبر كالجماع في إفساد الحج ، وكذلك الزنا أعاذنا الله وإخواننا المسلمين من فعل كل ما لا يرضي الله تعالى .
وقد قدمنا أن أظهر قولي أهل العلم عندنا أنه يفرق بين الزوجين اللذين أفسدا حجهما ، وذلك التفريق بينهما في حجة القضاء . لا في جميع السنة .
وظاهر الآثار المتقدمة أن ذلك التفريق بينهما إنما يكون من الموضع الذي جامعها فيه ، وعن مالك : يفترقان من حيث يحرمان ، ولا ينتظر موضع الجماع ، وهو رواية عن أحمد ، وهو أظهر . وعن مالك وأحمد : أن التفريق المذكور واجب وهو قول أو وجه عند الشافعية ، والثاني عندهم : أنه مستحب وهو وجه أيضا عن الحنابلة ، وممن قال بالتفريق بينهما : ، عمر بن الخطاب وعثمان ، ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، والثوري وإسحاق ، وابن المنذر . كما نقله عنهم النووي في " شرح المهذب " ونقله في " المغني " ، عن ابن قدامة عمر ، ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب وعطاء ، والنخعي ، وأصحاب الرأي وغيرهم ، وعن والثوري أبي حنيفة وعطاء : لا يفرق بينهما ، ولا يفترقان قياسا على الجماع في نهار رمضان ، فإنهما إذا قضيا اليوم الذي أفسداه لا يفرق بينهما .
واعلم أنا قدمنا خلاف العلماء في الهدي الذي على المفسد حجه بالجماع ، وذكرنا أنه عند مالك والشافعي وأحمد : بدنة ، وهو قول جماعات من الصحابة وغيرهم منهم ابن [ ص: 36 ] عباس ، ، وطاوس ومجاهد ، ، والثوري ، وأبو ثور وإسحاق ، وغيرهم . ولم نتكلم على ما يلزمه إن عجز عن البدنة ، وفي ذلك خلاف بين أهل العلم ، فذهب بعضهم إلى أنه إن عجز عن البدنة كفته شاة ، وممن قال به ، الثوري وإسحاق ، وذهب بعضهم : إلى أنه إن لم يجد بدنة فبقرة ، فإن لم يجد بقرة فسبع من الغنم ، فإن لم يجد أخرج بقيمة البدنة طعاما ، فإن لم يجد صام عن كل مد يوما ، وهذا هو مذهب ، وبه قال جماعة من أهل العلم . وعن الشافعي أحمد رواية : أنه مخير بين هذه الخمسة المذكورة .
واعلم أن المفسد حجه بالجماع إذا قضاه على الوجه الذي أحرم به في حجه الفاسد ، كأن يكون في حجه الفاسد مفردا ويقضيه مفردا أو قارنا ، ويقضيه قارنا فلا إشكال في ذلك وكذلك إن كان مفردا في الحج الذي أفسده وقضاه قارنا فلا إشكال ; لأنه جاء بقضاء الحج مع زيادة العمرة ، وأما إذا كان قارنا في الحج الذي أفسده ثم قضاه مفردا ، فالظاهر أن الدم اللازم له بسبب القران لا يسقط عنه بإفراده في القضاء ، خلافا لمن زعم ذلك .
وقال النووي في " شرح المهذب " : ، فسد حجه وعمرته ، ولزمه المضي في فاسدهما ، وتلزمه بدنة للوطء ، وشاة بسبب القران ، فإذا قضى لزمته أيضا شاة أخرى ، سواء قضى قارنا ، أم مفردا لأنه توجب عليه القضاء قارنا ، فإذا قضى مفردا لا يسقط عنه دم القران . قال إذا وطئ القارن العبدري : وبهذا كله قال مالك ، وأحمد .
وقال أبو حنيفة : إن وطئ قبل طواف العمرة ، فسد حجه وعمرته ، ولزمه المضي في فاسدهما والقضاء ، وعليه شاتان : شاة لإفساد الحج ، وشاة لإفساد العمرة ويسقط عنه دم القران ، فإن وطئ بعد طواف العمرة فسد حجه ، وعليه قضاؤه وذبح شاة ، ولا تفسد عمرته فتلزمه بدنة بسببها ، ويسقط عنه دم القران .
قال ابن المنذر ، وممن قال يلزمه هدي واحد : عطاء ، ، وابن جريج ومالك ، ، والشافعي وإسحاق ، . وقال وأبو ثور الحكم : يلزمه هديان انتهى من " شرح المهذب " .
وقد قدمنا أن الأظهر عندنا : أن الزوجين المفسدين حجهما بالجماع تلزم كل واحد منهما بدنة ، إن كانت مطاوعة له ، وهو مذهب مالك . وبه قال النخعي ، وهو أحد القولين . للشافعي
قال النووي : قال ابن المنذر : وأوجب ، ابن عباس ، وابن المسيب والضحاك والحكم ، وحماد ، ، والثوري على كل واحد منهما هديا ، وقال وأبو ثور النخعي ومالك : [ ص: 37 ] على كل واحد منهما بدنة .
وقال أصحاب الرأي : إن كان قبل عرفة ، فعلى كل واحد منهما شاة ، وعن أحمد روايتان :
إحداهما : يجزئهما هدي واحد .
والثانية : على كل واحد منهما هدي ، وقال عطاء وإسحاق : لزمهما هدي واحد .