ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من صفة أصحاب الكهف أنهم فتية ، وأنهم أووا إلى الكهف ، وأنهم دعوا ربهم هذا ، وهو قوله عنهم : الدعاء العظيم الشامل لكل خير ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا [ 18 \ 10 ] .
وبين في غير هذا الموضع أشياء أخرى من صفاتهم وأقوالهم ; كقوله : [ ص: 207 ] إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى - إلى قوله - ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا [ 18 \ 13 - 16 ] و إذ في قوله هنا : إذ أوى الفتية [ 18 \ 10 ] منصوبة بـ اذكر مقدرا ، وقيل : بقوله : عجبا ، ومعنى قوله : إذ أوى الفتية إلى الكهف [ 18 \ 10 ] ، أي جعلوا الكهف مأوى لهم ومكان اعتصام .
ومعنى قوله : آتنا من لدنك رحمة ، أي أعطنا رحمة من عندك ، والرحمة هنا تشمل الرزق والهدى والحفظ مما هربوا خائفين منه من أذى قومهم ، والمغفرة .
والفتية : جمع فتى جمع تكسير ، وهو من جموع القلة ، ويدل لفظ الفتية على قلتهم ، وأنهم شباب لا شيب ، خلافا لما زعمه ابن السراج من : أن الفتية اسم جمع لا جمع تكسير ، وإلى كون مثل الفتية جمع تكسير من جموع القلة ، أشار ابن مالك في الخلاصة بقوله :
أفعلة أفعل ثم فعله كذاك أفعال جموع قلة
والتهيئة : التقريب والتيسير ، أي يسر لنا وقرب لنا من أمرنا رشدا ، والرشد : الاهتداء والديمومة عليه . و من في قوله : من أمرنا فيها وجهان : أحدهما أنها هنا للتجريد ، وعليه فالمعنى : اجعل لنا أمرنا رشدا كله ، كما تقول : لقيت من زيد أسدا . ومن عمرو بحرا .
والثاني أنها للتبعيض ، وعليه فالمعنى : واجعل لنا بعض أمرنا ; أي وهو البعض الذي نحن فيه من مفارقة الكفار ، رشدا ، حتى نكون بسببه راشدين مهتدين .