حقا والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون هذا تفضيل للصنفين الأولين من المؤمنين على غيرهم ، وشهادة من الله تعالى للمهاجرين الأولين والأنصار بأنهم هم المؤمنون حق الإيمان وأكمله ، دون من لم يهاجر من المؤمنين وأقام بدار الشرك مع حاجة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين إلى هجرته إليهم ، وأعاد وصفهم الأول ؛ لأنهم به كانوا أهلا لهذه الشهادة وما يليها من الجزاء في قوله : لهم مغفرة ورزق كريم الجملة استئناف بياني ، وتنكير " مغفرة " لتعظيم شأنها ، بدليل ما ذكر من أسبابها قبلها ، ومن وصف الرزق بعدها بكونه كريما : أي لهم مغفرة من ربهم تامة ماحية لما فرط منهم كأخذ الفداء من الأسرى يوم بدر ، ورزق كريم في دار الجزاء ، أي رزق حسن شريف بالغ درجة الكمال في نفسه وفي عاقبته ، وهذه الشهادة المقرونة بهذا الجزاء العظيم ترغم أنوف الروافض ، وتلقم كل نابح بالطعن في أصحاب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحجر ، ولا سيما زعمهم بأن أكثرهم قد ارتدوا بعده ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
قال : وهذه الآية تنبئ عن صحة ما قلناه : إن معنى قول الله ابن جرير بعضهم أولياء بعض في هذه الآية ، وقوله : ما لكم من ولايتهم من شيء إنما هو النصرة والمعونة دون الميراث ؛ لأنه جل ثناؤه عقب ذلك بالثناء على المهاجرين والأنصار والخبر عما لهم عنده دون من لم يهاجر بقوله : والذين آمنوا وهاجروا . . . الآية . ولو كان المراد بالآيات قبل ذلك الدلالة على حكم ميراثهم لم يكن عقيب ذلك إلا الحث على مضي الميراث على ما أمر وفي صحة ذلك ، كذلك الدليل الواضح على أنه لا ناسخ في هذه الآيات لشيء ولا منسوخ اهـ .