أما
nindex.php?page=treesubj&link=7877_32516الحرب والقتال لمحض البغي والعدوان ، والضراوة بسفك الدماء كحروب بعض الملوك المستبدين والغابرين - أو لغرض الانتقام والبغض الديني كالحروب الصليبية ، أو لأجل الطمع في المال وسعة الملك ، وتسخير البشر وإرهاقهم ; لتمتع القوي بثمرات كسب الضعيف كحروب أوربة الاستعمارية في هذا العصر - فكل هذه الحروب محرمة في الإسلام لا يبيح شيئا منها ، لأنها لحظوظ الدنيا وشهواتها ، ومن إهانة الدين المغضبة لشارع الدين أن يتخذ الدين وسيلة لها . وقد علم مما بسطناه من أحكام الجزية وعمل الصحابة بها أنها ليست مما ذكر في شيء ، وأنها مال حقير قليل لا يفقر معطيه ، ولا يغني آخذيه ، وأن من شروطها أن تكون عن قدرة وسعة ، وألا يكلف أحد منها ما لا يطيق .
وأما كونها عنوان الدخول في حكم الإسلام ، وقبول سيادة أهله فهو صحيح ، ولكن هذا الحكم لا يبيح للمسلمين شيئا من الظلم والإرهاق واستنزاف ثروة الذين يقبلونه من أهل الملل
[ ص: 271 ] الأخرى على الوجه المعروف المشاهد في جميع المستعمرات الأوربية ، وإنما تجب المساواة بينهم وبين المسلمين في العدل والحقوق والضرائب ، مع أن المفروض على المسلمين في أموالهم أكثر ، كأنواع الزكاة المفروضة ، والصدقات المندوبة ، حتى قال الفقهاء : إنه يجب على المسلم نفقة المضطر من ذمي ومعاهد ، إذا لم يوجد من يقوم له بها من قريب وغيره . وإنما زاد بعضهم ما يؤخذ من المكس من الذميين على ما يؤخذ من المسلمين بربع العشر في مقابلة الزكاة . ومع هذا يقول بعض العلماء : إنه لا يجب بدء الحربيين بالقتال لأجل الجزية والدخول في حكمنا ، إذا لم يوجد سبب آخر ، خلافا لمن يظن أن هذا واجب في الإسلام بالإجماع لما يراه في بعض كتب الفقه .
وقد لخص الحافظ
ابن حجر أقوال علماء الإسلام في
nindex.php?page=treesubj&link=7918حكم الجهاد - التي يحتج ببعضها هؤلاء القليلو الاطلاع - في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عند قوله : ( باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية ) فذكر أولا أن الكلام في حالين : زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما بعده ، فأما زمنه فالتحقيق من عدة أقوال : أن وجوبه فيه كان عينا على من عينه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حقه . وأما بعده " فهو فرض كفاية على المشهور ، إلا أن تدعو الحاجة إليه كأن يدهم العدو ، ويتعين على من عينه الإمام ( أي الأعظم ) ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنة مرة عند الجمهور ، ومن حجتهم أن الجزية تجب بدلا عنه ، ولا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقا فليكن بدلها كذلك ، وقيل : يجب كلما أمكن وهو قوي ، والذي يظهر أنه استمر على ما كان عليه في زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن تكاملت فتوح معظم البلاد وانتشر الإسلام في أقطار الأرض ، ثم صار إلى ما تقدم ذكره ، والتحقيق أن جنس جهاد الكفار متعين على كل مسلم إما بيده ، وإما بلسانه ، وإما بماله ، وإما بقلبه والله أعلم " اهـ .
فعلم من هذا التفصيل أنه ليس في مسألة
nindex.php?page=treesubj&link=7918جهاد العدو بالسيف إجماع من المسلمين إلا في حال اعتداء الأعداء على المسلمين ، وحينئذ
nindex.php?page=treesubj&link=7701_7891_25876إذا أعلن الإمام النفير العام وجبت طاعته ، وإذا استنفر بعضهم كالجند المرابط والمتعلم وغيرهم وجبت طاعته ، فإنه يطاع في الواجب الكفائي كالواجب العيني ، وقال الشيخ
الموفق في المغني : ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع : ( الأول ) إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان إلخ . ( الثاني ) إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم . ( الثالث ) إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير معه اهـ . بدون ذكر الأدلة . وتقدم بيان الأول في تفسير
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=15إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ( 8 : 15 ) وأنه كان في غزوة
بدر إذ كان المشركون هم المعتدين . وقد تقدم في تفسير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ( 8 : 60 ) أن الاستعداد للحرب واجب على الحكومة الإسلامية ، كما هو المعلوم الذي عليه
[ ص: 272 ] العمل عند جميع دول الأرض ، وأن الغرض الأول من هذا الاستعداد إرهاب عدو الله ، وهم كل من يقاوم دينه ويمنع نشره ويضطهد أهله ، وعدو المسلمين الذي يعاديهم ولو لغير دينهم كالطمع في بلادهم ، والضراوة باستعبادهم ; ليخشوا بأسهم فلا يعتدوا عليهم ، فإن اعتدوا لم يجدوهم ضعفاء ولا عاجزين .
والمعلوم من تاريخ البشر أن الحرب سنة من سنن الاجتماع البشري ، أو أكبر مظهر وأثر لسنة تنازع البقاء ، وتعارض المصالح والمنافع والأهواء ، ولا سيما أهواء الملوك والرؤساء ، رؤساء الدين ورؤساء الدنيا ، بل هي سنة من سنن بعض الحشرات التي تعيش عيشة التعاون والاجتماع كالنمل ، فهو يغزو ويبيد ويسترق ويستخدم رفيقه في خدمته وترفيه معيشته وغزو أعدائه ، وعلم من التاريخ أيضا أن شعوب أوربة أشد البشر ضراوة وقسوة في الحرب في أطوار حياتها كلها من همجية ، ووثنية ، ونصرانية مذهبية ، وصليبية ، ومدنية مادية . ومن علمائهم وفلاسفتهم الغابرين والمعاصرين من يرى منافع الحرب العامة في البشر أكبر من مضارها ، وإن كان الخسار فيها عاما شاملا للغالبين والمغلوبين ، ولا تزال جميع دولهم تنفق على الاستعداد لها فوق ما تنفق على غيرها من مصالح الدولة والأمة ، وترهق شعوبها بالضرائب لأجلها ، فوق ما تستنزفه من ثروة مستعمراتها وما تقترضه بعد هذا وذاك من الديون الفاحشة ، هذا مع علم كل أحد من ساستهم ، وعلمائهم بسوء نية كل دولة ، وعدم انتمائها للأخرى . وعلم كل منهم بأنه لولا سوء النية ، وفساد الطوية ، لأمكن الاتفاق سرا وجهرا على ما يقترحه فضلاء العقلاء من تقليل الاستعداد للحرب الذي كثرت أسبابه ، واتسعت بالاختراعات أبوابه ، حتى صار خطرا على البشر وحضارتهم وعمرانهم يخشى أن يدمر أكبر مملكة من أوربة ، ويبيد أهلها في أيام معدودات ، وهم على هذا كله لا يزدادون إلا غلوا فيها . ولو أنهم اهتدوا بالإسلام - الذي صار واأسفاه مجهولا حتى عند أهله - لاهتدوا الطريق ، ووجدوا المخرج من هذا المضيق .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=7877_32516الْحَرْبُ وَالْقِتَالُ لِمَحْضِ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ ، وَالضَّرَاوَةِ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ كَحُرُوبِ بَعْضِ الْمُلُوكِ الْمُسْتَبِدِّينَ وَالْغَابِرِينَ - أَوْ لِغَرَضِ الِانْتِقَامِ وَالْبُغْضِ الدِّينِيِّ كَالْحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ ، أَوْ لِأَجْلِ الطَّمَعِ فِي الْمَالِ وَسَعَةِ الْمُلْكِ ، وَتَسْخِيرِ الْبَشَرِ وَإِرْهَاقِهِمْ ; لِتَمَتُّعِ الْقَوِيِّ بِثَمَرَاتِ كَسْبِ الضَّعِيفِ كَحُرُوبِ أُورُبَّةَ الِاسْتِعْمَارِيَّةِ فِي هَذَا الْعَصْرِ - فَكُلُّ هَذِهِ الْحُرُوبِ مُحَرَّمَةٌ فِي الْإِسْلَامِ لَا يُبِيحُ شَيْئًا مِنْهَا ، لِأَنَّهَا لِحُظُوظِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا ، وَمِنْ إِهَانَةِ الدِّينِ الْمُغْضِبَةِ لِشَارِعِ الدِّينِ أَنْ يُتَّخَذَ الدِّينُ وَسِيلَةً لَهَا . وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا بَسَطْنَاهُ مِنْ أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ وَعَمَلِ الصَّحَابَةِ بِهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا ذُكِرَ فِي شَيْءٍ ، وَأَنَّهَا مَالٌ حَقِيرٌ قَلِيلٌ لَا يُفْقِرُ مُعْطِيهِ ، وَلَا يُغْنِي آخِذِيهِ ، وَأَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا أَنْ تَكُونَ عَنْ قُدْرَةٍ وَسَعَةٍ ، وَأَلَّا يُكَلَّفَ أَحَدٌ مِنْهَا مَا لَا يُطِيقُ .
وَأَمَّا كَوْنُهَا عُنْوَانَ الدُّخُولِ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ ، وَقَبُولِ سِيَادَةِ أَهْلِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ ، وَلَكِنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يُبِيحُ لِلْمُسْلِمِينَ شَيْئًا مِنَ الظُّلْمِ وَالْإِرْهَاقِ وَاسْتِنْزَافِ ثَرْوَةِ الَّذِينَ يَقْبَلُونَهُ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ
[ ص: 271 ] الْأُخْرَى عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ الْمُشَاهَدِ فِي جَمِيعِ الْمُسْتَعْمَرَاتِ الْأُورُبِّيَّةِ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَدْلِ وَالْحُقُوقِ وَالضَّرَائِبِ ، مَعَ أَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ أَكْثَرُ ، كَأَنْوَاعِ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ ، وَالصَّدَقَاتِ الْمَنْدُوبَةِ ، حَتَّى قَالَ الْفُقَهَاءُ : إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ الْمُضْطَرِّ مِنْ ذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ ، إِذَا لَمْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ لَهُ بِهَا مِنْ قَرِيبٍ وَغَيْرِهِ . وَإِنَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمَكْسِ مِنَ الذِّمِّيِّينَ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِرُبُعِ الْعُشْرِ فِي مُقَابَلَةِ الزَّكَاةِ . وَمَعَ هَذَا يَقُولُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّهُ لَا يَجِبُ بَدْءُ الْحَرْبِيِّينَ بِالْقِتَالِ لِأَجْلِ الْجِزْيَةِ وَالدُّخُولِ فِي حُكْمِنَا ، إِذَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ آخَرُ ، خِلَافًا لِمَنْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ فِي الْإِسْلَامِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا يَرَاهُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ .
وَقَدْ لَخَّصَ الْحَافِظُ
ابْنُ حَجَرٍ أَقْوَالَ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=7918حُكْمِ الْجِهَادِ - الَّتِي يَحْتَجُّ بِبَعْضِهَا هَؤُلَاءِ الْقَلِيلُو الِاطِّلَاعِ - فِي شَرْحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ : ( بَابُ وُجُوبِ النَّفِيرِ وَمَا يَجِبُ مِنَ الْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ ) فَذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الْكَلَامَ فِي حَالَيْنِ : زَمَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَا بَعْدَهُ ، فَأَمَّا زَمَنُهُ فَالتَّحْقِيقُ مِنْ عِدَّةِ أَقْوَالٍ : أَنَّ وُجُوبَهُ فِيهِ كَانَ عَيْنًا عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي حَقِّهِ . وَأَمَّا بَعْدَهُ " فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ ، إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ كَأَنْ يَدْهَمَ الْعَدُوُّ ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ ( أَيِ الْأَعْظَمُ ) وَيَتَأَدَّى فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِفِعْلِهِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبْ بَدَلًا عَنْهُ ، وَلَا تَجِبُ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ اتِّفَاقًا فَلْيَكُنْ بَدَلُهَا كَذَلِكَ ، وَقِيلَ : يَجِبُ كُلَّمَا أَمْكَنَ وَهُوَ قَوِيٌّ ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى أَنْ تَكَامَلَتْ فُتُوحُ مُعْظَمِ الْبِلَادِ وَانْتَشَرَ الْإِسْلَامُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ جِنْسَ جِهَادِ الْكُفَّارِ مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِمَّا بِيَدِهِ ، وَإِمَّا بِلِسَانِهِ ، وَإِمَّا بِمَالِهِ ، وَإِمَّا بِقَلْبِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ " اهـ .
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَسْأَلَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=7918جِهَادِ الْعَدُوِّ بِالسَّيْفِ إِجْمَاعٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي حَالِ اعْتِدَاءِ الْأَعْدَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَحِينَئِذٍ
nindex.php?page=treesubj&link=7701_7891_25876إِذَا أَعْلَنَ الْإِمَامُ النَّفِيرَ الْعَامَّ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ ، وَإِذَا اسْتَنْفَرَ بَعْضَهُمْ كَالْجُنْدِ الْمُرَابِطِ وَالْمُتَعَلِّمِ وَغَيْرِهِمْ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ ، فَإِنَّهُ يُطَاعُ فِي الْوَاجِبِ الْكِفَائِيِّ كَالْوَاجِبِ الْعَيْنِيِّ ، وَقَالَ الشَّيْخُ
الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي : وَيَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ : ( الْأَوَّلُ ) إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ وَتَقَابَلَ الصَّفَّانِ إِلَخْ . ( الثَّانِي ) إِذَا نَزَلَ الْكُفَّارُ بِبَلَدٍ تَعَيَّنَ عَلَى أَهْلِهِ قِتَالُهُمْ وَدَفْعُهُمْ . ( الثَّالِثُ ) إِذَا اسْتَنْفَرَ الْإِمَامُ قَوْمًا لَزِمَهُمُ النَّفِيرُ مَعَهُ اهـ . بِدُونِ ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ . وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْأَوَّلِ فِي تَفْسِيرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=15إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ( 8 : 15 ) وَأَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ
بَدْرٍ إِذْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ هُمُ الْمُعْتَدِينَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ( 8 : 60 ) أَنَّ الِاسْتِعْدَادَ لِلْحَرْبِ وَاجِبٌ عَلَى الْحُكُومَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، كَمَا هُوَ الْمَعْلُومُ الَّذِي عَلَيْهِ
[ ص: 272 ] الْعَمَلُ عِنْدَ جَمِيعِ دُوَلِ الْأَرْضِ ، وَأَنَّ الْغَرَضَ الْأَوَّلَ مِنْ هَذَا الِاسْتِعْدَادِ إِرْهَابُ عَدُوِّ اللَّهِ ، وَهُمْ كُلُّ مَنْ يُقَاوِمُ دِينَهُ وَيَمْنَعُ نَشْرَهُ وَيَضْطَهِدُ أَهْلَهُ ، وَعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي يُعَادِيهِمْ وَلَوْ لِغَيْرِ دِينِهِمْ كَالطَّمَعِ فِي بِلَادِهِمْ ، وَالضَّرَاوَةِ بِاسْتِعْبَادِهِمْ ; لِيَخْشَوْا بَأْسَهُمْ فَلَا يَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ ، فَإِنِ اعْتَدَوْا لَمْ يَجِدُوهُمْ ضُعَفَاءَ وَلَا عَاجِزِينَ .
وَالْمَعْلُومُ مِنْ تَارِيخِ الْبَشَرِ أَنَّ الْحَرْبَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ ، أَوْ أَكْبَرُ مَظْهَرٍ وَأَثَرٍ لِسُنَّةِ تَنَازُعِ الْبَقَاءِ ، وَتَعَارُضِ الْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ وَالْأَهْوَاءِ ، وَلَا سِيَّمَا أَهْوَاءُ الْمُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ ، رُؤَسَاءِ الدِّينِ وَرُؤَسَاءِ الدُّنْيَا ، بَلْ هِيَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ بَعْضِ الْحَشَرَاتِ الَّتِي تَعِيشُ عِيشَةَ التَّعَاوُنِ وَالِاجْتِمَاعِ كَالنَّمْلِ ، فَهُوَ يَغْزُو وَيُبِيدُ وَيَسْتَرِقُّ وَيَسْتَخْدِمُ رَفِيقَهُ فِي خِدْمَتِهِ وَتَرْفِيهِ مَعِيشَتِهِ وَغَزْوِ أَعْدَائِهِ ، وَعُلِمَ مِنَ التَّارِيخِ أَيْضًا أَنَّ شُعُوبَ أُورُبَّةَ أَشَدُّ الْبَشَرِ ضَرَاوَةً وَقَسْوَةً فِي الْحَرْبِ فِي أَطْوَارِ حَيَاتِهَا كُلِّهَا مِنْ هَمَجِيَّةٍ ، وَوَثَنِيَّةٍ ، وَنَصْرَانِيَّةٍ مَذْهَبِيَّةٍ ، وَصَلِيبِيَّةٍ ، وَمَدَنِيَّةٍ مَادِّيَّةٍ . وَمِنْ عُلَمَائِهِمْ وَفَلَاسِفَتِهِمُ الْغَابِرِينَ وَالْمُعَاصِرِينَ مَنْ يَرَى مَنَافِعَ الْحَرْبِ الْعَامَّةِ فِي الْبَشَرِ أَكْبَرَ مِنْ مَضَارِّهَا ، وَإِنْ كَانَ الْخَسَارُ فِيهَا عَامًّا شَامِلًا لِلْغَالِبِينَ وَالْمَغْلُوبِينَ ، وَلَا تَزَالُ جَمِيعُ دُوَلِهِمْ تُنْفِقُ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ لَهَا فَوْقَ مَا تُنْفِقُ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ مَصَالِحِ الدَّوْلَةِ وَالْأُمَّةِ ، وَتُرْهِقُ شُعُوبَهَا بِالضَّرَائِبِ لِأَجْلِهَا ، فَوْقَ مَا تَسْتَنْزِفُهُ مِنْ ثَرْوَةِ مُسْتَعْمَرَاتِهَا وَمَا تَقْتَرِضُهُ بَعْدَ هَذَا وَذَاكَ مِنَ الدُّيُونِ الْفَاحِشَةِ ، هَذَا مَعَ عِلْمِ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ سَاسَتِهِمْ ، وَعُلَمَائِهِمْ بِسُوءِ نِيَّةِ كُلِّ دَوْلَةٍ ، وَعَدَمِ انْتِمَائِهَا لِلْأُخْرَى . وَعِلْمِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لَوْلَا سُوءُ النِّيَّةِ ، وَفَسَادُ الطَّوِيَّةِ ، لَأَمْكَنَ الِاتِّفَاقُ سِرًّا وَجَهْرًا عَلَى مَا يَقْتَرِحُهُ فُضَلَاءُ الْعُقَلَاءِ مِنْ تَقْلِيلِ الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ الَّذِي كَثُرَتْ أَسْبَابُهُ ، وَاتَّسَعَتْ بِالِاخْتِرَاعَاتِ أَبْوَابُهُ ، حَتَّى صَارَ خَطَرًا عَلَى الْبَشَرِ وَحَضَارَتِهِمْ وَعُمْرَانِهِمْ يُخْشَى أَنْ يُدَمِّرَ أَكْبَرَ مَمْلَكَةٍ مِنْ أُورُبَّةَ ، وَيُبِيدَ أَهْلَهَا فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ، وَهُمْ عَلَى هَذَا كُلِّهِ لَا يَزْدَادُونَ إِلَّا غُلُوًّا فِيهَا . وَلَوْ أَنَّهُمُ اهْتَدَوْا بِالْإِسْلَامِ - الَّذِي صَارَ وَاأَسَفَاهُ مَجْهُولًا حَتَّى عِنْدَ أَهْلِهِ - لَاهْتَدَوُا الطَّرِيقَ ، وَوَجَدُوا الْمَخْرَجَ مِنْ هَذَا الْمَضِيقِ .