الأول : ما زيد فيه
والزائد أقسام :
الأول الألف ; وهى إما أن تزاد من أول الكلمة ، أو من آخرها ، أو من وسطها .
فالأول : تكون بمعنى زائد بالنسبة إلى ما قبله في الوجود ، مثل ; " " أو لأاذبحنه " " ( النمل : 21 ) ، و ولأوضعوا خلالكم ( التوبة : 47 ) ، زيدت الألف تنبيها على أن المؤخر أشد في الوجود من المقدم عليه لفظا ; فالذبح أشد من العذاب ، والإيضاع أشد إفسادا من زيادة الخبال . واختلفت المصاحف في حرفين : لإلى الجحيم ( الصافات : 68 ) ، و لإلى الله تحشرون ( آل عمران : 158 ) ، فمن رأى أن مرجعهم إلى الجحيم أشد من أكل الزقوم وشرب الحميم ، وأن حشرهم إلى الله أشد عليهم من موتهم أو قتلهم في الدنيا ، أثبت الألف . ومن لم ير ذلك لأنه غيب عنا ، فلم يستو القسمان في العلم بهما لم يثبته ، وهو أولى .
وكذلك : " " ولا تايئسوا من روح الله إنه لا يايئس " " ( يوسف : 87 ) ، " " أفلم يايئس " " ( الرعد : 31 ) ; لأن الصبر وانتظار الفرج أخف من الإياس ، والإياس لا يكون في الوجود إلا بعد الصبر والانتظار .
والثاني : يكون باعتبار معنى خارج عن الكلمة يحصل في الوجود ; لزيادتها بعد الواو في الأفعال ، نحو يرجوا ، ويدعوا ، وذلك لأن الفعل أثقل من الاسم ; لأنه يستلزم فاعلا ، فهو [ ص: 17 ] جملة ، والاسم مفرد لا يستلزم غيره ، فالفعل أزيد من الاسم في الوجود ، والواو أثقل حروف المد واللين ، والضمة أثقل الحركات ، والمتحرك أثقل من الساكن ، فزيدت الألف تنبيها على ثقل الجملة ، وإذا زيدت مع الواو ، التي هي لام الفعل ، فمع الواو التي هي ضمير الفاعلين أولى ; لأن الكلمة جملة ، مثل قالوا ، وعصوا ، إلا أن يكون الفعل مضارعا وفيه النون علامة الرفع ، فتختص الواو بالنون ، التي هي من جهة تمام الفعل ; إذ هي إعرابه فيصير ككلمة واحدة وسطها واو ; كالعيون والسكون ، فإن دخل ناصب أو جازم مثل : فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ( البقرة : 24 ) ثبتت الألف .
وقد تسقط في مواضع للتنبيه على اضمحلال الفعل ، نحو : " " سعو في آياتنا معاجزين " " ( سبأ : 5 ) فإنه سعي في الباطل لا يصح له ثبوت في الوجود .
وكذلك : " " جاءو بسحر عظيم " " ( الأعراف : 116 ) و " " جاءو ظلما وزورا " " ( الفرقان : 4 ) " " وجاءو أباهم " " ( يوسف : 16 ) ، " " وجاءو على قميصه " " ( يوسف : 18 ) فإن هذا المجيء ليس على وجهه الصحيح .
وكذلك : " " فإن فاءو " " ( البقرة : 226 ) وهو فيء بالقلب والاعتقاد .
وكذا : " " تبوءو الدار والإيمان " " ( الحشر : 9 ) اختاروها سكنا ، لكن لا على الجهة المحسوسة ; لأنه سوى بينهما ، وإنما اختاروها سكنا لمرضاة الله ; بدليل وصفهم بالإيثار مع الخصاصة ; فهذا دليل زهدهم في محسوسات الدنيا ، وكذلك : فاءوا لأنه رجوع معنوي .
وكذلك : عسى الله أن يعفو عنهم ( النساء : 99 ) حذفت ألفه لأن كيفية هذا الفعل لا تدرك ، إذ هو ترك المؤاخذة ; إنما هو أمر عقلي .
وكذلك : " " وعتو عتوا كبيرا " " ( الفرقان : 21 ) ، هذا عتو على الله ، لذلك وصفه بالكبر ، فهو باطل في الوجود .
وكذلك سقطت من : وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ( المطففين : 3 ) ، ولم تسقط من : وإذا ما غضبوا هم يغفرون ( الشورى : 37 ) ، لأن غضبوا جملة بعدها أخرى ، والضمير مؤكد للفاعل في الجملة الأولى ، و ( كالوهم ) جملة واحدة ، الضمير جزء منها .
[ ص: 18 ] وكذلك زيدت الألف بعد الهمزة في حرفين : " " إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك " " ( المائدة : 29 ) ، و " " ما إن مفاتحه لتنوأ " " ( القصص : 76 ) تنبيها على تفصيل المعنى ، فإنه يبوء بإثمين من فعل واحد ، وتنوء المفاتح بالعصبة ، فهو نوءان للمفاتح ; لأنها بثقلها أثقلتهم فمالت وأمالتهم ، وفيه تذكير بالمناسبة يتوجه به من مفاتح كنوز مال الدنيا المحسوس ، إلى مفاتح كنوز العلم الذي ينوء بالعصبة أولي القوة في يقينهم ، إلى ما عند الله في الدار الآخرة .
وكذلك زيدت بعد الهمزة من قوله : كأمثال اللؤلؤ تنبيها على معنى البياض والصفاء بالنسبة إلى ما ليس بمكنون وعلى تفصيل الإفراد ، يدل عليه قوله : ( كأمثال ) ، وهو على خلاف حال : كأنهم لؤلؤ ( الطور : 24 ) فلم يزد الألف للإجمال وخفاء التفصيل .
وقال أبو عمرو : كتبوا الـ ( لؤلؤا ) في الحج ( الآية : 23 ) ، و " الملائكة " ( فاطر : 33 ) بالألف ، واختلف في زيادتها ، فقال أبو عمرو : كما زادوها في ( كانوا ) ، وقال : لمكان الهمزة . الكسائي
وعن محمد بن عيسى الأصبهاني : كل ما في القرآن من " لؤلؤ " فبغير الألف في مصاحف البصريين إلا في موضعين : في الحج ( الآية : 23 ) ، والإنسان ( الآية : 19 ) .
وقال عاصم الجحدري : كلها في مصحف عثمان بالألف إلا التي في الملائكة .
والثالث : تكون لمعنى في نفس الكلمة ظاهر ، مثل : " " وجايء يومئذ بجهنم " " ( الفجر : 23 ) ، زيدت الألف دليلا على أن هذا المجيء هو بصفة من الظهور ينفصل بها عن [ ص: 19 ] معهود المجيء ، وقد عبر عنه بالماضي ، ولا يتصور إلا بعلامة من غيره ليس مثله ، فيستوي في علمنا ملكها وملكوتها في ذلك المجيء ، ويدل عليه قوله تعالى في موضع آخر : وبرزت الجحيم ( الشعراء : 91 ) ، وقوله : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( الفرقان : 12 ) ، هذا بخلاف حال : وجيء بالنبيين والشهداء ( الزمر : 69 ) ; حيث لم تكتب الألف ; لأنه على المعروف في الدنيا ، ومن تأوله بمعنى البروز في المحشر لتعظيم جناب الحق أثبت الألف فيه أيضا .
وكذلك : " " ولا تقولن لشايء إني فاعل ذلك غدا " " ( الكهف : 23 ) الشيء هنا معدوم ، وإنما علمناه من تصور مثله الذي قد وقع في الوجود فنقل له الاسم فيه ، من حيث إنه يقدر أنه يكون مثله في الوجود ، فزيدت الألف تنبيها على اعتبار المعدوم من جهة تقدير الوجود ، إذ هو موجود في الأذهان ، معدوم في الأعيان .
وهذا بخلاف قوله في النحل : إنما قولنا لشيء إذا أردناه ( النحل : 40 ) فإن الشيء هنا من جهة قول الله ، لا يعلم كيف ذلك ، بل نؤمن به تسليما لله سبحانه فيه ، فإنه سبحانه يعلم الأشياء بعلمه لا بها ، ونحن نعلمها بوجودها لا بعلمنا فلا تشبيه ولا تعطيل .
وكذلك : " " إلى فرعون وملائه " " ( هود : 97 ) زيدت الألف بين اللام والهمزة ، تنبيها على تفصيل مهم ظاهر الوجود .
ومثله زيادتها في : مائة ( البقرة : 259 ) لأنه اسم يشتمل على كثرة مفصلة بمرتبتين : آحاد وعشرات .
قال أبو عمرو في المقنع : لا خلاف في رسم ألف الوصل الناقصة من اللفظ في الدرج ، نحو : عيسى ابن مريم ( البقرة : 87 ) ، والمسيح ابن مريم ( المائدة : 17 ) ، وهو نعت ، كما أثبتوها في الخبر نحو : عزير ابن الله ( التوبة : 30 ) ، و المسيح ابن الله ( التوبة : 30 ) ، ولم تحذف إلا في خمسة مواضع .
قال : ولا خلاف في بعد الميم في مائة ( البقرة : 259 ) ، و مائتين [ ص: 20 ] ( الأنفال : 65 ) ، حيث وقعا ، ولم تزد في فئة ( البقرة : 249 ) ، ولا فئتين ( آل عمران : 13 ) ، وزيدت في نحو : " " تفتؤا " " ( يوسف : 85 ) " " زيادة الألف تبوأ بإثمي " " ( المائدة : 29 ) و " " لتنوأ بالعصبة " " ( القصص : 76 ) ، ولا أعلم همزة متطرفة قبلها ساكن رسمت في المصحف إلا في هذين الموضعين . ولا أعلم همزة متوسطة قبلها ساكن رسمت في المصحف إلا في قوله : موئلا في الكهف ( الآية : 58 ) لا غير .