( 2 ) : غلو الإفرنج في الإلحاد وشعورهم أخيرا بالحاجة إلى الدين
إن المطلعين على تلك الحقائق التي تبطل الثقة برواية كتبهم ، وكثير من معانيها المخالفة للعلم والتاريخ ، وبعقائدهم أيضا قليلون بالنسبة إلى غير المطلعين عليها ، وقد فشا فيهم الكفر والتعطيل ، أو الكفر بدين الكنيسة خاصة من التثليث وألوهية المسيح . والفداء والاستحالة في العشاء الرباني - أي استحالة الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه - وقد كانوا غلوا في الإلحاد عقب تمكن الحرية فيهم ، والتوسع في العلوم ، بقدر ما كان من غلو سيطرة الكنيسة على الأفكار والأعمال ، وألفوا كثيرا من الكتب والرسائل في الطعن في هذا الدين ، حتى كان يخيل إلى زوار أوربة من أهل الشرق أن أوربة أصبحت مادية ، لا تدين بدين ، وإنما بقي فيها بعض رسوم النصرانية يدين بها العامة المقلدون ، والمتمتعون بأوقاف الكنائس وسلطانها الروحاني ، ولكن الفوضى الدينية بلغت غاية مدها في إثر حرب المدينة [ ص: 304 ] العامة ، فشعر العقلاء بشدة الحاجة إلى الدين المطلق بسنة " رد الفعل " وألفوا عدة جمعيات لإرجاع هدايته على قواعد مختلفة ، بعضها قريب من العقل وبعضها بعيد عنه ، بناء على أن الدين يجب أن يؤخذ كله بالتسليم بغير بحث ولا عقل ، حتى قيل : إنه قد كثر في البروتستانت من الإنكليز من يميلون إلى الرجوع إلى الكاثوليكية ، لأن لرسومها وتقاليدها ، وصورها وتماثيلها ، ونغمات نشيدها من السلطان والتأثير في القلب ما ليس للكنيسة الإصلاحية اللوثرية .
ومن أعظم أثر هذا الانقلاب تودد جمهورية فرنسة الإلحادية إلى البابا ، وإعادتها لما سلبت من أوقاف الكنائس . واتفاق الدولة الإيطالية مع البابا على إرجاع سلطانه السياسي ، والاعتراف بمملكته الدينية ، ورد أملاكها إليها ، ثم إجابة طلبه إلى إعادة التعليم الديني الكاثوليكي إلى جميع المدارس الإيطالية ؛ لما ثبت عند رجل هذه الدولة ورئيس حكومتها في هذا ، أن حفظ أخلاق الأمة من الفساد وجامعتها من الانحلال لا يتم إلا بالدين - أي دين يحرم الفواحش والمنكرات ، ويجمع الكلمة - وأن دين الأمة الموروث أولى بذلك من غيره ، إن فرض أن غيره ممكن قريب المنال . ومثل هذه الأفكار لا يعقلها ملاحدة هذه البلاد وأمثالهم ; لأنهم لا يفكرون فيما ينفع الأمة ويضرها ، ولا في تأثير الدين في أخلاقها ووحدتها ، فمنهم من ينشر إلحاده تلذذا بتقليد ملاحدة أوربة ، وتشرفا بالتشبه بهم ، لصغاره وخسة نفسه ، ومنهم من ينشره خدمة للمستعمرين ، ومساعدة للمبشرين ، بأجر حقير ، وإثم كبير .