الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ابن الأنباري : وليس المراد بعد التهم ثبوت العصمة لهم ، واستحالة المعصية منهم ، وإنما المراد قبول روايتهم من غير تكلف ببحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية ، إلا إن ثبت ارتكاب قادح ، ولم يثبت ذلك ولله الحمد ، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يثبت خلافه ، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير ; فإنه لا يصح ، وما صح فله تأويل صحيح ، وما أحسن قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله : تلك دماء طهر الله منها سيوفنا ، فلا تخضب بها ألسنتنا . ولا عبرة برد بعض الحنفية روايات سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه ، وتعليلهم بأنه ليس بفقيه ; فقد عملوا برأيه في الغسل ثلاثا من ولوغ الكلب وغيره ، وولاه عمر رضي الله عنهما الولايات الجسيمة .

وقال ابن عباس له كما في مسند الشافعي ، وقد سئل عن مسألة : ( أفته يا أبا هريرة ; فقد جاءتك معضلة ) . فأفتى ، ووافقه على فتياه . وقد حكى ابن النجار في ذيله عن الشيخ أبي إسحاق أنه سمع القاضي أبا الطيب الطبري يقول : كنا في حلقة بجامع المنصور ، فجاء شاب خراساني حنفي فطالب بالدليل في مسألة المصراة ، فأورده المدرس على أبي هريرة ، فقال الشاب : إنه غير مقبول الرواية . قال القاضي : فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع ، فهرب منها فتبعته دون غيره ، فقيل له : تب ، فقال : تبت . [ ص: 102 ] فغابت الحية ولم ير لها بعد أثر .

ويتخرج على هذا الأصل مسألة ، وهي أنه إذا قيل في الإسناد : عن رجل من الصحابة ، كان حجة ، ولا تضر الجهالة بتعيينه ; لثبوت عدالتهم .

وخالف ابن منده فقال : من حكم الصحابي أنه إذا روى عنه تابعي وإن كان مشهورا ; كالشعبي وسعيد بن المسيب ، نسب إلى الجهالة . فإذا روى عنه رجلان صار مشهورا واحتج به . قال : وعلى هذا بنى البخاري ومسلم صحيحيهما إلا أحرفا تبين أمرها . ويسمي البيهقي مثل ذلك مرسلا ، وهو مردود . وقال أبو زيد الدبوسي : المجهول من الصحابة خبره حجة إن عمل به السلف أو سكتوا عن رده مع انتشاره بينهم . فإن لم ينتشر ، فإن وافق القياس عمل ، وإلا فلا ; لأنه في المرتبة دون ما إذا لم يكن فقيها . قال : ويحتمل أن يقال : إن خبر المشهور الذي ليس بفقيه حجة ما لم يخالف القياس ، وخبر المجهول مردود ما لم يؤيده القياس ; ليقع الفرق بين من ظهرت عدالته ومن لم تظهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية