قوله تعالى : وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا .
أمر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة الناس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ( لأن أمر القدوة أمر لأتباعه كما قدمنا ) أن يقولوا : " الحمد لله " أي : كل ثناء جميل لائق بكماله وجلاله ، ثابت له ، مبينا أنه منزه عن الأولاد والشركاء والعزة بالأولياء ، سبحانه وتعالى عن ذلك كله علوا كبيرا .
فبين تنزهه عن الولد والصاحبة في مواضع كثيرة ; كقوله : قل هو الله أحد [ 112 \ 1 ] إلى آخر السورة ، وقوله : وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا [ 72 \ 3 ] ، وقوله : بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم [ 6 \ 101 ] ، وقوله : وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا [ ص: 190 ] الآية [ 19 \ 88 - 92 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وبين في مواضع أخر : أنه لا شريك له في ملكه ، أي ولا في عبادته ; كقوله : وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير [ 34 \ 22 ] ، وقوله : لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ 40 \ 16 ] ، وقوله : تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير [ 67 \ 1 ] ، وقوله : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء الآية [ 3 \ 26 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة .
ومعنى قوله في هذه الآية : ولم يكن له ولي من الذل [ 17 \ 111 ] ، يعني أنه لا يذل فيحتاج إلى ولي يعز به ; لأنه هو العزيز القهار ، الذي كل شيء تحت قهره وقدرته ، كما بينه في مواضع كثيرة كقوله : والله غالب على أمره الآية [ 12 \ 21 ] ، وقوله : أن الله عزيز حكيم [ 2 \ 209 ] والعزيز : الغالب ، وقوله : وهو القاهر فوق عباده [ 6 \ 18 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة .
وقوله وكبره تكبيرا [ 17 \ 111 ] أي عظمه تعظيما شديدا ، ويظهر تعظيم الله في شدة المحافظة على امتثال أمره واجتناب نهيه ، والمسارعة إلى كل ما يرضيه ، كقوله تعالى : ولتكبروا الله على ما هداكم [ 2 \ 185 ] ونحوها من الآيات ، والعلم عند الله تعالى .
وروى في تفسيره هذه الآية الكريمة عن ابن جرير قتادة ، أنه قال : ذكر لنا الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا الآية [ 17 \ 111 ] ، وقال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم الصغير والكبير من أهله هذه الآية : ابن كثير : قلت : وقد جاء في حديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى هذه الآية آية العز ، وفي بعض الآثار : إنها ما قرئت في بيت في ليلة فيصيبه سرق أو آفة . والله أعلم . ثم ذكر حديثا عن أبي يعلى من حديث مقتضاه : أن قراءة هذه الآية تذهب السقم والضر ، ثم قال : إسناده ضعيف ، وفي متنه نكارة . والله تعالى أعلم . أبي هريرة
وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وهذا آخر الجزء الثالث من هذا الكتاب المبارك ، ويليه الجزء الرابع إن شاء الله تعالى ، وأوله سورة الكهف ، وبالله التوفيق .