الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون . قد تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه ، أن إن المكسورة المشددة من حروف التعليل ، كقولك : عاقبه إنه مسئ ، أي : لأجل إساءته ، وقوله في هذه الآية : إنه كان فريق من عبادي ، يدل فيه لفظ إن المكسورة المشددة ، على أن الأسباب التي أدخلتهم النار هو استهزاؤهم ، وسخريتهم من الفريق المؤمن الذي يقول : ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين ، فالكفار يسخرون من ضعفاء المؤمنين في الدنيا حتى ينسيهم ذلك ذكر الله ، والإيمان به فيدخلون بذلك النار .

                                                                                                                                                                                                                                      وما ذكره تعالى في هاتين الآيتين الكريمتين أشار له في غير هذا الموضع ، كقوله تعالى : إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون [ 83 \ 29 - 30 ] وكقوله تعالى : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا الآية [ 6 \ 53 ] وكل ذلك احتقار منهم لهم ، وإنكارهم أن الله يمن عليهم بخير ، وكقوله تعالى : أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة الآية [ 7 \ 49 ] ، وقوله تعالى عنهم : لو كان خيرا ما سبقونا إليه [ 46 \ 11 ] وكل ذلك احتقار منهم لهم ، وقوله : فاتخذتموهم سخريا [ 23 \ 110 ] والسخري بالضم والكسر : مصدر سخر منه ، إذا استهزأ به على سبيل الاحتقار ، قال الزمخشري في ياء النسب : زيادة في الفعل ، كما قيل في الخصوصية بمعنى الخصوص ، ومعناه : أن الياء المشددة في آخره تدل على زيادة سخرهم منهم ومبالغتهم في ذلك ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي : سخريا بضم السين ، والباقون بكسرها ومعنى القراءتين واحد ، وهو سخرية الكفار واستهزاؤهم بضعفاء المؤمنين ، كما بينا ، وممن قال بأن معناهما واحد : الخليل وسيبويه ، وهو الحق إن شاء الله تعالى . وعن الكسائي والفراء : أن السخري بكسر السين من قبيل ما ذكرنا من الاستهزاء ، وأن السخري بضم السين من التسخير ، الذي هو التذليل والعبودية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 361 ] والمعنى : أن الكفار يسخرون ضعفاء المؤمنين ، ويستعبدونهم كما كان يفعله أمية بن خلف ببلال ، ولا يخفى أن الصواب هو ما ذكرنا إن شاء الله تعالى ، وحتى في قوله : حتى أنسوكم ذكري حرف غاية ; لاتخاذهم إياهم سخريا ، أي : لم يزالوا كذلك ، حتى أنساهم ذلك ذكر الله والإيمان به ، فكان مأواهم النار ، والعياذ بالله .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية