( فصل ) ثم بنو النضير . قال نقض العهد : وكان ذلك بعد بدر بستة أشهر قاله البخاري عروة . وسبب ذلك أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج إليهم في نفر من أصحابه ، وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين الذين قتلهم ، فقالوا : نفعل يا عمرو بن أمية الضمري أبا القاسم . اجلس هاهنا حتى نقضي حاجتك ، وخلا بعضهم ببعض ، وسول لهم الشيطان الشقاء الذي كتب عليهم فتآمروا بقتله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقالوا : أيكم يأخذ هذه الرحى ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها ؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش : أنا ، فقال لهم سلام بن مشكم : لا تفعلوا ، فوالله ليخبرن بما هممتم به ، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه ، وجاء الوحي على الفور إليه من ربه تبارك وتعالى بما هموا به فنهض مسرعا ، وتوجه إلى المدينة ، ولحقه أصحابه ، فقالوا : [ ص: 48 ] نهضت ولم نشعر بك ، فأخبرهم بما همت يهود به ، وبعث إليهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن اخرجوا من المدينة ، ولا تساكنوني بها ، وقد أجلتكم عشرا ، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه ، فأقاموا أياما يتجهزون ، وأرسل إليهم المنافق عبد الله بن أبي ألا تخرجوا من دياركم فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون دونكم ، وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان ، وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قاله له ، وبعث إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك . فكبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ونهضوا إليه ، يحمل اللواء . فلما انتهى إليهم أقاموا على حصونهم يرمون بالنبل والحجارة واعتزلتهم وعلي بن أبي طالب قريظة ، وخانهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان ، ولهذا شبه سبحانه وتعالى قصتهم ، وجعل مثلهم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك ( 59 : 16 ) فإن سورة الحشر هي سورة بني النضير ، وفيها مبدأ قصتهم ونهايتها ، فحاصرهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقطع نخلهم وحرق ، فأرسلوا إليه : نحن نخرج عن المدينة ، فأنزلهم على أن يخرجوا عنها بنفوسهم وذراريهم ، وأن لهم ما حملت الإبل إلا السلاح ، وقبض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأموال والحلقة وهي السلاح ، بنو النضير خالصة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنوائبه ومصالح المسلمين ، ولم يخمسها ؛ لأن الله أفاءها عليه ، ولم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب ، وخمس وكانت قريظة .
قال مالك ـ رضي الله عنه ـ : خمس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قريظة ولم يخمس بني النضير ؛ لأن المسلمين لم يوجفوا بخيلهم ولا ركابهم على بني النضير كما أوجفوا على قريظة ، وأجلاهم إلى خيبر وفيهم حيي بن أخطب كبيرهم ، وقبض السلاح واستولى على أرضهم وديارهم وأموالهم ، فوجد من السلاح خمسين درعا وخمسين بيضة ، وثلاثمائة وأربعين سيفا ، وقال : هؤلاء في قومهم بمنزلة بني المغيرة في قريش ، وكانت قصتهم في ربيع أول سنة أربع من الهجرة .