[ ص: 268 ] ( فصل ) ولا يجوز إلا بشرطين : ( الأول ) أن يلتزموا الجزية في كل حول . ( الثاني ) التزام أحكام الإسلام ، وهو قبول ما يحكم به عليهم من أداء حق أو ترك محرم لقول الله تعالى : عقد الذمة المؤبدة حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث بريدة : ولا تعتبر حقيقة الإعضاء ولا جريان الأحكام ; لأن إعطاء الجزية إنما يكون في آخر الحول والكف عنهم في ابتدائه عند البذل ، والمراد بقوله : " فادعهم إلى أداء الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم " حتى يعطوا أي: يلتزموا الإعطاء ، ويجيبوا إلى بذله ، كقول الله تعالى : فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ( 5 ) والمراد به التزام ذلك دون حقيقته ، فإن الزكاة إنما يجب أداؤها عند الحول لقوله عليه السلام: . لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول
" مسألة " قال : ( ومن سواهم فالإسلام أو القتل ) . يعني من سوى اليهود والنصارى والمجوس لا تقبل منهم الجزية ، ولا يقرون بها ، ولا يقبل منهم إلا الإسلام فإن لم يسلموا قتلوا ، هذا ظاهر مذهبأحمد ، وروى عنه الحسن بن ثواب أنها تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب ; لأن حديث بريدة يدل بعمومه على قبول الجزية من كل كافر إلا أنه خرج منه عبدة الأوثان من العرب ; لتغلظ كفرهم من وجهين : ( أحدهما ) دينهم ( والثاني ) كونهم من رهط النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وقال : لا تقبل إلا من الشافعي أهل الكتاب والمجوس ، لكن في أهل الكتب غير اليهود والنصارى مثل أهل صحف إبراهيم وشيث وزبور داود ومن تمسك بدين آدم وإدريس وجهان ( أحدهما ) يقرون بالجزية ; لأنهم من أهل الكتاب فأشبهوا اليهود والنصارى وقال أبو حنيفة : تقبل من جميع الكفار إلا العرب ; لأنهم رهط النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يقرون على غير دينه وغيرهم يقر بالجزية ; لأنه يقر بالاسترقاق فأقروا بالجزية كالمجوس ، وعن مالك أنها تقبل من جميعهم إلا مشركي قريش ; لأنهم ارتدوا ، وعن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أنها تقبل من جميعهم وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن جابر لحديث بريدة ، ولأنه كافر فيقر بالجزية كأهل الكتاب .
ولنا قول الله تعالى : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( 9 : 5 ) وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا عام خص منه أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها أهل الكتاب بالآية [ ص: 269 ] والمجوس بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : فمن عداهم من الكفار يبقى على قضية العموم ، وقد بينا أن أهل الصحف من غير سنوا بهم سنة أهل الكتاب أهل الكتاب المراد بالآية فيما تقدم . اهـ . . .
استدلاله بعموم المشركين ممنوع ; لأنه من العام الذي أريد به الخاص كما تقدم ، فالحق المختار أن قبول الجزية من أهل الكتاب والمجوس حتم وعدم قبولها من مشركي العرب حتم ، وما عداهما فموكول إلى اجتهاد أولي الأمر ، كسائر المصالح التي ليس فيها نص . ومقدار الجزية اجتهادي أيضا بشرطه .