قوله تعالى : ولا نكلف نفسا إلا وسعها ، ما تضمنته هذه الآية من التخفيف في هذه الحنيفية السمحة ، التي جاء بها نبينا - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرنا طرفا من الآيات الدالة عليه في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى : وما جعل عليكم في الدين من حرج [ 22 \ 78 ] فأغنى ذلك عن إعادته هنا .
قوله تعالى : ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون ، الحق أن المراد بهذا الكتاب : كتاب الأعمال الذي يحصيها الله فيه ، كما يدل عليه قوله تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون [ 45 \ 29 ] وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا المعنى في الكهف ، في الكلام على قوله : ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ، الآية [ 18 \ 49 ] وفي سورة الإسراء في الكلام على قوله : ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا [ 17 \ 13 ] .
والظاهر أن معنى نطق الكتاب بالحق : أن جميع المكتوب فيه حق ، فمن قرأ المكتوب فيه ، كأنه لا ينطق في قراءته له إلا بالحق ، وربما أطلقت العرب اسم الكلام على [ ص: 337 ] الخط ، كما روي عن عائشة أنها قالت : ما بين دفتي المصحف كلام الله ، والله تعالى أعلم .