قوله تعالى : وما جعل عليكم في الدين من حرج ، الحرج : الضيق كما أوضحناه في أول سورة الأعراف .
وقد بين تعالى في هذه الآية الكريمة : أن هذه الحنيفية السمحة التي جاء بها سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، أنها مبنية على التخفيف والتيسير ، لا على الضيق والحرج ، وقد رفع الله فيها الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا .
وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة ذكره - جل وعلا - في غير هذا الموضع كقوله تعالى : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [ 2 \ 185 ] وقوله : يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا [ 4 \ 28 ] وقد ثبت في صحيح مسلم من [ ص: 301 ] حديث ، أبي هريرة وابن عباس ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ 2 \ 286 ] قال الله : " قد فعلت " في رواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قرأ خواتم سورة البقرة : ، وفي رواية ابن عباس قال : نعم . ومن رفع الحرج في هذه الشريعة الرخصة في قصر الصلاة في السفر والإفطار في رمضان فيه ، وصلاة العاجز عن القيام قاعدا وإباحة المحظور للضرورة ; كما قال تعالى : أبي هريرة وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه الآية [ 6 \ 119 ] إلى غير ذلك من أنواع التخفيف والتيسير ، وما تضمنته هذه الآية الكريمة والآيات التي ذكرنا معها من رفع الحرج ، والتخفيف في شريعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، هو إحدى القواعد الخمس ، التي بني عليها الفقه الإسلامي وهي هذه الخمس .
الأولى : الضرر يزال ومن أدلتها حديث : " لا ضرر ولا ضرار " .
الثانية : المشقة تجلب التيسير : وهي التي دل عليها قوله هنا وما جعل عليكم في الدين من حرج [ 22 \ 78 ] وما ذكرنا في معناها من الآيات .
الثالثة : لا يرفع يقين بشك ، ومن أدلتها حديث ; لأن تلك الطهارة المحققة لم تنقض بتلك الريح المشكوك فيها . " من أحس بشيء في دبره في الصلاة وأنه لا يقطع الصلاة حتى يسمع صوتا أو يشم ريحا "
الرابعة : تحكيم عرف الناس المتعارف عندهم في صيغ عقودهم ومعاملاتهم ، ونحو ذلك . واستدل لهذه بعضهم بقوله وأمر بالعرف الآية [ 7 \ 199 ] .
الخامسة : الأمور تبع المقاصد ، ودليل هذه حديث الحديث ، وقد أشار في " مراقي السعود " في كتاب الاستدلال إلى هذه الخمس المذكورات بقوله : " إنما الأعمال بالنيات "
قد أسس الفقه على رفع الضرر وأن ما يشق يجلب الوطر ونفى رفع القطع بالشك وأن
يحكم العرف وزاد من فطن كون الأمور تبع المقاصد
مع التكلف ببعض وارد