الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما تم ذكر وفيات العشرة أردف بالمعمرين من الصحابة - رضي الله عنهم - ( وعاش حسان ) بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم ، و ( كذا حكيم ) بن حزام بن خويلد ابن أخي أم المؤمنين خديجة ، الصحابيان الشهيران ( عشرين ) سنة ( بعد مائة ) من السنين ( تقوم ) بدون نقص ، وتفصيلها ( ستون ) في الجاهلية ، ومثلها ( في الإسلام ثم حضرت ) بالمدينة الشريفة وفاة كل منهما ( سنة أربع وخمسين خلت ) أي : مضت من الهجرة ، كما قال به في مبلغ سن أولهما على هذا [ ص: 330 ] التفصيل ابن عبد البر ، بل حكى الاتفاق عليه ; فإنه قال : لم يختلفوا أنه عاش مائة وعشرين سنة ، منها ستون في الجاهلية ، وستون في الإسلام ، وكذا قال ابن سعد : عاش في الجاهلية ستين ، وفي الإسلام ستين ، ومات وهو ابن عشرين ومائة ، ومن قال به في مطلق كونه عاش مائة وعشرين الجمهور ، منهم الواقدي ، وحكاه ابن حبان ممرضا ، وفي مبلغ سن ثانيهما على التفصيل أيضا إبراهيم بن المنذر فيما حكاه البخاري عنه ، ومصعب بن عبد الله الزبيري وابن حبان وابن عبد البر ، وكما قال به في سنة وفاة أولهما أبو عبيد القاسم بن سلام وابن البرقي ، وحكاه عن ابن هشام ، وجزم به الذهبي في ( العبر ) ، وفي وفاة ثانيهما الواقدي والهيثم وابن نمير والمدايني ومصعب الزبيري وإبراهيم بن المنذر الحزامي وخليفة بن خياط وأبو عبيد ويحيى بن بكير وابن قانع ، وقال ابن حبان : إنه الصحيح . وبه جزم ابن عبد البر ، وكذا جزم ابن الصلاح بكلا الأمرين في كل منهما إلا حسان ، فحكى في وفاته قولا آخر فقال : وقيل : مات سنة خمسين . انتهى .

وحكاه ابن عبد البر أيضا ، وقيل : قبل الأربعين في خلافة علي ، قاله خليفة ، وبه صدر ابن عبد البر كلامه ، وقيل : في سنة أربعين . قاله الهيثم والمدايني والزمن وابن قانع ، ونحوه قول ابن حبان : مات أيام قتل علي ، بل اختلف في مبلغ سنه أيضا ، فقيل : مائة وأربع سنين . وبه جزم ابن أبي خيثمة عن المدايني ، وكذا قال ابن حبان ، وقال ابن البرقي : مائة وعشرون أو نحوها . كما أنه اختلف في سنة وفاة ثانيهما ، فقيل : سنة خمسين . وقيل : ثمان وخمسين . وقيل ـ وهو للبخاري ـ : سنة ستين ، وعلى كل حال فالتحديد بالستين في الزمنين لكل منهما فيه نظر ، أما حسان ; فلأنه روي أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان ابن ستين سنة ، وهو غير ملتئم بذلك مع كل من الأقوال في وفاته ; لأنه على القول بأنها سنة أربعين يكون قد بلغ مائة أو دونها ، أو سنة خمسين يكون بلغ مائة وعشرة ، أو سنة أربع وخمسين يكون بلغ مائة وأربع عشرة ، وهو أقربها ; فإنه [ ص: 331 ] يتمشى على طريقة جبر الكسر ، ويستأنس له بقول ابن البرقي كما تقدم وهو ابن عشرين ومائة سنة أو نحوها ، وأما حكيم ; فلأنه كان مولده ، كما رواه موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى الزبير عنه قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة ، وحكى الواقدي نحوه ، وزاد : وذلك قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين ، وكان كما حكاه الزبير بن بكار في جوف الكعبة ، وهو غير ملتئم أيضا بذلك تحديدا مع أقوال وفاته كما لا يخفى ، وتحديد أن مولده قبل النبي صلى الله عليه وسلم بخمس لا يلتئم مع كونه قبل الفيل بثلاث عشرة مع القول بأن مولده الشريف عام الفيل .

( وفوق حسان ) بالتنوين للضرورة ، المذكور أولا من آبائه ثلاثة في نسق ، وهم أبوه ثابت وأبوه المنذر وأبوه حرام ، ( كذا عاشوا ) أي : مائة وعشرين كما أورده ابن سعد عن حفيد حسان سعيد بن عبد الرحمن ، وفي آخره قال : كان عبد الرحمن ولد حسان إذا ذكر هذا استلقى على فراشه ، وضحك وتمدد كأنه لسروره يأمل حياته كذلك ، فمات وهو ابن ثمان وأربعين سنة ، لكن قد روينا في الزهد للبيهقي من طريق ابن إسحاق عن سعيد فقال : إن كلا من الأربعة عاش مائة وأربع سنين . قال سعيد : وكان عبد الرحمن إذا حدثنا هذا الحديث أشرأب لهذا وثنى رجليه ، على مثلها ، فمات وهو ابن ثمان وأربعين سنة . وكأن هذا هو سلف ابن حبان في اقتصاره على هذا القدر في أسنانهم ، ثم قال : وقد قيل : لكل [ ص: 332 ] واحد منهم عشرون ومائة سنة ، ولم يحك ابن الصلاح غيره ، قال أبو نعيم الأصبهاني : ( وما لغيرهم ) أي : الأربعة من العرب ، ( يعرف ) مثل ( ذا ) متواليا .

( قلت ) : لكن في الصحابة ( حويطب ) بمهملتين ، الثانية مكسورة ، مصغر ( ابن عبد العزى ) العامري ( مع ابن يربوع ) كينبوع ، ( سعيد يعزى ) أي : ينسب ( هذان مع ) بإسكان العين ، ( حمنن ) بفتح المهملة ثم ميم ساكنة بعدها نون مفتوحة ثم أخرى بدون تنوين للضرورة كما للزبير في النسب والأمير وغيرهما وهو المعتمد ، وضبطه الوزير المغربي : بزاء بدلها وقال : هو مشتق من الحمرة وهي الصعوبة ، وقال : ونونه زائدة ، ابن عوف أخي عبد الرحمن بن عوف ( و ) مع مخرمة ( ابن نوفل ) والد المسور ( كل ) من هؤلاء الأربعة وهم قرشيون ( إلى وصف ) حسان و ( حكيم ) في كون كل منهم صحابيا ، وعاش مائة وعشرين سنة ، نصفها في الجاهلية ، ونصفها في الإسلام ، كما رواه الواقدي في أولهم عن إبراهيم بن جعفر بن محمود عن أبيه ، وبه جزم ابن حبان ، ونحوه قول ابن عبد البر : أدركه الإسلام وهو ابن ستين أو نحوها ، وكما قاله الواقدي وخليفة وابن حبان في ثانيهم ، وكما قاله الزبير والدارقطني وابن عبد البر في ثالثهم ، وأنه بعد إسلامه لم يهاجر إلى المدينة ، وكما قاله في الرابع الواقدي فقال : يقال : إنه كان له حين مات مائة وعشرون [ ص: 333 ] سنة . وبه جزم أبو زكريا ابن منده في جزء له سمعته فيمن عاش هذه المدة من الصحابة ( فاجمل ) عددهم ستة ، غير أن مدة الزمنين ليست في الأولين من هؤلاء الأربعة ، وكذا الأخير على السواء ; لأن وفاتهم كانت في سنة أربع وخمسين ، وإسلامهم كان في فتح مكة ، فسواء اعتبرنا زمن الإسلام به أو بالهجرة أو البعثة ، لا يلتئم التحديد بذلك ; ولذا قيل في ثانيهم أيضا : إنه بلغ مائة وأربعا وعشرين سنة . وبه صدر ابن عبد البر كلامه .

وممن قال بوفاة الأربعة في سنة أربع ابن حبان ، وبها في الأول والثالث فقط الهيثم وابن قانع ، وفي الأولين فقط خليفة وأبو عبيد القاسم وابن عبد البر ، وفي الأول فقط الزمن ويحيى بن بكير ، وفي الثاني فقط الواقدي ، وفي الثالث فقط ابن نمير والمدايني ولم نجد عن أحد خلافه فيهم إلا الأول ، فقيل فيه أيضا : إنها في سنة اثنتين وخمسين ، وكانت وفاتهم بالمدينة إلا الثالث فبمكة ، بل قيل في الثاني أيضا : إنه توفي بها ، وكذا قيل في نوفل بن معاوية الديلي : إنه عاش في الجاهلية ستين وفي الإسلام ستين ، وممن جزم بذلك الواقدي ثم ابن عبد البر ، وكانت وفاته بالمدينة في خلافة معاوية .

( وفي الصحاب ) بالفتح والكسر ، جمع صاحب كما تقدم في كتابة الحديث ، ( ستة ) أيضا ( قد عمروا ) هذا السن ، ولكن لم يعلم كون نصفه في الجاهلية ونصفه في الإسلام ; لتقدم وفاتهم على المذكورين أو تأخرها أو لعدم معرفة تاريخها ، ذكره إلا الثالث أبو زكريا بن منده في الجزء المشار إليه ، وهم سعد بن [ ص: 334 ] جنادة العوفي الأنصاري والد عطية ، ذكره أبو عبد الله بن منده في الصحابة ، ولكن لم يذكر عمره ، وعاصم بن عدي بن الجد العجلاني صاحب عويمر العجلاني في قصة اللعان ، حكى ابن عبد البر ، عن عبد العزيز بن عمران ، عن أبيه ، عن جده عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، أنه عاش مائة وعشرين سنة ، وكذا ذكر أبو زكريا ، وأما ابن عبد البر فقال : إنه توفي سنة خمس وأربعين وقد بلغ قريبا من عشرين ومائة سنة ، وقال الواقدي وابن حبان : إنه بلغ مائة وخمس عشرة سنة ، وعدي بن حاتم الطائي توفي سنة ثمان وستين عن مائة وعشرين سنة ، قال ابن سعد وخليفة ، وقيل : سنة ست . وقيل : سبع وستين . واللجلاج العامري ذكر ابن سميع وابن حبان أنه عاش مائة وعشرين سنة ، وكذا حكاه ابن عبد البر عن بعض بني اللجلاج ، والمنتجع جد ناجية ، ذكره العسكري في الصحابة ، وقال : كان له مائة وعشرون سنة ، ولا يصح حديثه ، ونافع أبو سليمان العبدي ، روى إسحاق ابن راهويه عن ولده سليمان قال : مات أبي وله عشرون ومائة سنة ، وكذا ذكر ابن قانع ، ( كذاك في المعمرين ذكروا ) ، بل نظمهم البرهان الحلبي في بيت فقال :

منتجع ونافع مع عاصم وسعد لجلاج مع ابن حاتم قال : وإن شئت قلت وهو أحسن وسعد اللجلاج وابن حاتم .

[ ص: 335 ] وفي المعمرين جماعة من الصحابة ممن زاد سنهم على القدر المذكور ، منهم سلمان الفارسي ، فروى أبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين من طريق العباس بن يزيد ، قال : أهل العلم يقولون : إنه عاش ثلاثمائة وخمسين سنة . فأما مائتين وخمسين فلا يشكون فيها ، وقال الذهبي : وجدت الأقوال في سنه كلها دالة على أنه جاوز المائتين وخمسين ، والاختلاف إنما هو في الزائد ، قال : ثم رجعت عن ذلك وظهر لي أنه ما زاد على الثمانين ، كذا قال : وقردة أو فروة بن نفاثة السلولي ، قال أبو حاتم السجستاني في المعمرين : قالوا : إنه عاش مائة وأربعين سنة ، وأدرك الإسلام فأسلم وكذا رويناه في ( الزهد ) للبيهقي من جهة هشام بن محمد قال : عاش فروة بن نفاثة أربعين ومائة سنة ، وأدرك الإسلام فأسلم وأنشد أبياتا ، والنابغة الجعدي الشاعر الشهير ، قال عمر بن شبة عن أشياخه : إنه عمر مائة وثمانين سنة ، وعن ابن قتيبة أنه مات وله مائتان وعشرون سنة ، وعن الأصمعي أنه عاش مائتين وثلاثين ، وفي المخضرمين الربيع بن ضبع بن وهب الفزاري جاهلي أدرك الإسلام ، ويقال : إنه عاش ثلاثمائة سنة ، منها ستون في الإسلام ، بل يقال : إنه لم يسلم . والمعتمد خلافه ، وأنه قال : عشت مائتي سنة في فترة عيسى ، وستين في الجاهلية ، وستين في الإسلام وهو القائل :


إذا جاء الشتاء فأدفئوني فإن الشيخ يهدمه الشتاء     وأما حين يذهب كل قر
فسربال خفيف أو رداء

.

[ ص: 336 ] وفي استيفاء ذلك طول .

التالي السابق


الخدمات العلمية