والعلو ينقسم إلى خمسة أقسام  
أجلها القرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ثم تداعت رغبات الأئمة والنقاد ، والجهابذة والحفاظ من مشايخ الإسلام إلى الرحلة إلى أقطار الأمصار ، ولم يعد أحد منهم كاملا إلا بعد رحلته ، ولا وصل من وصل إلى مقصوده إلا بعد هجرته ، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لأحب الأعمال إليه ولأنفع العلوم لديه ، فإنه مالك ذلك والقادر عليه .  
ولا بأس بتقديم فوائد لا بد من معرفتها لمريد هذا العلم قبل الأخذ فيه كالكلام على مخارج الحروف وصفاتها ، وكيف ينبغي أن يقرأ القرآن من التحقيق والحدر والترتيل والتصحيح والتجويد والوقف والابتداء ملخصا مختصرا ، إذ بسط ذلك بحقه ذكرته في غير هذا الموضع فأقول .  
أما  مخارج الحروف      :  
فقد اختلفوا في عددها فالصحيح المختار عندنا وعند من تقدمنا من المحققين :  كالخليل بن أحمد   ومكي بن أبي طالب  وأبي القاسم الهذلي  وأبي الحسن شريح  وغيرهم ، سبعة عشر مخرجا ، وهذا الذي يظهر من حيث الاختيار ، وهو الذي أثبته   أبو علي بن سينا  في مؤلف أفرده في مخارج الحروف وصفاتها .  
وقال كثير من النحاة والقراء : هي ستة عشر فأسقطوا مخرج الحروف الجوفية التي هي حروف المد واللين ، وجعلوا مخرج " الألف " من أقصى الحلق ، و " الواو " من مخرج المتحركة وكذلك " الياء " ، وذهب  قطرب  والجرمي   [ ص: 199 ]  والفراء   وابن دريد  وابن كيسان  إلى أنها أربعة عشر حرفا فأسقطوا مخرج النون واللام والراء وجعلوها من مخرج واحد ، وهو طرف اللسان ، والصحيح عندنا الأول لظهور ذلك في الاختيار .  
واختيار  مخرج الحروف   محققا : هو أن تلفظ بهمزة الوصل وتأتي بالحروف بعدها ساكنا أو مشددا ، وهو أبين ملاحظا فيه صفات ذلك الحروف .  
المخرج الأول - الجوف - وهو للألف والواو الساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها ، وهذه الحروف تسمى حروف المد واللين ، وتسمى الهوائية والجوفية . قال  الخليل     : وإنما نسبن إلى الجوف ; لأنه آخر انقطاع مخرجهن . قال   مكي     : وزاد غير  الخليل  معهن الهمزة ; لأن مخرجها من الصدر ، وهو متصل بالجوف .  
( قلت ) : الصواب اختصاص هذه الثلاثة بالجوف دون الهمزة لأنهن أصوات لا يعتمدن على مكان حتى يتصلن بالهواء بخلاف الهمزة .  
المخرج الثاني - أقصى الحلق - وهو للهمزة والهاء . فقيل : على مرتبة واحدة ، وقيل : الهمزة أول .  
المخرج الثالث - وسط الحلق - وهو للعين والحاء المهملتين ، فنص   مكي  على أن العين قبل الحاء ، وهو ظاهر كلام   سيبويه  وغيره ، ونص  شريح  على أن الحاء قبل ، وهو ظاهر كلام  المهدوي  وغيره .  
المخرج الرابع - أدنى الحلق إلى الفم - وهو للغين والخاء ، ونص  شريح  على أن الغين قبل ، وهو ظاهر كلام   سيبويه  أيضا ، ونص   مكي  على تقديم الخاء ، وقال الأستاذ   أبو الحسن علي بن محمد بن خروف النحوي     : إن   سيبويه  لم يقصد ترتيبا فيما هو من مخرج واحد . قلت : وهذه الستة الأحرف المختصة بهذه الثلاثة المخارج هي الحروف الحلقية .  
المخرج الخامس - أقصى اللسان مما يلي الحلق وما فوقه من الحنك - وهو للقاف ، وقال  شريح     : إن مخرجها من اللهاة مما يلي الحلق ومخرج الخاء .  
 [ ص: 200 ] المخرج السادس - أقصى اللسان من أسفل مخرج القاف من اللسان قليلا وما يليه من الحنك - وهو للكاف ، وهذان الحرفان يقال لكل منهما لهوي ، نسبة إلى اللهاة وهي بين الفم والحلق .  
المخرج السابع - للجيم والشين المعجمة ، والياء غير المدية - من وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك - ويقال - إن الجيم قبلها ، وقال  المهدوي     : إن الشين تلي الكاف ، والجيم والياء يليان الشين ، وهذه هي الحروف الشجرية .  
المخرج الثامن - للضاد المعجمة - من أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس من الجانب الأيسر عند الأكثر ، ومن الأيمن عند الأقل وكلام   سيبويه  يدل على أنها تكون من الجانبين ، وقال  الخليل     : إنها أيضا شجرية يعني من مخرج الثلاثة قبله والشجرة عنده مفرج الفم - أي مفتحه - وقال غير  الخليل     : وهو مجمع اللحيين عند العنفقة ; فلذلك لم تكن الضاد منه .  
المخرج التاسع - اللام - من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرفه وما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية .  
المخرج العاشر - للنون - من طرف اللسان بينه وبين ما فوق الثنايا أسفل اللام قليلا .  
المخرج الحادي عشر - للراء - ، وهو من مخرج النون من طرف اللسان بينه وبين ما فوق الثنايا العليا ، غير أنها أدخل في ظهر اللسان قليلا ، وهذه الثلاثة يقال لها : الذلقية ، نسبة إلى موضع مخرجها ، وهو طرف اللسان . إذ طرف كل شيء ذلقه .  
المخرج الثاني عشر - للطاء والدال والتاء - من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا مصعدا إلى جهة الحنك ، ويقال لهذه الثلاثة النطعية ; لأنها تخرج من نطع الغار الأعلى ، وهو سقفه .  
المخرج الثالث عشر - لحروف الصفير وهي الصاد والسين والزاي -      [ ص: 201 ]    " من بين طرف اللسان فويق الثنايا السفلى " ، ويقال في الزاي زاء بالمد وزي بالكسر والتشديد ، وهذه الثلاثة الأحرف هي الأسلية ; لأنها تخرج من أسلة اللسان ، وهو مستدقة .  
المخرج الرابع عشر - للظاء والذال والثاء - " من بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا " ، ويقال لها : اللثوية . نسبة إلى اللثة ، وهو اللحم المركب فيه الأسنان .  
المخرج الخامس عشر - للفاء - " من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا " .  
المخرج السادس عشر - للواو غير المدية والباء والميم - بما بين الشفتين - فينطبقان على الباء والميم ، وهذه الأربعة الأحرف يقال لها : الشفهية والشفوية ، نسبة إلى الموضع الذي تخرج منه ، وهو الشفتان .  
المخرج السابع عشر - الخيشوم - ، وهو للغنة وهي تكون في النون والميم الساكنتين حالة الإخفاء ، أو ما في حكمه من الإدغام بالغنة ، فإن مخرج هذين الحرفين يتحول من مخرجه في هذه الحالة عن مخرجهما الأصلي على القول الصحيح كما يتحول مخرج حروف المد من مخرجهما إلى الجوف على الصواب وقول   سيبويه     : إن مخرج النون الساكنة من مخرج النون المتحركة ، إنما يريد به النون الساكنة المظهرة .  
ولبعض هذه الحروف فروع صحت القراءة بها ، فمن ذلك الهمزة المسهلة بين بين فهي فرع عن الهمزة المحققة ومذهب   سيبويه  أنها حرف واحد نظرا إلى مطلق التسهيل ، وذهب غيره إلى أنها ثلاثة أحرف نظرا إلى التفسير بالألف والواو والياء ، ومنه ألفا الإمالة والتفخيم وهما فرعان عن الألف المنتصبة ، وإمالة بين بين لم يعتدها   سيبويه  ، وإنما اعتد الإمالة المحضة ، وقال : التي تمال إمالة شديدة كأنها حرف آخر قرب من الياء .  
 [ ص: 202 ] ومنه الصاد المشممة وهي التي بين الصاد والزاي فرع عن الصاد الخالصة وعن الزاي .  
ومنه اللام المفخمة فرع عن المرققة ، وذلك في اسم الله تعالى بعد فتحة وضمة وفيما صحت الرواية فيه عن   ورش  حسبما نقله أهل الأداء من مشيخة المصريين .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					