[ ص: 191 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الكهف
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=32281_28989الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=3ماكثين فيه أبدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا .
علم الله جل وعلا عباده في أول هذه السورة الكريمة أن يحمدوه على أعظم نعمة أنعمها عليهم ; وهي إنزاله على نبينا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العظيم ، الذي لا اعوجاج فيه ، بل هو في كمال الاستقامة ، أخرجهم به من الظلمات إلى النور . وبين لهم فيه العقائد ، والحلال والحرام ، وأسباب دخول الجنة والنار ، وحذرهم فيه من كل ما يضرهم ، وحضهم فيه على كل ما ينفعهم ، فهو النعمة العظمى على الخلق ، ولذا علمهم ربهم كيف يحمدونه على هذه النعمة الكبرى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب الآية [ 18 \ 1 ] .
وما أشار له هنا من عظيم الإنعام والامتنان على خلقه بإنزال هذا القرآن العظيم ، منذرا من لم يعمل به ، ومبشرا من عمل به ، ذكره جل وعلا في مواضع كثيرة ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=174ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما [ 4 \ 174 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون [ 29 \ 51 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=76إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=77وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين [ 27 \ 76 - 77 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين [ 17 \ 82 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء الآية [ 41 \ 44 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=106إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ 21 \ 106 - 107 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=86وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك الآية [ 28 \ 86 ] ،
[ ص: 192 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير [ 35 \ 32 ] .
وهو تصريح منه جل وعلا بأن
nindex.php?page=treesubj&link=18624_24907_18633إيراث هذا الكتاب فضل كبير ، والآيات بمثل هذا كثيرة جدا .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1ولم يجعل له عوجا [ 18 \ 1 ] ، أي لم يجعل في القرآن عوجا ; أي لا اعوجاج فيه ألبتة ، لا من جهة الألفاظ ، ولا من جهة المعاني ، أخباره كلها صدق ، وأحكامه عدل ، سالم من جميع العيوب في ألفاظه ومعانيه ، وأخباره وأحكامه ; لأن قوله : " عوجا " نكرة في سياق النفي ، فهي تعم نفي جميع أنواع العوج .
وما ذكره جل وعلا هنا من أنه لا اعوجاج فيه ، بينه في مواضع أخر كثيرة كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=27ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=28قرءانا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون [ 39 \ 27 - 28 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم [ 6 \ 115 ] . فقوله " صدقا " أي في الأخبار ، وقوله : " عدلا " أي في الأحكام ، وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [ 4 \ 82 ] ، والآيات بمثل هذا كثيرة جدا .
وقوله في هذه الآية الكريمة : قيما أي مستقيما لا ميل فيه ولا زيغ ، وما ذكره هنا من كونه قيما لا ميل فيه ولا زيغ ، بينه أيضا في مواضع أخر ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة [ 98 \ 1 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم الآية [ 17 \ 9 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين [ 10 \ 37 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين [ 2 \ 1 - 2 ] ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير [ 11 \ 1 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا [ 42 \ 52 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
[ ص: 193 ] وهذا الذي فسرنا به قوله تعالى : قيما هو قول الجمهور وهو الظاهر . وعليه فهو تأكيد في المعنى لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1ولم يجعل له عوجا [ 18 \ 1 ] ; لأنه قد يكون الشيء مستقيما في الظاهر وهو لا يخلو من اعوجاج في حقيقة الأمر ، ولذا جمع تعالى بين نفي العوج وإثبات الاستقامة . وفي قوله : " قيما " وجهان آخران من التفسير :
الأول : أن معنى كونه " قيما " أنه قيم على ما قبله من الكتب السماوية ، أي مهيمن عليها ، وعلى هذا التفسير فالآية كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه الآية [ 5 \ 15 ] .
ولأجل هيمنته على ما قبله من الكتب ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=76إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون الآية [ 27 \ 76 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=93قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين [ 3 \ 93 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=15ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب الآية [ 5 \ 15 ] .
الوجه الثاني : أن معنى كونه " قيما " : أنه قيم بمصالح الخلق الدينية والدنيوية . وهذا الوجه في الحقيقة يستلزمه الوجه الأول .
واعلم أن علماء العربية اختلفوا في إعراب قوله : " قيما " فذهب جماعة إلى أنه حال من الكتاب ، وأن في الآية تقديما وتأخيرا ، وتقريره على هذا : أنزل على عبده الكتاب في حال كونه قيما ولم يجعل له عوجا ، ومنع هذا الوجه من الإعراب
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف قائلا : إن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1ولم يجعل له عوجا [ 18 \ 1 ] ، معطوف على صلة الموصول التي هي جملة :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1أنزل على عبده الكتاب ، والمعطوف على الصلة داخل في حيز الصلة ، فجعل " قيما " حالا من " الكتاب " يؤدي إلى الفصل بين الحال وصاحبها ببعض الصلة ، وذلك لا يجوز ، وذهب جماعة آخرون إلى أن " قيما " حال من " الكتاب " ، وأن المحذور الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري منتف ، وذلك أنهم قالوا : إن جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1ولم يجعل له عوجا ليست معطوفة على الصلة ، وإنما هي جملة حالية . وقوله " قيما " حال بعد حال ، وتقريره أن المعنى : أنزل على عبده الكتاب في حال كونه غير جاعل فيه عوجا ، وفي حال كونه قيما . وتعدد الحال لا إشكال فيه ، والجمهور على جواز تعدد الحال مع اتحاد عامل الحال وصاحبها ، كما أشار له في الخلاصة بقوله :
والحال قد يجيء ذا تعدد لمفرد فاعلم وغير مفرد
[ ص: 194 ] وسواء كان ذلك بعطف أو بدون عطف ، فمثاله مع العطف قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=39أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين [ 3 \ 39 ] ، ومثاله بدون عطف قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=150ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا الآية [ 7 \ 150 ] . وقول الشاعر :
علي إذا ما جئت ليلى بخفية زيارة بيت الله رجلان حافيا
ونقل عن
أبي الحسن بن عصفور منع تعدد الحال ما لم يكن العامل فيه صيغة التفضيل في نحو قوله : هذا بسرا أطيب منه رطبا . ونقل منع ذلك أيضا عن
الفارسي وجماعة ، وهؤلاء الذين يمنعون تعدد الحال يقولون : إن الحال الثانية إنما هي حال من الضمير المستكن في الحال الأولى ، والأولى عندهم هي العامل في الثانية ، فهي عندهم أحوال متداخلة ، أو يجعلون الثانية نعتا للأولى ، وممن اختار أن جملة ولم يجعل حالية ، وأن قيما حال بعد حال -
الأصفهاني .
وذهب بعضهم إلى أن قوله : قيما بدل من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1ولم يجعل له عوجا ; لأن انتفاء العوج عنه هو معنى كونه قيما .
وعزا هذا القول
الرازي وأبو حيان لصاحب حل العقد ، وعليه فهو بدل مفرد من جملة .
كما قالوا في : عرفت زيدا أبو من ، أنه بدل جملة من مفرد ، وفي جواز ذلك خلاف عند علماء العربية .
وزعم قوم أن قيما حال من الضمير المجرور في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1ولم يجعل له عوجا ، واختار
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وغيره أن قيما منصوب بفعل محذوف ، وتقديره : ولم يجعل له عوجا وجعله قيما ، وحذف ناصب الفضلة إذا دل عليه المقام جائز ، كما قال في الخلاصة :
ويحذف الناصبها إن علما وقد يكون حذفه ملتزما
وأقرب أوجه الإعراب في قوله : " قيما " أنه منصوب بمحذوف ، أو حال ثانية من " الكتاب " والله تعالى أعلم .
وقوله في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2لينذر بأسا شديدا [ 18 \ 2 ] اللام فيه متعلقة
[ ص: 195 ] بـ أنزل ، وقال
الحوفي : هي متعلقة بقوله : قيما ، والأول هو الظاهر .
والإنذار : الإعلام المقترن بتخويف وتهديد ، فكل إنذار إعلام ، وليس كل إعلام إنذارا ، والإنذار يتعدى إلى مفعولين ، كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=14فأنذرتكم نارا تلظى [ 92 \ 14 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40إنا أنذرناكم عذابا قريبا الآية [ 38 \ 40 ] .
وفي أول هذه السورة الكريمة كرر تعالى الإنذار ، فحذف في الموضع الأول مفعول الإنذار الأول ، وحذف في الثاني المفعول الثاني ، فصار المذكور دليلا على المحذوف في الموضعين . وتقدير المفعول الأول المحذوف في الموضع الأول : لينذر الذين كفروا بأسا شديدا من لدنه ، وتقدير المفعول الثاني المحذوف في الموضع الثاني : وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا بأسا شديدا من لدنه .
وقد أشار تعالى في هذه الآية الكريمة إلى أن هذا
nindex.php?page=treesubj&link=29568القرآن العظيم تخويف وتهديد للكافرين ، وبشارة للمؤمنين المتقين ; إذ قال في تخويف الكفرة به :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2لينذر بأسا شديدا من لدنه [ 18 \ 2 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا الآية [ 18 \ 4 ] ، وقال في بشارته للمؤمنين :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا الآية [ 18 \ 2 ] .
وهذا الذي ذكره هنا من كونه إنذارا لهؤلاء وبشارة لهؤلاء بينه في مواضع أخر ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=97فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا [ 19 \ 97 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1المص nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=2كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين [ 7 \ 1 - 2 ] .
وقد أوضحنا هذا المبحث في أول سورة " الأعراف " ، وأوضحنا هنالك المعاني التي ورد بها الإنذار في القرآن . والبأس الشديد الذي أنذرهم إياه : هو العذاب الأليم في الدنيا والآخرة . والبشارة : الخير بما يسر .
وقد تطلق العرب البشارة على الإخبار بما يسوء ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=7فبشره بعذاب أليم [ 45 \ 8 ] ومنه قول الشاعر :
وبشرتني يا سعد أن أحبتي جفوني وقالوا الود موعده الحشر
وقول الآخر :
[ ص: 196 ] يبشرني الغراب ببين أهلي فقلت له ثكلتك من بشير
والتحقيق : أن إطلاق البشارة على الإخبار بما يسوء ، أسلوب من أساليب اللغة العربية ، ومعلوم أن علماء البلاغة يجعلون مثل ذلك مجازا ، ويسمونه استعارة عنادية ، ويقسمونها إلى تهكمية وتلميحية كما هو معروف في محله .
وقوله في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2الذين يعملون الصالحات [ 18 \ 2 ] بينت المراد به آيات أخر ، فدلت على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30508_30513_30515العمل لا يكون صالحا إلا بثلاثة أمور :
الأول : أن يكون مطابقا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، فكل عمل مخالف لما جاء به صلوات الله وسلامه عليه فليس بصالح ، بل هو باطل ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وما آتاكم الرسول فخذوه الآية [ 59 \ 7 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=80من يطع الرسول فقد أطاع الله [ 4 \ 10 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله الآية [ 3 \ 31 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=21أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله الآية [ 42 \ 21 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
الثاني : أن يكون العامل مخلصا في عمله لله فيما بينه وبين الله ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين الآية [ 98 \ 5 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=11قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=12وأمرت لأن أكون أول المسلمين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=13قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=14قل الله أعبد مخلصا له ديني nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=15فاعبدوا ما شئتم من دونه [ 39 \ 11 - 15 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
الثالث : أن يكون العمل مبنيا على أساس الإيمان والعقيدة الصحيحة ; لأن العمل كالسقف ، والعقيدة كالأساس ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن الآية [ 16 \ 97 ] ، فجعل الإيمان قيدا في ذلك .
وبين مفهوم هذا القيد في آيات كثيرة ، كقوله في أعمال غير المؤمنين :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=23وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا [ 25 \ 23 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39أعمالهم كسراب الآية [ 24 \ 39 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18أعمالهم كرماد اشتدت به الريح الآية [ 14 \ 18 ] ، إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه .
والتحقيق : أن مفرد الصالحات في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2يعملون الصالحات ، وقوله :
[ ص: 197 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وعملوا الصالحات [ 2 \ 25 ] ، ونحو ذلك - أنه : صالحة ، وأن العرب تطلق لفظة الصالحة على الفعلة الطيبة ; كإطلاق اسم الجنس لتناسي الوصفية ، كما شاع ذلك الإطلاق في الحسنة مرادا بها الفعلة الطيبة .
ومن إطلاق العرب لفظ الصالحة على ذلك ، قول
nindex.php?page=showalam&ids=9920أبي العاص بن الربيع في زوجه
nindex.php?page=showalam&ids=437زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بنت الأمين جزاك الله صالحة وكل بعل سيثني بالذي علما
وقول
الحطيئة :
كيف الهجاء ولا تنفك صالحة من آل لأم بظهر الغيب تأتيني
وسئل أعرابي عن الحب فقال :
الحب مشغلة عن كل صالحة وسكرة الحب تنفي سكرة الوسن
وقوله في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2أن لهم أجرا حسنا ، أي وليبشرهم بأن لهم أجرا حسنا . الأجر : جزاء العمل ، وجزاء عملهم المعبر عنه هنا بالأجر : هو الجنة . ولذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=3ماكثين فيه [ 18 \ 3 ] ، وذكر الضمير في قوله : فيه ; لأنه راجع إلى الأجر وهو مذكر ، وإن كان المراد بالأجر الجنة . ووصف أجرهم هنا بأنه حسن ، وبين أوجه حسنه في آيات كثيرة ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=13ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين - إلى قوله -
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=39ثلة من الأولين وثلة من الآخرين [ 56 \ 13 - 16 ] ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين الآية [ 56 \ 39 - 40 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا معلومة .
وقوله في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=3ماكثين فيه أبدا ، أي خالدين فيه بلا انقطاع .
وقد بين هذا المعنى في مواضع أخر كثيرة ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ [ 11 \ 108 ] أي غير مقطوع ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=54إن هذا لرزقنا ما له من نفاد [ 38 \ 54 ] ، أي ما له من انقطاع وانتهاء ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ 16 \ 96 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=17والآخرة خير وأبقى [ 87 \ 17 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا [ 18 \ 4 ] ،
[ ص: 198 ] أي ينذرهم بأسا شديدا ، من لدنه أي من عنده كما تقدم . وهذا من عطف الخاص على العام ; لأن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2لينذر بأسا شديدا من لدنه شامل للذين قالوا اتخذ الله ولدا ، ولغيرهم من سائر الكفار .
وقد تقرر في فن المعاني : أن عطف الخاص على العام إذا كان الخاص يمتاز عن سائر أفراد العام بصفات حسنة أو قبيحة من الإطناب المقبول ، تنزيلا للتغاير في الصفات منزلة التغاير في الذوات .
ومثاله في الممتاز عن سائر أفراد العام بصفات حسنة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وملائكته ورسله وجبريل الآية [ 2 \ 98 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح [ 33 \ 7 ] .
ومثاله في الممتاز بصفات قبيحة الآية التي نحن بصددها ، فإن
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4الذين قالوا اتخذ الله ولدا امتازوا عن غيرهم بفرية شنعاء ، ولذا ساغ عطفهم على اللفظ الشامل لهم ولغيرهم .
والآيات الدالة على شدة عظم فريتهم كثيرة جدا . كقوله هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كبرت كلمة تخرج من أفواههم [ 18 \ 5 ] الآية ، وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=88وقالوا اتخذ الرحمن ولدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=89لقد جئتم شيئا إدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=90تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=91أن دعوا للرحمن ولدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=92وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا [ 19 \ 88 - 92 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=40أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما [ 17 \ 40 ] ، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة .
وقد قدمنا أن القرآن بين أن
nindex.php?page=treesubj&link=32430_32421_29254_29705الذين نسبوا الولد لله - سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا - ثلاثة أصناف من الناس :
اليهود ،
والنصارى ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم الآية [ 9 \ 30 ] ، والصنف الثالث مشركو العرب ; كما قال تعالى عنهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون [ 16 \ 57 ] ، والآيات بنحوها كثيرة معلومة .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5ما لهم به من علم ولا لآبائهم [ 18 \ 5 ] ، يعني أن ما نسبوه له جل وعلا من اتخاذ الولد لا علم لهم به ; لأنه مستحيل .
والآية تدل دلالة واضحة على أن نفي الفعل لا يدل على إمكانه ; ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=57وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون [ 2 \ 57 ] ; لأن ظلمهم
[ ص: 199 ] لربنا وحصول العلم لهم باتخاذه الولد كل ذلك مستحيل عقلا .
فنفيه لا يدل على إمكانه ، ومن هذا القبيل قول المنطقيين : السالبة لا تقتضي وجود الموضوع ، كما بيناه في غير هذا الموضع .
وما نفاه عنهم وعن آبائهم من العلم باتخاذه الولد سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، بينه في مواضع أخر ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون [ 6 \ 100 ] ، وقوله في آبائهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=104أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون [ 5 \ 104 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كبرت كلمة تخرج من أفواههم [ 18 \ 5 ] يعني أن ما قالوه بأفواههم من أن الله اتخذ ولدا أمر كبير عظيم ; كما بينا الآيات الدالة على عظمه آنفا ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=40إنكم لتقولون قولا عظيما [ 17 \ 40 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=90تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا الآية [ 19 \ 90 ] ، وكفى بهذا كبرا وعظما .
وقال بعض علماء العربية : إن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كبرت كلمة معناه التعجب ، فهو بمعنى ما أكبرها كلمة ، أو أكبر بها كلمة .
والمقرر في علم النحو : أن " فعل " بالضم تصاغ لإنشاء الذم والمدح ، فتكون من باب نعم وبئس ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كبرت كلمة الآية . وإلى هذا أشار في الخلاصة بقوله :
واجعل كبئس ساء واجعل فعلا من ذي ثلاثة كنعم مسجلا
وقوله " كنعم " أي اجعله من باب " نعم " فيشمل بئس ، وإذا تقرر ذلك ففاعل " كبر " ضمير محذوف و كلمة نكرة مميزة للضمير المحذوف ، على حد قوله في الخلاصة . ويرفعان مضمرا يفسره مميز كنعم قوما معشره
والمخصوص بالذم محذوف ، والتقدير : كبرت هي كلمة خارجة من أفواههم تلك المقالة التي فاهوا بها ، وهي قولهم : اتخذ الله ولدا ، وأعرب بعضهم كلمة بأنها حال ، أي كبرت فريتهم في حال كونها كلمة خارجة من أفواههم . وليس بشيء .
[ ص: 200 ] وقال
ابن كثير في تفسيره
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5تخرج من أفواههم ، أي ليس لها مستند سوى قولهم ولا دليل لهم عليها إلا كذبهم وافتراؤهم ، ولذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5إن يقولون إلا كذبا [ 18 \ 5 ] .
وهذا المعنى الذي ذكره
ابن كثير له شواهد في القرآن ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم [ 3 \ 167 ] ونحو ذلك من الآيات .
والكذب : مخالفة الخبر للواقع على أصح الأقوال .
لفظة " كبر " إذا أريد بها غير الكبر في السن فهي مضمومة الباء في الماضي والمضارع ، كقوله هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كبرت كلمة الآية ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون [ 61 \ 3 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51أو خلقا مما يكبر في صدوركم [ 17 \ 51 ] ونحو ذلك .
وإن كان المراد بها الكبر في السن فهي مكسورة الباء في الماضي ، مفتوحتها في المضارع على القياس ، ومن ذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا [ 4 \ 6 ] .
وقول
المجنون :
تعشقت ليلى وهي ذات ذوائب ولم يبد للعينين من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
وقوله في هذا البيت : " صغيرين " شاهد عند أهل العربية في إتيان الحال من الفاعل والمفعول معا .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كبرت كلمة يعني بالكلمة : الكلام الذي هو قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4اتخذ الله ولدا [ 18 \ 4 ] .
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الله يطلق اسم الكلمة على الكلام ، أوضحته آيات أخر ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100كلا إنها كلمة هو قائلها الآية [ 23 \ 100 ] ، والمراد بها قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت [ 23 \ 99 - 100 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [ 11 \ 119 ] ، وما جاء لفظ الكلمة في القرآن إلا مرادا به الكلام المفيد .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : عوجا هو بكسر العين في المعاني كما في هذه الآية الكريمة ، وبفتحها فيما كان منتصبا كالحائط .
[ ص: 201 ] قال
الجوهري في صحاحه : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت : وكل ما كان ينتصب كالحائط والعود قيل فيه " عوج " بالفتح ، والعوج - بالكسر - ما كان في أرض أو دين أو معاش ، يقال : في دينه عوج . اهـ .
وقرأ هذا الحرف
حفص عن
عاصم في الوصل عوجا بالسكت على الألف المبدلة من التنوين سكتة يسيرة من غير تنفس ، إشعارا بأن قيما ليس متصلا بـ عوجا في المعنى ، بل للإشارة إلى أنه منصوب بفعل مقدر ، أي جعله قيما كما قدمنا .
وقرأ
أبو بكر عن
عاصم من لدنه بإسكان الدال مع إشمامها الضم ، وكسر النون والهاء ووصلها بياء في اللفظ ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2ويبشر المؤمنين الذين [ 18 \ 2 ] ، قرأه الجمهور بضم الياء وفتح الباء الموحدة وكسر الشين مشددة ، وقرأه
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " يبشر " بفتح الياء وإسكان الباء الموحدة وضم الشين .
[ ص: 191 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الْكَهْفِ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=32281_28989الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=3مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا .
عَلَّمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عِبَادَهُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ أَنْ يَحْمَدُوهُ عَلَى أَعْظَمِ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا عَلَيْهِمْ ; وَهِيَ إِنْزَالُهُ عَلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ، الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ ، بَلْ هُوَ فِي كَمَالِ الِاسْتِقَامَةِ ، أَخْرَجَهُمْ بِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ . وَبَيَّنَ لَهُمْ فِيهِ الْعَقَائِدَ ، وَالْحَلَالَ وَالْحَرَامَ ، وَأَسْبَابَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَحَذَّرَهُمْ فِيهِ مِنْ كُلِّ مَا يَضُرُّهُمْ ، وَحَضَّهُمْ فِيهِ عَلَى كُلِّ مَا يَنْفَعُهُمْ ، فَهُوَ النِّعْمَةُ الْعُظْمَى عَلَى الْخَلْقِ ، وَلِذَا عَلَّمَهُمْ رَبُّهُمْ كَيْفَ يَحْمَدُونَهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْكُبْرَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ الْآيَةَ [ 18 \ 1 ] .
وَمَا أَشَارَ لَهُ هُنَا مِنْ عَظِيمِ الْإِنْعَامِ وَالِامْتِنَانِ عَلَى خَلْقِهِ بِإِنْزَالِ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، مُنْذِرًا مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ ، وَمُبَشِّرًا مَنْ عَمِلَ بِهِ ، ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=174يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [ 4 \ 174 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ 29 \ 51 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=76إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=77وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [ 27 \ 76 - 77 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [ 17 \ 82 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ الْآيَةَ [ 41 \ 44 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=106إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [ 21 \ 106 - 107 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=86وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ الْآيَةَ [ 28 \ 86 ] ،
[ ص: 192 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [ 35 \ 32 ] .
وَهُوَ تَصْرِيحٌ مِنْهُ جَلَّ وَعَلَا بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18624_24907_18633إِيرَاثَ هَذَا الْكِتَابِ فَضْلٌ كَبِيرٌ ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [ 18 \ 1 ] ، أَيْ لَمْ يَجْعَلْ فِي الْقُرْآنِ عِوَجًا ; أَيْ لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ ، لَا مِنْ جِهَةِ الْأَلْفَاظِ ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الْمَعَانِي ، أَخْبَارُهُ كُلُّهَا صِدْقٌ ، وَأَحْكَامُهُ عَدْلٌ ، سَالِمٌ مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ فِي أَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ ، وَأَخْبَارِهِ وَأَحْكَامِهِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ : " عِوَجًا " نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، فَهِيَ تَعُمُّ نَفْيَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِوَجِ .
وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا هُنَا مِنْ أَنَّهُ لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ ، بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=27وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=28قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [ 39 \ 27 - 28 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [ 6 \ 115 ] . فَقَوْلُهُ " صِدْقًا " أَيْ فِي الْأَخْبَارِ ، وَقَوْلُهُ : " عَدْلًا " أَيْ فِي الْأَحْكَامِ ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [ 4 \ 82 ] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا .
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : قَيِّمًا أَيْ مُسْتَقِيمًا لَا مَيْلَ فِيهِ وَلَا زَيْغَ ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ كَوْنِهِ قَيِّمًا لَا مَيْلَ فِيهِ وَلَا زَيْغَ ، بَيَّنَهُ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [ 98 \ 1 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الْآيَةَ [ 17 \ 9 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=37وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ 10 \ 37 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [ 2 \ 1 - 2 ] ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [ 11 \ 1 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [ 42 \ 52 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
[ ص: 193 ] وَهَذَا الَّذِي فَسَّرْنَا بِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى : قَيِّمًا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الظَّاهِرُ . وَعَلَيْهِ فَهُوَ تَأْكِيدٌ فِي الْمَعْنَى لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [ 18 \ 1 ] ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مُسْتَقِيمًا فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَخْلُو مِنَ اعْوِجَاجٍ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ ، وَلِذَا جَمَعَ تَعَالَى بَيْنَ نَفْيِ الْعِوَجِ وَإِثْبَاتِ الِاسْتِقَامَةِ . وَفِي قَوْلِهِ : " قَيِّمًا " وَجْهَانِ آخَرَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ " قَيِّمًا " أَنَّهُ قَيِّمٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ ، أَيْ مُهَيْمِنٌ عَلَيْهَا ، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ فَالْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ الْآيَةَ [ 5 \ 15 ] .
وَلِأَجْلِ هَيْمَنَتِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=76إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ الْآيَةَ [ 27 \ 76 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=93قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [ 3 \ 93 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=15يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ الْآيَةَ [ 5 \ 15 ] .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ " قَيِّمًا " : أَنَّهُ قَيِّمٌ بِمَصَالِحِ الْخَلْقِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ . وَهَذَا الْوَجْهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَسْتَلْزِمُهُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ عُلَمَاءَ الْعَرَبِيَّةِ اخْتَلَفُوا فِي إِعْرَابِ قَوْلِهِ : " قَيِّمًا " فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الْكِتَابِ ، وَأَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا ، وَتَقْرِيرُهُ عَلَى هَذَا : أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ فِي حَالِ كَوْنِهِ قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ، وَمَنَعَ هَذَا الْوَجْهَ مِنَ الْإِعْرَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ قَائِلًا : إِنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [ 18 \ 1 ] ، مَعْطُوفٌ عَلَى صِلَةِ الْمَوْصُولِ الَّتِي هِيَ جُمْلَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الصِّلَةِ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الصِّلَةِ ، فَجَعْلُ " قَيِّمًا " حَالًا مِنَ " الْكِتَابِ " يُؤَدِّي إِلَى الْفَصْلِ بَيْنَ الْحَالِ وَصَاحِبِهَا بِبَعْضِ الصِّلَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ " قَيِّمًا " حَالٌ مِنَ " الْكِتَابِ " ، وَأَنَّ الْمَحْذُورَ الَّذِي ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ مُنْتَفٍ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ جُمْلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا لَيْسَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى الصِّلَةِ ، وَإِنَّمَا هِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ . وَقَوْلُهُ " قَيِّمًا " حَالٌ بَعْدَ حَالٍ ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَعْنَى : أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ فِي حَالِ كَوْنِهِ غَيْرَ جَاعِلٍ فِيهِ عِوَجًا ، وَفِي حَالِ كَوْنِهِ قَيِّمًا . وَتَعَدُّدُ الْحَالِ لَا إِشْكَالَ فِيهِ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ تَعَدُّدِ الْحَالِ مَعَ اتِّحَادِ عَامِلِ الْحَالِ وَصَاحِبِهَا ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ :
وَالْحَالُ قَدْ يَجِيءُ ذَا تَعَدُّدِ لِمُفْرَدٍ فَاعْلَمْ وَغَيْرَ مُفْرَدِ
[ ص: 194 ] وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِعَطْفٍ أَوْ بِدُونِ عَطْفٍ ، فَمِثَالُهُ مَعَ الْعَطْفِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=39أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [ 3 \ 39 ] ، وَمِثَالُهُ بِدُونِ عَطْفٍ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=150وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا الْآيَةَ [ 7 \ 150 ] . وَقَوْلُ الشَّاعِرِ :
عَلَيَّ إِذَا مَا جِئْتِ لَيْلَى بِخُفْيَةٍ زِيَارَةُ بَيْتِ اللَّهِ رَجْلَانَ حَافِيَا
وَنُقِلَ عَنْ
أَبِي الْحَسَنِ بْنِ عُصْفُورٍ مَنْعُ تَعَدُّدِ الْحَالِ مَا لَمْ يَكُنِ الْعَامِلُ فِيهِ صِيغَةَ التَّفْضِيلِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ : هَذَا بُسْرًا أَطْيَبُ مِنْهُ رُطَبًا . وَنُقِلَ مَنْعُ ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ
الْفَارِسِيِّ وَجَمَاعَةٍ ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَمْنَعُونَ تَعَدُّدَ الْحَالِ يَقُولُونَ : إِنَّ الْحَالَ الثَّانِيَةَ إِنَّمَا هِيَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَسْتَكِنِّ فِي الْحَالِ الْأُولَى ، وَالْأُولَى عِنْدَهُمْ هِيَ الْعَامِلُ فِي الثَّانِيَةِ ، فَهِيَ عِنْدَهُمْ أَحْوَالٌ مُتَدَاخِلَةٌ ، أَوْ يَجْعَلُونَ الثَّانِيَةَ نَعْتًا لِلْأُولَى ، وَمِمَّنِ اخْتَارَ أَنَّ جُمْلَةَ وَلَمْ يَجْعَلْ حَالِيَّةٌ ، وَأَنَّ قَيِّمًا حَالٌ بَعْدَ حَالٍ -
الْأَصْفَهَانِيُّ .
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ : قَيِّمًا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ; لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعِوَجِ عَنْهُ هُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ قَيِّمًا .
وَعَزَا هَذَا الْقَوْلَ
الرَّازِيُّ وَأَبُو حَيَّانَ لِصَاحِبِ حَلِّ الْعُقَدِ ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ بَدَلٌ مُفْرَدٌ مِنْ جُمْلَةٍ .
كَمَا قَالُوا فِي : عَرَفْتُ زَيْدًا أَبُو مَنْ ، أَنَّهُ بَدَلُ جُمْلَةٍ مِنْ مُفْرَدٍ ، وَفِي جَوَازِ ذَلِكَ خِلَافٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ .
وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ قَيِّمًا حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ، وَاخْتَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ قَيِّمًا مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ، وَتَقْدِيرُهُ : وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا وَجَعَلَهُ قَيِّمًا ، وَحَذْفُ نَاصِبِ الْفَضْلَةِ إِذَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ جَائِزٌ ، كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ :
وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِمَا وَقَدْ يَكُونُ حَذْفُهُ مُلْتَزَمَا
وَأَقْرَبُ أَوْجُهِ الْإِعْرَابِ فِي قَوْلِهِ : " قَيِّمًا " أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِمَحْذُوفٍ ، أَوْ حَالٌ ثَانِيَةٌ مِنَ " الْكِتَابِ " وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا [ 18 \ 2 ] اللَّامُ فِيهِ مُتَعَلِّقَةٌ
[ ص: 195 ] بِـ أَنْزَلَ ، وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ : قَيِّمًا ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ .
وَالْإِنْذَارُ : الْإِعْلَامُ الْمُقْتَرِنُ بِتَخْوِيفٍ وَتَهْدِيدٍ ، فَكُلُّ إِنْذَارٍ إِعْلَامٌ ، وَلَيْسَ كُلُّ إِعْلَامٍ إِنْذَارًا ، وَالْإِنْذَارُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=14فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى [ 92 \ 14 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا الْآيَةَ [ 38 \ 40 ] .
وَفِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ كَرَّرَ تَعَالَى الْإِنْذَارَ ، فَحَذَفَ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ مَفْعُولَ الْإِنْذَارِ الْأَوَّلَ ، وَحَذَفَ فِي الثَّانِي الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ ، فَصَارَ الْمَذْكُورُ دَلِيلًا عَلَى الْمَحْذُوفِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ . وَتَقْدِيرُ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ الْمَحْذُوفِ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ : لِيُنْذِرَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ ، وَتَقْدِيرُ الْمَفْعُولِ الثَّانِي الْمَحْذُوفِ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي : وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ .
وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِلَى أَنَّ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=29568الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ تَخْوِيفٌ وَتَهْدِيدٌ لِلْكَافِرِينَ ، وَبِشَارَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ ; إِذْ قَالَ فِي تَخْوِيفِ الْكَفَرَةِ بِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ [ 18 \ 2 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا الْآيَةَ [ 18 \ 4 ] ، وَقَالَ فِي بِشَارَتِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا الْآيَةَ [ 18 \ 2 ] .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ كَوْنِهِ إِنْذَارًا لِهَؤُلَاءِ وَبِشَارَةً لِهَؤُلَاءِ بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=97فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [ 19 \ 97 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1المص nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=2كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [ 7 \ 1 - 2 ] .
وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا الْمَبْحَثَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الْأَعْرَافِ " ، وَأَوْضَحْنَا هُنَالِكَ الْمَعَانِيَ الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْإِنْذَارُ فِي الْقُرْآنِ . وَالْبَأْسُ الشَّدِيدُ الَّذِي أَنْذَرَهُمْ إِيَّاهُ : هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . وَالْبِشَارَةُ : الْخَيْرُ بِمَا يَسُرُّ .
وَقَدْ تُطْلِقُ الْعَرَبُ الْبِشَارَةَ عَلَى الْإِخْبَارِ بِمَا يَسُوءُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=7فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [ 45 \ 8 ] وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَبَشَّرْتَنِي يَا سَعْدُ أَنَّ أَحِبَّتِي جَفَوْنِي وَقَالُوا الْوُدُّ مَوْعِدُهُ الْحَشْرُ
وَقَوْلُ الْآخَرِ :
[ ص: 196 ] يُبَشِّرُنِي الْغُرَابُ بِبَيْنِ أَهْلِي فَقُلْتُ لَهُ ثُكِلْتُكَ مِنْ بَشِيرِ
وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ إِطْلَاقَ الْبِشَارَةِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِمَا يَسُوءُ ، أُسْلُوبٌ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عُلَمَاءَ الْبَلَاغَةِ يَجْعَلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ مَجَازًا ، وَيُسَمُّونَهُ اسْتِعَارَةً عِنَادِيَّةً ، وَيُقَسِّمُونَهَا إِلَى تَهَكُّمِيَّةٍ وَتَلْمِيحِيَّةٍ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحِلِّهِ .
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ [ 18 \ 2 ] بَيَّنَتِ الْمُرَادَ بِهِ آيَاتٌ أُخَرُ ، فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30508_30513_30515الْعَمَلَ لَا يَكُونُ صَالِحًا إِلَّا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكُلُّ عَمَلٍ مُخَالِفٍ لِمَا جَاءَ بِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِصَالِحٍ ، بَلْ هُوَ بَاطِلٌ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ الْآيَةَ [ 59 \ 7 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=80مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [ 4 \ 10 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ الْآيَةَ [ 3 \ 31 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=21أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ الْآيَةَ [ 42 \ 21 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُخْلِصًا فِي عَمَلِهِ لِلَّهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْآيَةَ [ 98 \ 5 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=11قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=12وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=13قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=14قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=15فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ [ 39 \ 11 - 15 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَبْنِيًّا عَلَى أَسَاسِ الْإِيمَانِ وَالْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ كَالسَّقْفِ ، وَالْعَقِيدَةَ كَالْأَسَاسِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ الْآيَةَ [ 16 \ 97 ] ، فَجَعَلَ الْإِيمَانَ قَيْدًا فِي ذَلِكَ .
وَبَيَّنَ مَفْهُومَ هَذَا الْقَيْدِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ، كَقَوْلِهِ فِي أَعْمَالِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=23وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [ 25 \ 23 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ الْآيَةَ [ 24 \ 39 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ الْآيَةَ [ 14 \ 18 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ .
وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ مُفْرَدَ الصَّالِحَاتِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ ، وَقَوْلِهِ :
[ ص: 197 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [ 2 \ 25 ] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ - أَنَّهُ : صَالِحَةٌ ، وَأَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ لَفْظَةَ الصَّالِحَةِ عَلَى الْفِعْلَةِ الطَّيِّبَةِ ; كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْجِنْسِ لِتَنَاسِي الْوَصْفِيَّةِ ، كَمَا شَاعَ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ فِي الْحَسَنَةِ مُرَادًا بِهَا الْفِعْلَةُ الطَّيِّبَةُ .
وَمِنْ إِطْلَاقِ الْعَرَبِ لَفْظَ الصَّالِحَةِ عَلَى ذَلِكَ ، قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=9920أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ فِي زَوْجِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=437زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
بِنْتَ الْأَمِينِ جَزَاكِ اللَّهُ صَالِحَةً وَكُلُّ بَعْلٍ سَيُثْنِي بِالَّذِي عَلِمَا
وَقَوْلُ
الْحُطَيْئَةِ :
كَيْفَ الْهِجَاءُ وَلَا تَنْفَكُّ صَالِحَةٌ مِنْ آلِ لَأْمٍ بِظَهْرِ الْغَيْبِ تَأْتِينِي
وَسُئِلَ أَعْرَابِيٌّ عَنِ الْحُبِّ فَقَالَ :
الْحُبُّ مَشْغَلَةٌ عَنْ كُلِّ صَالِحَةٍ وَسَكْرَةُ الْحُبِّ تَنْفِي سَكْرَةَ الْوَسَنِ
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ، أَيْ وَلِيُبَشِّرَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا . الْأَجْرُ : جَزَاءُ الْعَمَلِ ، وَجَزَاءُ عَمَلِهِمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا بِالْأَجْرِ : هُوَ الْجَنَّةُ . وَلِذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=3مَاكِثِينَ فِيهِ [ 18 \ 3 ] ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : فِيهِ ; لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْأَجْرِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَجْرِ الْجَنَّةَ . وَوَصَفَ أَجْرَهُمْ هُنَا بِأَنَّهُ حَسَنٌ ، وَبَيَّنَ أَوْجُهَ حُسْنِهِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=13ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ - إِلَى قَوْلِهِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=39ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ [ 56 \ 13 - 16 ] ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ الْآيَةَ [ 56 \ 39 - 40 ] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا مَعْلُومَةٌ .
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=3مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ، أَيْ خَالِدِينَ فِيهِ بِلَا انْقِطَاعٍ .
وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَثِيرَةٍ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [ 11 \ 108 ] أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=54إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ [ 38 \ 54 ] ، أَيْ مَا لَهُ مِنِ انْقِطَاعٍ وَانْتِهَاءٍ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [ 16 \ 96 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=17وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [ 87 \ 17 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا [ 18 \ 4 ] ،
[ ص: 198 ] أَيْ يُنْذِرَهُمْ بَأْسًا شَدِيدًا ، مِنْ لَدُنْهُ أَيْ مِنْ عِنْدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ . وَهَذَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ شَامِلٌ لِلَّذِينِ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ .
وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي فَنِّ الْمَعَانِي : أَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ إِذَا كَانَ الْخَاصُّ يَمْتَازُ عَنْ سَائِرِ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِصِفَاتٍ حَسَنَةٍ أَوْ قَبِيحَةٍ مِنَ الْإِطْنَابِ الْمَقْبُولِ ، تَنْزِيلًا لِلتَّغَايُرِ فِي الصِّفَاتِ مَنْزِلَةَ التَّغَايُرِ فِي الذَّوَاتِ .
وَمِثَالُهُ فِي الْمُمْتَازِ عَنْ سَائِرِ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِصِفَاتٍ حَسَنَةٍ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ الْآيَةَ [ 2 \ 98 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [ 33 \ 7 ] .
وَمِثَالُهُ فِي الْمُمْتَازِ بِصِفَاتٍ قَبِيحَةٍ الْآيَةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا ، فَإِنَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا امْتَازُوا عَنْ غَيْرِهِمْ بِفِرْيَةٍ شَنْعَاءَ ، وَلِذَا سَاغَ عَطْفُهُمْ عَلَى اللَّفْظِ الشَّامِلِ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ .
وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى شِدَّةِ عِظَمِ فِرْيَتِهِمْ كَثِيرَةٌ جِدًّا . كَقَوْلِهِ هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [ 18 \ 5 ] الْآيَةَ ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=88وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=89لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=90تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=91أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=92وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [ 19 \ 88 - 92 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=40أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا [ 17 \ 40 ] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْقُرْآنَ بَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32430_32421_29254_29705الَّذِينَ نَسَبُوا الْوَلَدَ لِلَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا - ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ مِنَ النَّاسِ :
الْيَهُودُ ،
وَالنَّصَارَى ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ الْآيَةَ [ 9 \ 30 ] ، وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ مُشْرِكُو الْعَرَبِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ [ 16 \ 57 ] ، وَالْآيَاتُ بِنَحْوِهَا كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ [ 18 \ 5 ] ، يَعْنِي أَنَّ مَا نَسَبُوهُ لَهُ جَلَّ وَعَلَا مِنِ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ ; لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ .
وَالْآيَةُ تَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى إِمْكَانِهِ ; وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=57وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [ 2 \ 57 ] ; لِأَنَّ ظُلْمَهُمْ
[ ص: 199 ] لِرَبِّنَا وَحُصُولَ الْعِلْمِ لَهُمْ بِاتِّخَاذِهِ الْوَلَدَ كُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ عَقْلًا .
فَنَفْيُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى إِمْكَانِهِ ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُ الْمَنْطِقِيِّينَ : السَّالِبَةُ لَا تَقْتَضِي وُجُودَ الْمَوْضُوعِ ، كَمَا بَيَّنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَمَا نَفَاهُ عَنْهُمْ وَعَنْ آبَائِهِمْ مِنَ الْعِلْمِ بِاتِّخَاذِهِ الْوَلَدَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ [ 6 \ 100 ] ، وَقَوْلِهِ فِي آبَائِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=104أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ [ 5 \ 104 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [ 18 \ 5 ] يَعْنِي أَنَّ مَا قَالُوهُ بِأَفْوَاهِهِمْ مِنْ أَنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ وَلَدًا أَمْرٌ كَبِيرٌ عَظِيمٌ ; كَمَا بَيَّنَّا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى عِظَمِهِ آنِفًا ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=40إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا [ 17 \ 40 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=90تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا الْآيَةَ [ 19 \ 90 ] ، وَكَفَى بِهَذَا كِبَرًا وَعِظَمًا .
وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ : إِنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كَبُرَتْ كَلِمَةً مَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ ، فَهُوَ بِمَعْنَى مَا أَكْبَرَهَا كَلِمَةً ، أَوْ أَكْبِرْ بِهَا كَلِمَةً .
وَالْمُقَرَّرُ فِي عِلْمِ النَّحْوِ : أَنَّ " فَعُلَ " بِالضَّمِّ تُصَاغُ لِإِنْشَاءِ الذَّمِّ وَالْمَدْحِ ، فَتَكُونُ مِنْ بَابِ نِعْمَ وَبِئْسَ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كَبُرَتْ كَلِمَةً الْآيَةَ . وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ :
وَاجْعَلْ كَبِئْسَ سَاءَ وَاجْعَلْ فَعُلَا مِنْ ذِي ثَلَاثَةٍ كَنِعْمَ مُسَجَّلَا
وَقَوْلُهُ " كَنِعْمَ " أَيِ اجْعَلْهُ مِنْ بَابِ " نِعْمَ " فَيَشْمَلُ بِئْسَ ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَفَاعِلُ " كَبُرَ " ضَمِيرٌ مَحْذُوفٌ وَ كَلِمَةً نَكِرَةٌ مُمَيِّزَةٌ لِلضَّمِيرِ الْمَحْذُوفِ ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ . وَيَرْفَعَانِ مُضْمَرًا يُفَسِّرُهْ مُمَيِّزٌ كَنِعْمَ قَوْمًا مَعْشَرُهْ
وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : كَبُرَتْ هِيَ كَلِمَةً خَارِجَةً مِنْ أَفْوَاهِهِمْ تِلْكَ الْمَقَالَةُ الَّتِي فَاهُوا بِهَا ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ : اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، وَأَعْرَبَ بَعْضُهُمْ كَلِمَةً بِأَنَّهَا حَالٌ ، أَيْ كَبُرَتْ فِرْيَتُهُمْ فِي حَالِ كَوْنِهَا كَلِمَةً خَارِجَةً مِنْ أَفْوَاهِهِمْ . وَلَيْسَ بِشَيْءٍ .
[ ص: 200 ] وَقَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ، أَيْ لَيْسَ لَهَا مُسْتَنَدٌ سِوَى قَوْلِهِمْ وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَيْهَا إِلَّا كَذِبُهُمْ وَافْتِرَاؤُهُمْ ، وَلِذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [ 18 \ 5 ] .
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ لَهُ شَوَاهِدُ فِي الْقُرْآنِ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [ 3 \ 167 ] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَالْكَذِبُ : مُخَالَفَةُ الْخَبَرِ لِلْوَاقِعِ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ .
لَفْظَةُ " كَبُرَ " إِذَا أُرِيدَ بِهَا غَيْرُ الْكِبَرِ فِي السِّنِّ فَهِيَ مَضْمُومَةُ الْبَاءِ فِي الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ ، كَقَوْلِهِ هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كَبُرَتْ كَلِمَةً الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [ 61 \ 3 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ [ 17 \ 51 ] وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الْكِبَرُ فِي السِّنِّ فَهِيَ مَكْسُورَةُ الْبَاءِ فِي الْمَاضِي ، مَفْتُوحَتُهَا فِي الْمُضَارِعِ عَلَى الْقِيَاسِ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [ 4 \ 6 ] .
وَقَوْلُ
الْمَجْنُونِ :
تَعَشَّقْتُ لَيْلَى وَهْيَ ذَاتُ ذَوَائِبَ وَلَمْ يَبْدُ لِلْعَيْنَيْنِ مِنْ ثَدْيِهَا حَجْمُ
صَغِيرَيْنِ نَرْعَى الْبُهْمَ يَا لَيْتَ أَنَّنَا إِلَى الْيَوْمِ لَمْ نَكْبَرْ وَلَمْ تَكْبَرِ الْبُهْمُ
وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ : " صَغِيرَيْنِ " شَاهَدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي إِتْيَانِ الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ مَعًا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=5كَبُرَتْ كَلِمَةً يَعْنِي بِالْكَلِمَةِ : الْكَلَامَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=4اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا [ 18 \ 4 ] .
وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يُطْلِقُ اسْمَ الْكَلِمَةِ عَلَى الْكَلَامِ ، أَوْضَحَتْهُ آيَاتٌ أُخَرُ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا الْآيَةَ [ 23 \ 100 ] ، وَالْمُرَادُ بِهَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [ 23 \ 99 - 100 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=119وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [ 11 \ 119 ] ، وَمَا جَاءَ لَفْظُ الْكَلِمَةِ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا مُرَادًا بِهِ الْكَلَامُ الْمُفِيدُ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : عِوَجَا هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَعَانِي كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، وَبِفَتْحِهَا فِيمَا كَانَ مُنْتَصِبًا كَالْحَائِطِ .
[ ص: 201 ] قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابْنُ السِّكِّيتِ : وَكُلُّ مَا كَانَ يَنْتَصِبُ كَالْحَائِطِ وَالْعُودِ قِيلَ فِيهِ " عَوَجٌ " بِالْفَتْحِ ، وَالْعِوَجُ - بِالْكَسْرِ - مَا كَانَ فِي أَرْضٍ أَوْ دِينٍ أَوْ مَعَاشٍ ، يُقَالُ : فِي دِينِهِ عِوَجٌ . اهـ .
وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ
حَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ فِي الْوَصْلِ عِوَجًا بِالسَّكْتِ عَلَى الْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ مِنَ التَّنْوِينِ سَكْتَةً يَسِيرَةً مِنْ غَيْرِ تَنَفُّسٍ ، إِشْعَارًا بِأَنَّ قَيِّمًا لَيْسَ مُتَّصِلًا بِـ عِوَجًا فِي الْمَعْنَى ، بَلْ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ ، أَيْ جَعَلَهُ قَيِّمًا كَمَا قَدَّمْنَا .
وَقَرَأَ
أَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ مِنْ لَدُنْهُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ مَعَ إِشْمَامِهَا الضَّمَّ ، وَكَسْرِ النُّونِ وَالْهَاءِ وَوَصْلِهَا بِيَاءٍ فِي اللَّفْظِ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ [ 18 \ 2 ] ، قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ مُشَدَّدَةً ، وَقَرَأَهُ
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ " يَبْشُرَ " بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الشِّينِ .