الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ أسباب التصحيف في الحديث ] ( و ) كذا ( أطلقوا ) ; أي : من صنف في هذا الفن ، ( التصحيف فيما ظهرا ) تحقيق حروفه من غير اشتباه في الكتابة بغيرها ، وإنما حصل فيه خلل من الناسخ أو الراوي بنقص أو زيادة أو إبدال حرف بآخر .

فالأول : [ ص: 63 ] كحديث جابر : دخل رجل يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب ، فقال : ( صليت قبل أن تجلس ؟ ) الحديث . رواه ابن ماجه بلفظ : ( قبل أن تجيء ؟ ) ، وهو غلط من الناسخ ، نبه عليه المزي . وكما روى يحيى بن سلام المفسر عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة في قوله تعالى : ( سأريكم دار الفاسقين ) ، قال : مصر . فقد استعظم هذا أبو زرعة الرازي واستقبحه ، وذكر أنه في تفسير سعيد المذكور بلفظ : مصيرهم .

والثاني : كحديث أبي سعيد في خطبة العيد : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم العيد فيصلي بالناس ركعتين ، ثم يسلم فيقف على رجليه ، فيستقبل الناس وهم جلوس ) الحديث .

رواه بعضهم فقال : على راحلته بدل رجليه . والصواب الأول ، فلا ريب في ( أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى العيد ماشيا والعنزة بين يديه ، وإنما خطب على راحلته يوم النحر بمنى ) .

والثالث : ( كقوله ) في حديث زيد بن ثابت : ( احتجم ) النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ; حيث جعله ابن لهيعة فيما ذكره مسلم في التمييز له ( مكان احتجرا ) بالميم بدل الراء ; لكونه أخذه من كتاب بغير سماع ، وأخطأ فبقيته : ( بخص أو حصير حجرة يصلي فيها ) . وقد جعل ابن الجزري هذا مثالا لتصحيف السمع في المتن ، وهو ظاهر . ( و ) كذا ( واصل ) أبدل اسمه ( بعاصم ) . بل ( و ) أبدلا ( الأحدب ) لقبه أيضا ( بأحول ) بالصرف للضرورة ، لقب عاصم ، وذلك في حديث شعبة عن واصل الأحدب ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود : ( أي الذنب أعظم ؟ ) .

وكذا خالد بن عرفطة ; حيث أبدله شعبة بمالك بن عرفطة . كل منهما ( تصحيف ) بالنصب مفعول مقدم ( سمع ) ; [ ص: 64 ] يعني في الإسناد ، ( لقبوا ) . فمن الملقبين بذلك للمثال الأول الدارقطني ، وللثاني أحمد ، وليس تلقيبهم بذلك بأولى من تلقيب احتجم به ، بل ذاك أولى ; لمشاركتهما مع الوزن في الحروف إلا واحدا ، بخلافه فيهما ، فليس إلا الوزن ; إذ أكثر الحروف مختلفة .

ثم إن جل التصحيف كما أشرت إليه في اللفظ ، ( و ) قد ( صحف المعنى ) فقط بعض شيوخ الخطابي في الحديث فيما حكاه عنه ، وإنه لما روى حديث النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة قال : منذ أربعين سنة ما حلقت رأسي قبل الصلاة . فهم منه حلق الرءوس ، وإنما هو تحليق الناس حلقا . وبعضهم حيث سمع خطيبا يروي حديث : ( لا يدخل الجنة قتات ) ، فبكى وقال : ( ما الذي أصنع ، وليست لي حرفة سوى بيع القت ) ; يعني الذي يعلف الدواب .

وأبو موسى محمد بن المثنى الزمن ( إمام عنزه ) حيث (

ظن القبيل بحديث العنزه

) التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي إليها ، فقال يوما : ( نحن قوم لنا شرف ، نحن من عنزة ، قد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلينا ) ، ذكره الدارقطني .

( وبعضهم ) ، وهو كما ذكره الحاكم أعرابي صحف لفظه ومعناه معا ، ( ظن سكون نونه ) أي : لفظ العنزة ، ورواه مع هذا الظن بالمعنى ( فقال : شاة ) ، فأخطأ و ( خاب في ظنونه ) من وجهين ; إذ الصواب عنزة بفتح النون ; وهي الحربة تنصب بين يديه . ولذلك حكاية حكاها الحاكم عن الفقيه أبي منصور قال : كنت بعدن [ ص: 65 ] أبين يوم عيد ، فشدت عنزة - يعني : شاة - بقرب المحراب ، فلما اجتمع الناس سألتهم بعد فراغ الخطبة والصلاة : ما هي العنزة المشدودة في المحراب ؟ قالوا : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي يوم العيد إلى عنزة ، فقلت : ( يا هؤلاء ، صحفتم ، ما فعل رسول الله هذا ، وإنما كان يصلي إلى العنزة : الحربة ) .

قال ابن كثير : وقد كان شيخنا المزي من أبعد الناس عن هذا المقام ، ومن أحسن الناس أداء للإسناد والمتن ، بل لم يكن على وجه الأرض فيما يعلم مثله في هذا الشأن أيضا ، وكان يقول إذا تغرب عليه أحد برواية مما يذكره بعض شراح الحديث على خلاف المشهور عنده : هذا من التصحيف الذي لم يقف صاحبه إلا على مجرد الصحف والأخذ منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية