أقول : وهذا المعنى قرره وأبطل مقابله . فاحتمال عطف من اتبعه من المؤمنين على اسم الجلالة باطل من حيث المعنى كما قال : وإن عده النحاة أظهر في الإعراب على قواعد البصريين التي يتعصب لها جمهورهم ، وما من طائفة من علماء علم ولا فن لهم مذهب يخالفه آخرون إلا ويوجد فيهم من يتعصب لكل ما يقوله أهل مذهبهم ولأئمة فنهم . وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية الفراء هاهنا : إن قوله تعالى : والزجاج ومن اتبعك من المؤمنين في موضع النصب على المفعول معه ، أي الواو بمعنى " مع " كقول الشاعر :
[ ص: 65 ]
إذا كانت الهيجاء واشتجر القنا فحسبك والضحاك سيف مهند
قال الفراء : وليس بكثير من كلامهم أن يقولوا : حسبك وأخاك ، بل المعتاد أن يقال : حسبك وحسب أخيك - ولهذا فضل الفراء الوجه الآخر ، وهو أن المعنى : يكفيك الله ويكفيك من اتبعك من المؤمنين ، إيثارا منه للراجح في عرف النحاة البصريين ، على الراجح في أصول الدين ، وكذلك أبو حيان النحوي فإنه تعقب إعراب الوجه الأول بأنه مخالف لقول ، فإنه جعل زيدا في قولهم : " حسبك وزيدا درهم " منصوبا بفعل مقدر ، أي وكفى زيدا درهم ، ولا غرو سيبويه فأبو حيان هذا كان معجبا بشيخ الإسلام أحمد تقي الدين ابن تيمية وشديد الإطراء له ، وقد مدحه في حضرته بأبيات شبهه فيها بالصحابة جملة ـ رضي الله عنهم ـ وبأبي بكر ـ رضي الله عنه ـ خاصة ، وشهد له بتجديد الدين حتى قال فيها :يا من يحدث عن علم الكتاب أصخ هذا الإمام الذي قد كان ينتظر
هذا وإن المراد بالمؤمنين هنا جماعتهم من المهاجرين والأنصار كما تقدم في الآيتين السابقتين لهذه الآية ولا سيما الذين شهدوا بدرا منهم ، لا في الأنصار وحدهم كما قيل هنا وهناك ، فإن جل هذه السورة نزل في شأن تلك الغزوة الكبرى كما تقدم أيضا . وعن الكلبي أن هذه الآية نزلت قبلها . وروي عن أن هذه الآية نزلت عندما أسلم ابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ وصار المسلمون بإسلامه أربعين نسمة ، منهم ست نسوة . رواه عمر بن الخطاب البزار من طريق عكرمة بسند ضعيف عن وابن أبي حاتم عنه بسند صححه سعيد بن جبير السيوطي وفيه نظر . ورواه عنه أيضا وأخرج الطبراني أبو الشيخ مثله عن . ومقتضى هذا أن الآية مكية والسورة مدنية بالإجماع ، ولا يظهر معناها الذي قررناه إلا في وقت نزول سورتها ، ولا المعنى الآخر المرجوح الذي أراده واضع الرواية فيما يظهر فإن أولئك الأربعين لم تتحقق بهم كفاية الإحساب بالنصر على الكفار ، ولا يؤمن شرهم واضطهادهم للمؤمنين ، بل اضطرهم المشركون إلى الهجرة العامة بعد هجرة سعيد بن المسيب الحبشة الخاصة .