افتراء الروافض في غزوة حنين
( والطعن في جميع الصحابة وحفاظ السنة )
أن جيش المسملين كان ثلاثة أضعاف جيش المشركين ، ولكن كان فيه ألفان من الطلقاء ملخص غزوة حنين أهل مكة منهم المنافق المصر على شركه ، الذي يتربص بالمؤمنين الدوائر ليثأر منهم ، والذي يريد قتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفسه ، ومنهم ضعفاء الإيمان والشبان الذين جاءوا للغنيمة لا لإعزاز الحق بالجهاد .
وأنه لما وقع عليهم رشق النبال كرجل الجراد فر هؤلاء وأدبروا فذعر الجيش ، وفر غيرهم اضطرابا ، كما هي العادة في مثل هذه الحال لا جبنا ، وكانت حكمة الله في ذلك تربية المؤمنين كما تقدم شرحه . وثبت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كعادته ، وثبت معه من كان قريبا منه من أهل بيته وغيرهم من كبار المهاجرين الذين لم يكونوا يفارقونه كأبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهم ـ ، وقد صرح وابن مسعود أن الذين ثبتوا معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانوا ثمانين رجلا كما تقدم ، ومن عدهم أقل من ذلك فإنما عد من رآه بالقرب منه ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، وليس معنى هذا أن سائر الجيش قد انهزم جبنا ، وترك الرسول وهو يعرف مكانه عمدا ، بل ولى الجمهور مدبرين بالتبع للطلقاء والأحداث الذين فروا من رشق السهام ، وأكثر هذه الألوف لا يعرف مكانه عليه الصلاة والسلام ، كما عرف هؤلاء الذين كانوا حوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولما علم سائر المسلمين ولاسيما الأنصار بمكانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من نداء ابن مسعود العباس ـ رضي الله عنه ـ أسرعوا في العطف والرجوع . هذا ما رواه المحدثون والمؤرخون .
وأما ويزعمون أنهم فروا كلهم جبنا وعصيانا لله ، وإسلاما لرسوله إلى الهلكة ، واستحقوا غضبه تعالى ووعيده الذي تقدم في سورة الأنفال ، إلا نفرا قليلا لا يتجاوزون العشرة يزعمون أنهم ثبتوا بالتبع لثبات علي كرم الله وجهه ، وأنه هو الذي ثبت وحده بنفسه ، وأنه لولاه لقتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزال الإسلام من الأرض . الروافض فإنهم يطعنون كعادتهم في جميع أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ذكرنا في تفسير الآيتين 3 ، 4 من هذه السورة كتابا لبعض علماء الشيعة المعاصرين [ ص: 234 ] كبر فيه مسألة تلاوة ( علي ) أوائل هذه السورة على المشركين سنة تسع ، وصغر إمارة أبي بكر على الحج وفندنا شبهه في ذلك .
وقد كبر صاحب هذا الكتاب ثبات علي مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حنين أضعاف ذلك التكبير ، وحقر سائر الصحابة أقبح التحقير ، وزعم أن قد فر في ذلك اليوم مع الفارين ، وهم بزعمه جميع المسلمين ، إلا عمر بن الخطاب عليا وثلاثة رجال وقيل تسعة " ثبتوا بثباته .
أما زعمه أن عمر قد فر ، وهو ما لم يقله أحد من المحدثين ، ولا أصحاب السير فقد تأول به رواية قتادة عند ذكر فيها هزيمة المسلمين ، وأنه انهزم معهم وأنه قال : فإذا البخاري في الناس ، فقلت : ما شأن الناس ؟ قال : أمر الله ثم تراجع الناس إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اهـ . فوجب أن نبين ما في كلامه من الجهل والافتراء; لأنه جعله تفسيرا لهذه الآية ; لئلا يضل بعض المطلعين على كتابه في فهمها . عمر بن الخطاب
قال : روى في صحيحه بإسناده عن البخاري أبي قتادة إلخ . والمتبادر من قوله روى بإسناده ، أنه رواه مسندا موصولا ، والصواب أن هذه الرواية فيه معلقة بدأها بقوله : وقال البخاري الليث : حدثني إلخ . قال الحافظ في شرحه من الفتح : وروايته هذه ( يعني يحيى بن سعيد ) وصلها المصنف في الأحكام عن يحيى بن سعيد قتيبة عنه لكن باختصار اهـ . ويريد بهذا الاختصار ذكر الحديث المرفوع منها وهو قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : وليس فيها ذكر من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه عمر ـ رضي الله عنه ـ ، ولذلك لم يذكرها الرافضي; لأن غرضه محصور في قول أبي قتادة فإذا في الناس " ليفسره بأنه في الناس الفارين فإن العبارة محتملة لو لم يثبت أن عمر بن الخطاب عمر كان فيمن ثبتوا ، ولذلك فسره القسطلاني بأنه كان في الناس الذين لم ينهزموا ، ومتى كان عمر جبانا يفر من القتال ؟ ! وهو الذي كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو الله بأن يعز به الإسلام ، وفي بعض الروايات يشد به الدين " فاستجاب الله دعاءه حتى قال : ما عبد الله جهرة حتى أسلم عبد الله بن مسعود عمر .
وقد ، الذين أثنى الله تعالى عليهم في القرآن ، وأقسم أنه رضي عنهم ، وجعل ذلك مما يتعبد به المسلمون إلى آخر الزمان ; إذ قال عز وجل : طعن الرافضي في جميع الصحابة ، ولاسيما أصحاب بيعة الرضوان لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ( 48 : 18 ) ثم قال فيهم : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما [ ص: 235 ] ( 48 : 29 ) وهذا الكتاب وسائر كتب الروافض يدل على أنهم أشد غيظا بهم من جميع الكفار فإن هذا الرافضي زعم أن جميع المسلمين فروا في أثر المؤلفة قلوبهم من أهل مكة ، قال : " ولم يبق مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا ثلاثة : علي عليه السلام يضرب بالسيف بين يدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والعباس آخذ بلجام بغلته ـ صلى الله عليه وسلم ـ آخذ بركابه . قيل : وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب إلى جانبه الأيسر وقيل : ثبت معه تسعة من وابن مسعود بني هاشم وهو الذي اعتمده الشيخ المفيد في الإرشاد " اهـ .
وهو لم يعتمد على إرشاد مفيده وهو من شيوخهم وكبار مصنفيهم في تأييد نحلتهم ، فذكر ما اعتمده بصيغة التعريض بعد جزمه هو بثبات الثلاثة فقط .
ثم زعم أن قوله تعالى : ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين خاص بهؤلاء الذين ثبتوا معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقال له : ولماذا عطف على ما قبله بثم الدالة على التراخي ؟ أليس دليلا على أن الرسول والذين ثبتوا معه كانوا قد اضطربوا عند اضطراب الجمهور في تلك الهزيمة ؟ أوليس نزول السكينة لازما أو ملزوما لعودة المهاجرين والأنصار من أهل بيعة الرضوان تحت الشجرة إلى القتال ؟ وهل عادوا إلا بعد أن زال ذلك الاضطراب واختلاط الأمر الذي عرض لهم بفرار المؤلفة قلوبهم ؟ وهل زال ذلك إلا بما أنزل الله عليهم من السكينة لما سمعوا نداء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونداء العباس ـ رضي الله عنه ـ وعلموا مكانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ وهل يكون أصحاب هذه الكرة الناهضة بعد تلك الفرة العارضة وهم أصحاب المواقف السابقة والفتوحات اللاحقة من الجبناء المستحقين لغضب الجبار ، ويكون فرارهم خذلانا للرسول وتعمدا لإسلامه للكفار كما افترى هذا الرافضي الكفر ؟ .
وخلاصة المعنى الذي يدل عليه عطف إنزال السكينة بثم الدال على تأخره عن تولي الأدبار أن الاضطراب المنافي للسكينة بانهزام الطلقاء كان عاما ; إذ تبعه انهزام السواد الأعظم على غير هدى ، وهو أمر طبيعي في مثل هذه الحال ، فإن اختلف سببه فقد اتفق المآل فالجيش اضطرب لهزيمة عدد كثير منه ، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ اضطرب باله حزنا على المسلمين ، ثم بعد أن تمت حكمة الله في ابتلائهم بذلك أنزل سكينة على رسوله ، فأمر عمه العباس بنداء المهاجرين والأنصار ، فناداهم فاستجابوا لله وللرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ أنزل الله السكينة عليهم بدعوته والعلم بمكانه .
إن الرافضي عمد بعد أن ذكر مجمل القصة بما وافق هواه من نقل ، وما مزجه به من تأويل باطل - إلى تحريف الآيتين في هذه الغزوة ، فزعم : أنهما توبيخ لجميع الصحابة [ ص: 236 ] ـ رضي الله عنهم ـ ما عدا الذين ثبتوا وهم في زعمه ثلاثة ، بل واحد في الحقيقة ، وخص أصحاب بيعة الرضوان بالذكر ، بل بالذم المقتضي للكفر ، فقال بعد أن زعم أنهم أسلموا صاحب الدين " لجفاة الأعراب وطغام هوازن وثقيف " ما نصه :
فأين ما بايعتم به الله سبحانه ، وما أعطيتموه من العهد والميثاق يوم بيعة الرضوان على ألا تفروا عنه ، ومن فر فهو في النار ، ومن قتل فهو شهيد ؟ فما وفيتم ببيعكم الذي بايعتم به سبحانه ( كذا ) إذ يقول : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا ( 9 : 111 ) أنقضتم العهد ؟ أم استقلتم البيع " ثم وليتم مدبرين ( 9 : 25 ) غير متحرفين لقتال ، ولا متحيزين إلى فئة ومن يفعل ذلك فقد باء بغضب من الله ( 8 : 16 ) انتهى . بحروفه وتحريفه لكلام الله تعالى إذ جعل ذلك كله تفسيرا لآية يوم حنين التي لم تكن إلا تذكيرا للمؤمنين بعناية الله تعالى بهم ونصره إياهم على ما وقع فيهم من الاضطراب والتولي في أول المعركة ، وقد أراد بهذا التحريف أن يهدم كل ما للصحابة الكرام من الثناء في كتاب الله ، ويجعلهم من شرار الخلق عند الله ، ويحول رضوان الله عنهم إلى غضبه ، ووعده إياهم بالجنة إلى وعيدهم بالنار .
أرأيت هذا الرافضي كيف لم يتم آية الشراء; لأنها حجة عليه ومبطلة لتأويله وهو قوله تعالى : ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ( 111 ) فلو علم الله تعالى أنهم ينقضون العهد أو يستقيلون هذا البيع لما أمرهم بالاستبشار به ، ولما عبر عنه بأنه هو الفوز العظيم أي دون غيره . وقد أشار بقوله : أم استقلتم البيع ، إلى قول الأنصار ـ رضي الله عنهم ـ عند بيعة العقبة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على منعه مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم ، ووعده لهم بالجنة - إذ قالوا : لا نقيل ولا نستقيل ، وقد شهد الله ورسوله لهم بالوفاء . وشهد عليهم الرافضي بالخيانة والغدر ، واستقالة البيع ! ! .
وقد أعاد بعد هذا القول ذكر ما زعمه من فرار الذي أعز الله به الإسلام ، وأنزل بموافقته القرآن ، وكان أعظم ناشر له في الأرض بعد رسوله عليه الصلاة والسلام . عمر بن الخطاب
ثم فسر السكينة " بتثبيت القلب وتسكينه وإيداعه الجرأة والبسالة " وقال : " وإنما أنزلها الله على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى المؤمنين وهم الثلاثة أو العشرة الذين مر ذكرهم " وقد جهل أن هذا التفسير طعن فيهم; لأنه نص على أن هذه المعاني من السكينة لم تكن لهم في أول القتال ، لعطف نزولها على تولية الأدبار ب " ثم " المفيدة للتراخي ، والصواب اللائق به ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبأصحابه المؤمنين ـ رضي الله عنهم ـ ما ذكرنا .
[ ص: 237 ] ثم إنه بعد هذا الطعن في جميع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ - والاستثناء معيار العموم على أنه حصره بعد في ( علي ) وحده - قال : " فإذا تدبرت حالة المسلمين وما قرعهم فيه وعاتبهم به سبحانه وكيف باهى الله سبحانه بأمير المؤمنين ذلك العسكر المجر ، والجحفل الحاشد بأعلام الصحابة ، وأكابر المهاجرين والأنصار وصناديدهم ، ومن إليهم الإيماء والإشارة - ظهرت لك عظمته ومكانته من الله ورسوله ، ومبلغه من الدفاع عن الدين والدولة " إلى آخر ما أطال به وأسهب من المعاني الشريعة في تحقير جميع المؤمنين ، حتى خص بالذكر الزبير وطلحة الذين بشرهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالجنة ، وسعد بن أبي وقاص سيف الله ورسوله ، وفاتح وخالد بن الوليد العراق والشام ، ورافع لواء الإسلام ، وأبا دجانة وسهل بن حنيف وسعد بن عبادة والحارث بن الصمة وأبا أيوب وأمثالهم من صناديد الإسلام الأعلام ، فزعم كاذبا مفتريا أن تلك الصدمة " أطارت أفئدتهم وشردت بهم في كل واد " ليقول في علي " وكيف قام في وجهها ، وانتصب لصدها ، وأقدم على ردها بصدر أوسع من الفضاء ، وقلب أمضى من القضاء " وزعم بل أقسم أنه " لقد فاز من بين أصحاب رسول الله بأجرها ، واستولى على فضلها وطار بفخرها " كأنه يشعر شعورا خفيا لا يدركه عقله بأنه لا يتم له إثبات غلوه فيه إلا بافتراء مناقب له مقرونة بتحقير سائر إخوانه أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبالكذب على الله في الأمرين ، كزعمه أنه تعالى قرعهم ، وباهى به ، تعالى الله عن ذلك .
ثم ذكر أنه يقول هذا غير مزدر لتلك العصبة الهاشمية وهم التسعة الذين ثبتوا معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أيضا - أي كما ازدرى سائر الصحابة - وإنما استثناهم من الازدراء لنسبهم لا لشجاعتهم وفضلهم ، وذلك تحقير لهم ، فقد قال بعده : " فوالله الذي لا إله غيره ما ثبت أولئك إلا بثباته ، ولا ركنوا إلا لدفاعه ومحاماته ، علما منهم بكفايته لحمايتهم والذب عنهم ، فإن كل من ألم بالتاريخ وقرأ اليسير علم أن أولئك الهاشميين لم يكن لهم قبل ذلك موقف مشهور ، ولا مقام مذكور ، ولا دون لهم التاريخ قتل أحد " - إلى أن قال - غلوا في الإطراء والمدح ، وإسرافا في الإزراء والقدح ، وتهويلا للأمر .
" بربك دع التكلف وخبرني منصفا لو فر أمير المؤمنين عليه السلام من بين أولئك التسعة مع ما يعلمونه من بأسه وشجاعته أكان يثبت منهم أحد ؟ كلا والله ، وحينئذ تكون الطامة الكبرى والقارعة العظمى بقتل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويذهب الدين والدولة ، وفي ذلك هلاك الأمم بعد نجاتها ، وانقراضها بعد حياتها فثبات أمير المؤمنين ومحاماته عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن ثابت إليه تلك الفئة التي لم تتجاوز مائة ( ؟ ) مقاتل هو السبب في حياة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبقاء الدين والدولة ، ونجاة الخلق من الهلكة " .
[ ص: 238 ] ثم فرع من هذه التخيلات الشعرية والتهويلات الخطابية ، والمفتريات الرافضية ، تخطئة الأمة الإسلامية في تولية أمرها ( يعني الإمامة العظمى ) غير صاحب هذه المنة عليها وعلى الدين والدولة وعلى . . . . من استغفر الله بالإشارة إليه ، وإن كان حاكى الكفر ليس بكافر .
ثم قفى على تخطئة الأمة بتخطئة الشيخين البخاري ومسلم وأمثالهما من رواة صحاح السنة; لأنهما لم يفتريا في القصة ما افتراه هو وأمثاله على الله في كتابه ، وعلى رسوله في سنته ، وعلى خيرة أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فقد بدأ طعنه في الشيخين بقصد هذه السنة ، وصرف المسلمين عنها بقوله : " واعجب للشيخين في صحيحيهما كيف لم يذكرا لأمير المؤمنين عليه السلام من ذلك الموقف العظيم والنصر الباهر شيئا ، وقد نطق بذلك الذكر الحكيم ، وسنرد طعنه على الشيخين في نحره في النار ، وإنما غرضنا في التفسير الدفاع عن كتاب الله والكذب عليه .
إن الله تعالى لم يذكر في القرآن أن عليا ـ رضي الله عنه ـ هو الذي نصر المؤمنين في حنين لا بمنطوق ولا مفهوم ، وإنما أسند ذلك إلى نفسه عز وجل فقال : لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين ( 25 ) وقال : ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ( 26 ) ولم يقل : ( وعلى علي ) وحده ، ولا على الثلاثة أو التسعة الذين زعم الشيعة أنه لم يثبت معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ غيرهم . وقد مر أنه ثبت معه ثمانون رجلا عرفوا بأسمائهم وهو لا ينفي ثبات غيرهم أيضا; لأن العدد لا مفهوم له . وقال : وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا ( 26 ) ولم يقل : إن عليا هو الذي عذبهم ، وهو الذي هزمهم ، ولم يقل ذلك أحد من المحدثين ورواة السيرة النبوية .
فإن زعم أنهم كتموها; لأنهم كانوا يكتمون فضائل علي وحده ( قلنا ) : إنهم لم يرووا من مناقب أحد من الصحابة بقدر ما رووا من مناقبه ـ رضي الله عنه ـ وعنهم ، ومما رووا ثباته مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وتخصيص الشيخين عباسا وأبا سفيان بن الحارث بالذكر; لأنه ثبت عندهما بشروطهما المعروفة ، كما أنهما لم يذكرا أبا بكر وعمر أيضا وهو قد نقل عن رواية معلقة زعم أنها تدل على أن البخاري عمر ـ رضي الله عنه ـ كان من المدبرين ، ولم يرو في صحيحه حديثا ما في مناقب البخاري معاوية وروى الأحاديث الكثيرة في مناقب علي كرم الله وجهه .
وإذا كان البخاري ومسلم قد تركا الرواية عمن لا يثقان بعدالته من الروافض فهل يلازمان ونحن نرى مثل هذا المؤلف يفتري الكذب على الله ورسوله ، ويحرف كلام الله تعالى غلوا في علي ( كرم الله وجهه وأغناه بمناقبه الكثيرة الصحيحة عن ذلك ) وإزراء وقدحا في خيار أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وطعنا فيهم بالباطل ؟ .
[ ص: 239 ] ليس في التزام الشيخين للصدق مثار للعجب ، وإنما العجب من هذا الرافضي كيف لم يستحي من الله حيث أسند إلى كتابه ما ليس فيه ، بل ما فيه خلافه أيضا من رضاه عن المهاجرين والأنصار ، وحيث أقسم به أنه ما ثبت أحد في حنين إلا علي وثلاثة أو تسعة ثبتوا بثبات علي ـ رضي الله عنه ـ لا بشجاعتهم ولا بإيمانهم ولا بحرصهم على حياة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ثم كيف لم يستحي منه تعالى ومن رسوله وسيد خلقه الذي لم يكن لعلي فضل إلا من فضله ، حيث زعم أنه لولاه لقتل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذهب الدين والدولة ، وهلكت الأمم وانقرضت ؟ فجعل له المنة وحده على رسول الله وعلى دينه ، وعلى جميع خلقه بما افتراه من ثباته وحده معه ، ولو ثبت ثباته وحده لما اقتضى كل هذه المنن فإن النصر لم يكن بمن كان معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أولا ، بل بفضل الله ثم تأييده ، وبعود المهاجرين والأنصار إلى القتال ، وإنزال ملائكته لتثبيتهم في مواقف النزال .
ألم يؤمن بقول الله تعالى له ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ( 5 : 67 ) فكيف يسلط عليه من يقتله .
أولم يعلم بأن أفرادا وجماعات قصدوا قتله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرارا فعصمه الله منهم ولم يكن علي معه ؟ .
ألم يؤمن بما ثبت في الكتاب والسنة من وعد الله لرسوله بالنصر ، وإظهار دينه على الدين كله ، ومن إيعاد أعدائه بالخذلان ؟ ومن ذلك جزمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن ما جمعته هوازن لقتاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حنين غنيمة للمسلمين - فكيف يقول : إنه لولا علي لقتل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزالت دولة الإسلام وهلكت الأمم ؟ وهل كانت هوازن قادرة على ما عجز عنه سائر العرب مع أن المسلمين كانوا أقوى منهم في كل شيء ، ونصر الله فوق ذلك ؟ .
ألم يكتف بجعل ما جاء به من العار والافتراء ذريعة للطعن في جميع أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى الثلاثة أو التسعة الذين اعترف بفضلهم لنسبهم ، وإنزال السكينة عليهم ، وفي أجل رواة السنة الصحيحة وممحصيها من الكذب ، حتى جعل المنة لعلي على رسول الله وخاتم النبيين في حياته وبلوغ دعوته وتأييد الله ونصره له وبقاء دينه وأمته ؟ ؟ .
أبمثل هذا تكون دعاية المسلمين إلى الرفض وتحقير الصحابة ورجال السنة ؟ .
والذي يعلمه بالبداهة كل صحيح العقل مستقل الفكر مطلع على تاريخ الإسلام أن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المهاجرين والأنصار ـ رضي الله عنهم ـ لم يكونوا جبناء ، بل كانوا أشجع خلق الله ، وأن الله تعالى أيده ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنصره وبهم [ ص: 240 ] في جملتهم لا بعلي وحده ، كرم الله وجوههم ووجهه ، كما قال عز وجل : هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم ( 8 : 62 و63 ) الآية ، وأن الذين ثبتوا معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بدر وهم أذلة جائعون ، حفاة راجلون ، قليل مستضعفون ، فنصرهم الله على صناديد قريش وفرسانها الذين هم ثلاثة أضعافهم ، ما كانوا ليجبنوا عن قتال هوازن وهم على النسبة العكسية من مشركي بدر معهم ، ولكن الله تعالى ابتلاهم بما تقدم ذكره مع بيان سببه تمحيصا لهم ليزدادوا إيمانا به وبعنايته برسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتأييده بنصره ، ولا يغتروا بالكثرة وحدها .
ولو أقسم مقسم بالله تعالى على خلاف ما أقسم عليه هذا الشيعي الذي ملك عليه الغلو أمره ، وسلب التعصب عقله ، فقال : والله الذي لا إله غيره إن الله تعالى ما بعث محمدا خاتما للنبيين ، ومكملا للدين ورحمة للعالمين ، إلا وهو قد كفل نصره على أعدائه الكافرين ، وعصمته من اغتيال المغتالين ، بفضله وحده ، لا بفضل علي ولا غيره ، وأنه لو لم يخلق أو لم يكن في جيش رسوله في علي بن أبي طالب حنين لما قتل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا زال دين الله من الأرض ، ولا هلكت الأمم والشعوب ، ولوفى الله تعالى بوعده لرسوله بنصره على أعدائه كلهم ، لو أقسم السني المحب لجميع أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا القسم الموافق لكتاب الله وسنة رسوله وللتاريخ الصحيح وللمعقول من سنن الاجتماع ، لكان قسمه أبر وأصدق وأرضى لله عز وجل ولرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولعلي عليه السلام والرضوان من قسم ذلك الشيعي على جهله وتعصبه المخالف لكل ما ذكر ومن يضلل الله فما له من هاد ( 13 : 33 ) .