قال - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا البخاري علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، حدثنا ، عن يزيد بن خصيفة ، عن بسر بن سعيد - رضي الله عنه - قال : أبي سعيد الخدري الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور ، فقال : استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي ، فرجعت ، قال : ما منعك ؟ قلت : استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت ، وقال [ ص: 494 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع " فقال : والله لتقيمن عليه بينة أمنكم أحد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم ، فكنت أصغر القوم فقمت معه ، فأخبرت أبي بن كعب عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك . كنت في مجلس من مجالس
وقال : أخبرني ابن المبارك : حدثني ابن عيينة عن يزيد بن خصيفة بسر ، سمعت أبا سعيد بهذا ، اهـ بلفظه من صحيح . وهو نص صحيح صريح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الاستئذان ثلاث مرات ، فإن لم يؤذن له بعد الثالثة رجع . وقال البخاري - رحمه الله - في صحيحه : حدثني مسلم بن الحجاج ، حدثنا عمرو بن محمد بن بكير الناقد ، حدثنا والله سفيان بن عيينة ، عن يزيد بن خصيفة قال : سمعت بسر بن سعيد - رضي الله عنه - يقول : أبا سعيد الخدري بالمدينة في مجلس الأنصار ، فأتانا أبو موسى فزعا أو مذعورا قلنا : ما شأنك ؟ قال : إن عمر أرسل إلي أن آتيه فأتيت بابه ، فسلمت ثلاثا فلم يرد علي فرجعت فقال : ما منعك أن تأتينا ؟ فقلت : إنني أتيتك ، فسلمت على بابك ثلاثا ، فلم يردوا علي فرجعت ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع " فقال عمر : أقم عليها البينة ، وإلا أوجعتك ، فقال : لا يقوم معه إلا أصغر القوم : قال أبي بن كعب أبو سعيد : قلت : أنا أصغر القوم ، قال : فاذهب به . حدثنا كنت جالسا ، قتيبة بن سعيد وابن أبي عمر قالا : حدثنا سفيان ، عن بهذا الإسناد ، وزاد يزيد بن خصيفة في حديثه : قال ابن أبي عمر أبو سعيد : فقمت معه فذهبت إلى عمر فشهدت ، اهـ بلفظه من صحيح مسلم . وفي لفظ عند مسلم من حديث أبي سعيد قال : : فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا ، قم يا أبي بن كعب أبا سعيد فقمت حتى أتيت عمر فقلت : قد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا . فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا ، فقال
وفي لفظ عند مسلم من حديث أبي سعيد فقال : أبو سعيد : فأتانا فقال : ألم تعلموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الاستئذان ثلاث ، قال فجعلوا يضحكون ، قال فقلت : أتاكم أخوكم المسلم قد أفزع ، تضحكون انطلق فأنا شريكك في هذه العقوبة فأتاه ، فقال هذا أبو سعيد . إن كان هذا شيئا حفظته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فها ، وإلا فلأجعلنك عظة ، قال
وفي لفظ عند مسلم من حديث عبيد بن عمير أبا موسى استأذن على عمر ثلاثا إلى قوله : قال لتقيمن على هذا بينة ، أو لأفعلن فخرج فانطلق إلى مجلس من الأنصار ، [ ص: 495 ] فقالوا : لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا ، فقام أبو سعيد ، فقال : كنا نؤمر بهذا ، فقال عمر : خفي علي هذا من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألهاني عنه الصفق في الأسواق ، وفي لفظ عند أن مسلم من حديث - رضي الله عنه - قال : أبي موسى الأشعري أبو موسى قال عمر : إن وجد بينة تجدوه عند المنبر عشية ، وإن لم يجد بينة فلم تجدوه ، فلما أن جاء العشي وجدوه ، قال يا أبا موسى : ما تقول أقد وجدت ؟ قال : نعم - رضي الله عنه - قال عدل ، يا أبي بن كعب أبا الطفيل ما يقول هذا ؟ قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك يا ابن الخطاب فلا تكونن عذابا على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال سبحان الله : إنما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت ، وفي لفظ لتأتيني على هذا وإلا فعلت وفعلت ، فذهب لمسلم : أن عمر قال لأبي : يا أبا المنذر آنت سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : نعم ، فلا تكن يا ابن الخطاب عذابا على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس في هذه الرواية قول عمر : سبحان الله ، وما بعده .
فهذه الروايات الصحيحة عن أبي سعيد وأبي موسى ، - رضي الله عنهم - تدل دلالة صحيحة صريحة على أن الاستئذان ثلاث ، وقال وأبي بن كعب النووي في شرح مسلم : وأما قوله لا يقوم معه إلا أصغر القوم ، فمعناه أن هذا حديث مشهور بيننا معروف لكبارنا ، وصغارنا ، حتى إن أصغرنا يحفظه وسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهـ منه ، والظاهر منه كما قال ، وهذه الروايات الصحيحة الصريحة تبين أن هذا الاستئذان المعبر عنه في الآية بالاستئناس ، والسلام المذكور فيها لا يزاد فيه على ثلاث مرات ، وأن الاستئناس المذكور في الآية ، هو الاستئذان المكرر ثلاثا ; لأن خير ما يفسر به كتاب الله بعد كتاب الله سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثابتة عنه ، وبذلك تعلم أن ما قاله ابن حجر في فتح الباري : من أن حتى تستأنسوا " : الاستئذان بتنحنح ، ونحوه عند الجمهور خلاف التحقيق ، وما استدل به لذلك من رواية المراد بالاستئناس في قوله تعالى : " من طريق الطبري مجاهد تفسير الآية بما ذكر إلى آخر ما ذكر من الأدلة لا يعول عليه ، وأن الحق هو ما جاءت به الروايات الصحيحة من الاستئذان والتسليم ثلاثا كما رأيت .
وأن الصواب في ذلك هو ما نقله ابن حجر عن من طريق الطبري قتادة قال : الاستئناس هو الاستئذان ثلاثا إلى آخره ، والرواية الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : يؤيدها أنه - صلى الله عليه وسلم - كذلك كان يفعل . الاستئذان ثلاث
قال ابن حجر في الفتح : وفي رواية ، التي أشرت إليها في الأدب المفرد ، زيادة مفيدة ، وهي أن عبيد بن حنين أبا سعيد ، أو أبا [ ص: 496 ] مسعود قال لعمر : خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد ، حتى أتاه فسلم ، فلم يؤذن له ، ثم سلم الثانية فلم يؤذن له ، ثم سلم الثالثة ، فلم يؤذن له ، فقال : " قضينا ما علينا " ، ثم رجع فأذن له سعد بن عبادة سعد ، الحديث ، فثبت ذلك من قوله - صلى الله عليه وسلم - ومن فعله ، وقصة هذه أخرجها سعد بن عبادة أبو داود من حديث مطولة بمعناه ، قيس بن سعد بن عبادة وأحمد من طريق ثابت ، عن أنس أو غيره كذا فيه ، وأخرجه البزار عن أنس بغير تردد ، وأخرجه من حديث الطبراني أم طارق مولاة سعد ، اهـ محل الغرض منه ، وقوله : فثبت ذلك من قوله - صلى الله عليه وسلم - ومن فعله : يدل على أن قصة استئذانه - صلى الله عليه وسلم - على صحيحة ثابتة ، وقال سعد بن عبادة ابن كثير في تفسير هذه الآية : وقال : حدثنا الإمام أحمد عبد الرزاق ، أخبرنا عمر عن ثابت ، عن أنس أو غيره ، فقال : " السلام عليك ورحمة الله " ، فقال سعد بن عبادة سعد : وعليك السلام ورحمة الله ، ولم يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى سلم ثلاثا ورد عليه سعد ثلاثا ولم يسمعه فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتبعه سعد ، فقال : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي أنت وأمي ، ما سلمت تسيلمة إلا وهي بأذني ولقد رددت عليك ولم أسمعك ، وأردت أن أستكثر من سلامك ومن البركة ، ثم أدخله البيت فقرب إليه زبيبا فأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغ قال " : أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون " وقد روى " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استأذن على أبو داود من حديث والنسائي ، سمعت أبي عمرو الأوزاعي يقول : حدثني يحيى بن أبي كثير محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة ، عن - قال " : قيس بن سعد - هو ابن عبادة سعد ردا خفيا فقلت ألا تأذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : دعه يكثر علينا من السلام ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " السلام عليكم ورحمة الله " ، فرد سعد ردا خفيا ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " السلام عليكم ورحمة الله " ، ثم رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتبعه سعد ، فقال : يا رسول الله إني كنت أسمع سلامك وأرد عليك ردا خفيا لتكثر علينا من السلام فانصرف معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ، وذكر زارنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منزلنا فقال : " السلام عليكم ورحمة الله " فرد ابن كثير القصة إلى آخرها ، ثم قال : وقد روى هذا من وجوه أخرى ، فهو حديث جيد قوي والله أعلم .
وبما ذكرنا تعلم أن الاستئناس في الآية الاستئذان ثلاثا ، وليس المراد به التنحنح ونحوه ، كما عزاه في فتح الباري للجمهور ، واختلف وقال هل يقدم السلام أو الاستئذان ؟ النووي في شرح مسلم : أجمع العلماء على أن الاستئذان مشروع ، وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة وإجماع الأمة ، : أن والسنة ، كما صرح به في القرآن ، واختلفوا في أنه يسلم ويستأذن ثلاثا فيجمع بين السلام [ ص: 497 ] والاستئذان والصحيح الذي جاءت به السنة ، وقاله المحققون : أنه يقدم السلام ، فيقول : السلام عليكم أأدخل ؟ والثاني يقدم الاستئذان ، والثالث وهو اختيار هل يستحب تقديم السلام ، ثم الاستئذان أو تقديم الاستئذان ثم السلام الماوردي من أصحابنا إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام ، وإلا قدم الاستئذان ، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان في تقديم السلام ، انتهى محل الغرض منه بلفظه . ولا يخفى أن ما صح فيه حديثان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدم على غيره ، فلا ينبغي العدول عن تقديم السلام على الاستئذان ، وتقديم الاستئناس الذي هو الاستئذان على السلام في قوله : حتى تستأنسوا وتسلموا [ 24 \ 27 ] لا يدل على تقديم الاستئذان ; لأن العطف بالواو لا يقتضي الترتيب ، وإنما يقتضي مطلق التشريك ، فيجوز عطف الأول على الأخير بالواو كقوله تعالى : يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين [ 3 \ 43 ] والركوع قبل السجود ، وقوله تعالى : ومنك ومن نوح الآية [ 33 \ 7 ] ونوح قبل نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهذا معروف ولا ينافي ما ذكرنا أن الواو ربما عطف بها مرادا بها الترتيب; كقوله تعالى : إن الصفا والمروة الآية [ 2 \ 158 ] وقد قال - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية " : أبدأ بما بدأ الله به " بصيغة الأمر ، وكقول " ابدءوا بما بدأ الله به " حسان - رضي الله عنه - :
هجوت محمدا وأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
على رواية الواو في هذا البيت .
وإيضاح ذلك أن الواو عند التجرد من القرائن والأدلة الخارجية لا تقتضي إلا مطلق التشريك بين المعطوف ، والمعطوف عليه ، ولا ينافي ذلك أنه إن قام دليل على إرادة الترتيب في العطف ، كالحديث المذكور في البدء بالصفا ، أو دلت على ذلك قرينة كالبيت المذكور ; لأن جواب الهجاء لا يكون إلا بعده ، أنها تدل على الترتيب لقيام الدليل أو القرينة على ذلك ، والآية التي نحن بصددها لم يقم دليل راجح ، ولا قرينة على إرادة الترتيب فيها بالواو ، اهـ .
وذكر ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنن وغيرها تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكرر منه تعليم الاستئذان لمن لا يعلمه ، بأن يقول : السلام عليكم ، أأدخل ؟ فانظره ، وقد قدمنا أن النووي ذكر أنه صح فيه حديثان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمختار أن [ ص: 498 ] التي لا ينبغي العدول عنها أن يقول المستأذن : السلام عليكم أأدخل ؟ فإن لم يؤذن له بعد الثالثة انصرف ، كما دلت عليه الأدلة . صيغة الاستئذان
واعلم أن الأحاديث الواردة في قصة عمر مع أبي موسى في الصحيح في سياقها تغاير ; لأن في بعضها : أن عمر أرسل إلى أبي موسى بعد انصرافه ، فرده من حينه ، وفي بعضها أنه لم يأته إلا في اليوم الثاني ، وجمع بينها ابن حجر في الفتح قال : وظاهر هذين السياقين التغاير ، فإن الأول يقتضي أنه لم يرجع إلى عمر إلا في اليوم الثاني ، وفي الثاني أنه أرسل إليه في الحال إلى أن قال ويجمع بينهما : بأن عمر لما فرغ من الشغل الذي كان فيه تذكره فسأل عنه فأخبر برجوعه ، فأرسل إليه ، فلم يجده الرسول في ذلك الوقت ، وجاء هو إلى عمر في اليوم الثاني ، اهـ . منه ، والعلم عند الله تعالى .