باب في الهمز المفرد
وهو يأتي على ضربين : ويقع فاء من الفعل وعينا ولاما . ساكن ، ومتحرك ،
( فالضرب الأول ) الساكن ، ويأتي باعتبار حركة ما قبله على ثلاثة أقسام : مضموم ما قبله نحو ( يؤمنون ، و رؤيا ، و مؤتفكة ، و لؤلؤ ، و يسؤكم ، و يقول ائذن لي ) ومكسور نحو ( بئس ، و جئت ، و شئت ، و روحا ، و نبئ ، و الذي ائتمن ) ومفتوح نحو ( فأتوهن ، فأذنوا ، وآتوا ، وأمر أهلك ، و مأوى ، و اقرأ ، و إن يشأ ، و الهدى ائتنا ) فقرأ أبو جعفر جميع ذلك بإبدال الهمزة فيه حرف مد بحسب حركة ما قبله إن كانت ضمة فواو ، أو كسرة فياء ، أو فتحة فألف ، واستثنى من ذلك كلمتين ، وهما أنبئهم في البقرة و نبئهم في الحجر والقمر ، واختلف عنه في كلمة واحدة ، وهي نبئنا في يوسف . فروى عنه تحقيقها من روايتي أبو طاهر بن سوار ابن وردان وابن جماز جميعا . وروى الهذلي إبدالها من طريق [ ص: 391 ] الهاشمي عن ابن جماز ، وروى تحقيقها من طريق ابن شبيب ، عن ابن وردان ، وكذا أبو العز من طريق النهرواني عنه ، وإبدالها عنه من سائر طرقه ، وقطع له بالتحقيق الحافظ أبو العلاء ، وأطبق الخلاف عنه من الروايتين ، وأجمع الرواة عنه على أنه إذا أبدل الهمزة واوا في ( رؤيا ، و أبو بكر بن مهران الرؤيا ) وما جاء منه يقلب الواو ياء ، ويدغم الياء في الياء التي بعدها معاملة للعارض معاملة الأصلي ، وإذا أبدل ( تؤوي و تؤويه ) جمع بين الواوين مظهرا ، وسيأتي الكلام على رئيا وافقه من طريق ورش الأصبهاني على الإبدال في الباب كله ، واستثنى من ذلك خمسة أسماء وخمسة أفعال ، فالأسماء ( البأس و البأساء ، اللؤلؤ و لؤلؤ ) حيث وقع ( ورئيا ) في مريم و ( الكأس والرأس ) حيث وقعا ، والأفعال : جئت وما جاء منه ، نحو ( أجئتنا ، و جئناهم ، و جئتمونا ، و نبئ ) وما جاء من لفظه نحو ( أنبئهم ، ونبئهم ، و نبئ عبادي ، و نبأتكما ، و أم لم ينبأ ) وقرأت ، وما جاء منه نحو ( قرأناه ، و اقرأ ، وهيئ ، ويهيئ ، وتؤوي ، و تؤويه ) وهذا مما اتفق الرواة على استثنائه نصا وأداء ، وانفرد ابن مهران ، عن هبة الله فلم يستثن شيئا سوى ( ذرأنا و تبرأنا ) بخلاف ، فوهم في ذلك ، وكذلك الهذلي حيث لم يستثن الأفعال ، وانفرد الصفراوي باستثناء ( يشا ، ويسوهم ، ورويا ) فحكى فيها خلافا ، وأظنه أخذ ذلك من قول أبي معشر الطبري وليس ذلك كما فهم ، إذ قد نص أبو معشر على إبدالها وبابها ، ثم قال : والهمز أظهر - إن شاء الله - وهذا لا يقتضي أن يتحقق فيها سوى الإبدال ، والله أعلم .
وأما من طريق الأزرق ، فإنه يبدل الهمزة إذا وقعت فاء من الفعل نحو ( يومنون ، ويالمون ، وياخذ ، ومومن ، ولقانا ايت ، والموتفكات ) واستثنى من ذلك أصلا مطردا ، وهو ما جاء من باب الإيواء نحو ( تؤوي إليك ، و التي تؤويه ، و المأوى ، ومأويكم ، و فأووا ) ولم يبدل مما وقع عينا من الفعل سوى ( بيس ) كيف أتى و ( البير ، والذيب ) وحقق ما عدا ذلك ، واختلف عن أبي عمرو في إبدال الهمز الساكن على ما تقدم مبينا في أول باب الإدغام الكبير ، ونشير هنا إلى زيادة تتعين معرفتها ، وذلك أن الداني قال [ ص: 392 ] في " التيسير " : اعلم أن أبا عمرو كان إذا قرأ في الصلاة ، أو أدرج القراءة ، أو قرأ بالإدغام لم يهمز كل همزة ساكنة . انتهى . فخص استعمال ذلك بما إذا قرأ في الصلاة ، أو أدرج القراءة ، أو قرأ بالإدغام الكبير ، وقيده مكي ، وابن شريح والمهدوي ، بما إذا أدرج القراءة ، أو قرأ في الصلاة ، وقال في " جامع البيان " : اختلف أصحاب وابن سفيان اليزيدي عنه في الحال التي يستعمل ترك الهمز فيها ، فحكى أبو عمرو ، وعامر الموصلي ، وإبراهيم من رواية عبيد الله وأبو جعفر اليزيديون عنه ، أن أبا عمرو كان إذا قرأ فأدرج القراءة لم يهمز ما كانت الهمزة فيه مجزومة ، ثم قال : فدل على أنه إذا لم يسرع في قراءته واستعمل التحقيق همز . قال : وحكى أبو شعيب عنه ، أن أبا عمرو كان إذا قرأ في الصلاة لم يهمز ، ثم قال : فدل ذلك على أنه كان إذا قرأ في غير الصلاة - سواء استعمل الحدر أو التحقيق - همز .
قال : وحكى أبو عبد الرحمن ، وإبراهيم في رواية العباس وأبو حمدون وأبو خلاد ، ومحمد بن شجاع وأحمد بن حرب ، عن ، أن الدوري أبا عمرو كان إذا قرأ لم يهمز ، ثم قال : فدل قولهم أنه كان لا يهمز على كل حال في الصلاة أو غيرها ، وفي حدر أو تحقيق . انتهى .
والمقصود بالإدراج هو الإسراع ، وهو ضد التحقيق ، لا كما فهمه من لا فهم له من أن معناه الوصل الذي هو ضد الوقف ، وبنى على ذلك أن أبا عمرو إنما يبدل الهمز في الوصل فإذا وقف حقق ، وليس في ذلك نقل يتبع ولا قياس يستمع . وقال الحافظ أبو العلاء : وأما أبو عمرو فله مذهبان : أحدهما التحقيق مع الإظهار والتخفيف مع الإدغام على التعاقب ، والثاني التخفيف مع الإظهار وجه واحد . انتهى . وهذا صريح في عدم التحقيق مع الإدغام ، وأنه ليس بمذهب لأبي عمرو كما قدمنا بيان ذلك في أول الإدغام الكبير ، واعلم أن الأئمة من أهل الأداء أجمعوا عمن روى البدل عن أبي عمرو على استثناء خمس عشرة كلمة في خمسة وثلاثين موضعا تنحصر في خمس معان :
( الأول ) الجزم ويأتي في ستة ألفاظ ، وهي ( يشاء ) في عشرة مواضع [ ص: 393 ] في النساء موضع ، وفي الأنعام ثلاثة مواضع ، وفي إبراهيم موضع ، وفي سبحان موضعان ، وفي فاطر موضع ، وفي الشورى موضعان ، ونشاء في ثلاثة مواضع في الشعراء وسبأ ويس ( وتسؤ ) في ثلاثة مواضع في آل عمران ، والمائدة ، والتوبة ( وننساها ) في البقرة ( ويهيئ لكم ) في الكهف ( و أم لم ينبأ ) في النجم .
( والثاني الأمر ) وهو البناء له ، ويأتي في ستة ألفاظ أيضا ، وهي ( أنبئهم ) في البقرة و ( أرجه ) في الأعراف والشعراء ، و ( نبئنا ) في يوسف ، و ( نبئ عبادي ) في الحجر ، ( ونبئهم ) فيها أيضا وفي القمر ، و ( اقرأ ) في سبحان وموضعي العلق ( وهيئ لنا ) في الكهف .
( الثالث ) الثقل ، وهو كلمة واحدة أتت في موضعين ( وتؤوي إليك ) في الأحزاب ( و تؤويه ) في المعارج ; لأنه لو ترك همزه لاجتمع واوان ، واجتماعهما أثقل من الهمز .
( الرابع ) الاشتباه ، وهو موضع واحد ( ورئيا ) في مريم ; لأنه بالهمز من الرواء ، وهو المنظر الحسن ، فلو ترك همزه لاشتبه بري الشارب ، وهو امتلاؤه ، وانفرد عبد الباقي ، عن أبيه ، عن أبي الحسين السامري ، عن السوسي فيما ذكره صاحب " التجريد " بإبدال الهمزة فيها ياء ، فيجمع بين الياءين من غير إدغام ، كأحد وجهي حمزة في الوقف ، كما سيأتي ، وقياس ذلك ( تؤوي ، و تؤويه ) ولم يذكر فيه شيئا ، والله أعلم .
( الخامس ) الخروج من لغة إلى أخرى ، وهو كلمة واحدة في موضعين ( مؤصدة ) في البلد ، والهمزة ; لأنه بالهمز من آصدت ، أي : أطبقت ، فلو ترك لخرج إلى لغة من هو عنده من أرصدت ، وانفرد عبد الباقي بن الحسن الخراساني ، عن زيد ، عن أصحابه ، عن اليزيدي فيما رواه الداني وابن الفحام الصقلي ، عن فارس بن أحمد ، وكذا أبو الصقر الدورقي ، عن زيد فيما رواه ابن مهران عنه بعدم استثناء شيء من ذلك ، وذلك في رواية من طريق الدوري ابن فرح ، فخالفا سائر الناس ، والله تعالى أعلم ، وانفرد أبو الحسن بن غلبون ومن تبعه بإبدال الهمزة من ( بارئكم ) في حرفي البقرة بإحالة قراءتها بالسكون لأبي عمرو ملحقا ذلك بالهمز الساكن المبدل ، وذلك غير مرضي ; لأن إسكان هذه الهمزة عارض [ ص: 394 ] تخفيفا ، فلا يعتد به . وإذا كان الساكن اللازم حالة الجزم والبناء لم يعتد به ، فهذا أولى وأيضا ، فلو اعتد بسكونها وأجريت مجرى اللازم كان إبدالها مخالفا أصل أبي عمرو ، وذلك أنه كان يشتبه بأن يكون من البرا وهو التراب ، وهو فقد همز " مؤصدة " ولم يخففها من أجل ذلك مع أصالة السكون فيها ، فإن الهمز في هذا أولى ، وهو الصواب ، والله أعلم .
وبقي أحرف وافقهم بعض القراء على إبدالها ، وخالف آخرون فهمزوها ، وهي ( الذئب ) في موضعي يوسف و ( اللؤلؤ ، ولؤلؤ ) معرفا ومنكرا ( والمؤتفكة ، والمؤتفكات ) حيث وقعا ( ورئيا ) في مريم ، و ( يأجوج ومأجوج ) في الكهف والأنبياء ( و ضيزى ) في النجم ، و ( مؤصدة ) في الموضعين ، أما ( الذئب ) فوافقهم على إبداله ورش والكسائي وخلف ، وأما ( اللؤلؤ ، و لؤلؤ ) فوافقهم على إبداله أبو بكر ، وأما ( والمؤتفكة والمؤتفكات ) فاختلف فيهما عن . فروى قالون أبو نشيط فيما قطع به ابن سوار ، والحافظ أبو العلاء في كفايته ، وغيرهم إبدال الهمزة منهما ، وكذا روى وسبط الخياط ، عن أبو بكر بن مهران الحسن بن العباس الجمال وغيره ، عن الحلواني ، وهو طريق الطبري والعلوي ، عن أصحابهما ، عن الحلواني ، وكذا روى الشحام عن وهو الصحيح عن قالون ، الحلواني ، وبه قطع له الداني في " المفردات " ، وقال في " الجامع " : وبذلك قرأت في روايته من طريق ابن أبي حماد وابن عبد الرزاق ، وغيرهما ، وبذلك آخذ .
قال : وقال لي أبو الفتح ، عن قراءته على عبد الله بن الحسين ، عن أصحابه ، عن الحلواني - يعني بالهمز - قال الداني : وهو وهم ; لأن الحلواني نص على ذلك في كتابه بغير همز . انتهى .
وروى الجمهور ، عن بالهمز ، وهو الذي لم يذكر المغاربة والمصريون عنه سواه ، والوجهان عنه صحيحان ، بهما قرأت وبهما آخذ ، والله تعالى أعلم . وأما ( قالون ورئيا ) فقرأه بتشديد الياء من غير همز أبو جعفر ، وقالون وابن ذكوان ، وانفرد هبة الله المفسر ، عن زيد ، عن الداجوني ، عن أصحابه ، عن هشام بذلك ، ورواه سائر الرواة عنه بالهمز وبذلك قرأ الباقون ، وأما يأجوج ومأجوج [ ص: 395 ] فقرأهما عاصم بالهمز ، وقرأهما الباقون بغير همز ، وأما ( ضيزى ) فقرأه بالهمز ابن كثير ، والباقون بغير همز ، وأما ( مؤصدة ) فقرأه بالهمز أبو عمرو ، ويعقوب وحمزة وخلف وحفص ، وقرأه الباقون بغير همز .