ياأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا أي: ليس المشركون كما تعلمون من حالهم إلا أنجاسا فاسدي الاعتقاد ، يشركون بالله ما لا ينفع ولا يضر ، فيعبدون الرجس من الأوثان والأصنام ، ويدينون بالخرافات والأوهام ، ولا يتنزهون عن النجاسات ولا الآثام ، ويأكلون الميتة والدم من الأقذار الحسية ، ويستحلون القمار والزنا من الأرجاس المعنوية ، ويستبيحون الأشهر الحرم . وقد تمكنت صفات النجس منهم حسا ومعنى حتى كأنهم عينه وحقيقته ، فلا تمكنوهم بعد هذا العام أن يقربوا المسجد الحرام بدخول أرض الحرم فضلا عن دخول البيت نفسه ، وطوافهم عراة فيه ، يشركون بربهم في التلبية ، وإذا صلوا لم تكن صلاتهم عنده إلا مكاء وتصدية - وقيل : المراد بنجاستهم تلبسهم بها دائما لعدم تعبدهم بالطهارة كالمسلمين ، وقول الجمهور بأن المراد النجاسة المعنوية أظهر ، والجمع بين القولين أولى لأنه أعم .
[ ص: 244 ] وأما القول فهو لا معنى له في لغة القرآن إلا قذارتها الذاتية ونتنها ، وذوات المشركين كذوات سائر البشر بشهادة الحس ، ومن كابر شهادة الحس كابر دلالة النظر العقلي واللغوي بالأولى ، ولا يصح أن تكون نجاسة تعبدية إلا بنص صريح في إيجاب غسل ما اتصل بها من البلل ، وهو لا وجود له ، وإنما الموجود خلافه كما تقدم . وقد اتبع القائلون به سنن بعض وثني بنجاسة أعيانهم الهند ، وبعض متعصبي النصارى الذين يعدون كل من لم يتعمد نجسا ، وما هذا بمذهب ، ولكنه من سخافات التعصب ، وقد كان هؤلاء ولا يزالون يرون أن هذه المعمودية تغني صاحبها عن الغسل من الجنابة أو مطلقا ، وحكي لنا عن كثير منهم أنه تمر عليه الشهور والأحوال ولا يغتسل فيها لأجل ذلك ، ويعلل بعض قسوسهم المتعصبين عناية المسلمين بالطهارة من الأحداث والأنجاس بأن أبدانهم يخرج منها الدود دائما لعدم تعمدهم ، وقد حدثنا بعد فضلاء المصريين أنه كان في فرنسة فرأى أن غلاما لصاحب الفندق الذي كان فيه ينظر في الماء الذي يتوضأ فيه الوضوء الشرعي أو اللغوي ثم يذهب إلى والدته فيوشوشها ، فلما تكرر ذلك منه سأل والدته عن ذلك وما يقوله لها ؟ فتمنعت فألح فأخبرته أنه يقول لها يا أمي إنني لا أرى في الماء الذي يغسل فيه هذا المسلم وجهه ويديه دودا كما قال لنا معلمنا القسيس .