قال : وليس المراد بعد التهم ثبوت العصمة لهم ، واستحالة المعصية منهم ، وإنما المراد قبول روايتهم من غير تكلف ببحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية ، إلا إن ثبت ارتكاب قادح ، ولم يثبت ذلك ولله الحمد ، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يثبت خلافه ، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير ; فإنه لا يصح ، وما صح فله تأويل صحيح ، وما أحسن قول ابن الأنباري رحمه الله : تلك دماء طهر الله منها سيوفنا ، فلا تخضب بها ألسنتنا . ولا عبرة برد بعض الحنفية روايات سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، وتعليلهم بأنه ليس بفقيه ; فقد عملوا برأيه في الغسل ثلاثا من ولوغ الكلب وغيره ، وولاه أبي هريرة عمر رضي الله عنهما الولايات الجسيمة .
وقال له كما في مسند ابن عباس ، وقد سئل عن مسألة : ( أفته يا الشافعي ; فقد جاءتك معضلة ) . فأفتى ، ووافقه على فتياه . وقد حكى أبا هريرة ابن النجار في ذيله عن الشيخ أبي إسحاق أنه سمع يقول : كنا في حلقة القاضي أبا الطيب الطبري بجامع المنصور ، فجاء شاب خراساني حنفي فطالب بالدليل في مسألة المصراة ، فأورده المدرس على ، فقال الشاب : إنه غير مقبول الرواية . قال القاضي : فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع ، فهرب منها فتبعته دون غيره ، فقيل له : تب ، فقال : تبت . [ ص: 102 ] فغابت الحية ولم ير لها بعد أثر . أبي هريرة
ويتخرج على هذا الأصل مسألة ، وهي أنه ، كان حجة ، ولا تضر الجهالة بتعيينه ; لثبوت عدالتهم . إذا قيل في الإسناد : عن رجل من الصحابة
وخالف ابن منده فقال : من حكم الصحابي أنه إذا روى عنه تابعي وإن كان مشهورا ; كالشعبي ، نسب إلى الجهالة . فإذا روى عنه رجلان صار مشهورا واحتج به . قال : وعلى هذا بنى وسعيد بن المسيب البخاري ومسلم صحيحيهما إلا أحرفا تبين أمرها . ويسمي البيهقي مثل ذلك مرسلا ، وهو مردود . وقال : المجهول من الصحابة خبره حجة إن عمل به السلف أو سكتوا عن رده مع انتشاره بينهم . فإن لم ينتشر ، فإن وافق القياس عمل ، وإلا فلا ; لأنه في المرتبة دون ما إذا لم يكن فقيها . قال : ويحتمل أن يقال : إن خبر المشهور الذي ليس بفقيه حجة ما لم يخالف القياس ، وخبر المجهول مردود ما لم يؤيده القياس ; ليقع الفرق بين من ظهرت عدالته ومن لم تظهر . أبو زيد الدبوسي